عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #31
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

واقتربت ساعة الصفر



كانت ليلة عصيبة قضاها السلطان ساهرا قلقا .. لم يكن يشغل تفكيره سوى أمر واحد .. فمعركة الغد لن تحدد مصير أمة واحدة فحسب ، بل هى معركة لا تعنى الهزيمة فيها سوى شىء واحد .. نهاية الإسلام .. ترى كيف كانت أحاسيسه فى هذه الليلة ..

تأمل .. تحفز .. ترقب .. قلق .. ثقة ..

فى الصباح .. تقدمت جحافل العدو الضخمة لتجد الميدان شبه خالى .. من بين صفوف العدو أمير مسلم تم أسره وإجباره على التعاون وإلا فالموت ينتظره .. وها هو الآن على يمين قائد جيش العدو مترقبا أوامر الطاغية ولا يفتأ يرمقه بنظرة حاقدة تخفيها ملامح وجهه المخادعة ..

لم يكن الميدان خاليا كما يبدو .. فلم تكن هذه الصفوف القليلة سوى طليعة جيش المسلمين فحسب .. وقد أعطى السلطان إشارة البدء لهذه الطليعة بالتحرك ..

وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التل إلى داخل السهل .. لم تنزل صفوف الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة.. عندها .. بدت ملامح القلق والترقب على وجه طاغية الحرب وقائد جيش العدو .. وهنا إستدعى الأمير المسلم يشرح له تفصيلا ما يدور .. ونترك الحديث لهذا الأمير المسلم .. يقول ..

فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر الإسلام، وكان أول سنجق أحمر وأبيض، وكانوا لابسين العدد المليحة ..

موقف في غاية الروعة ..

لقد نزلت الكتيبة الإسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة أحمر في أبيض .. للفرقة كلها زي واحد، وكانوا يلبسون العدد المليحة، بمعنى أن الدروع والسيوف والرماح والخيول كانت في هيئة مليحة جميلة.. لقد نزلوا بخطوات ثابتة، وبنظام بديع ..

الجنود الإسلاميون ينزلون إلى ساحة المعركة في غاية الأناقة والبهاء .. وكأنهم في عرض عسكري.. لهم هيبة.. وعليهم جلال.. ويوقعون في قلب من يراهم الرهبة..

وهذه هي الكتيبة الأولى..

هنا يقول هذا الأمير المسلم "فبهت الطاغية وبهت كل من معه من الجنرالات والقادة" ..

هذه أول مرة يرى فيها جيش المسلمين على هذه الصورة، لقد كان معتاداً أن يراهم وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعاً من جيشه ، أو يراهم وهم يسلمون رقابهم للذبح الذليل !!.. كان معتادا على رؤية المسلمين في إحدى هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة فهذا ما لم يحسب له حساباً أبداً ..

فسأل الطاغية هذا الأمير المسلم والفزع يبدو على ملامحه : رُنك من هذا !

"ورنك" كلمة فارسية تعني "لون"، وهو يقصد كتيبة من هذه؟ إنها كتيبة مرعبة ..

وكانت فرق المسلمين فى هذا الجيش تتميز عن بعضها البعض بلون خاص.. فهذه الفرقة مثلاً لونها الأحمر في الأبيض، فكانت تلبس الأحمر والأبيض، ولها رايات بنفس اللون، وتضع على خيولها وجمالها وأسلحتها نفس الألوان، وتضع على خيامها نفس الألوان، وكذلك على بيوتها فى مصر، وعلى مخازنها وغير ذلك.. فكانت هذه بمثابة الشارة التي تميز هذه الفرقة أو الكتيبة..

وكثيرون لا يعلمون أن الجيوش القديمة كانت تميزها عن بعضها شارات على الذراع أو هيئة ملابس متقاربة ولم يكن الزى الموحد معروفا فى هذه العصور الأولى ..

سأل الطاغية في فزع: رنك من هذا؟

فقال الأمير : رنك "فلان" أحد أمراء المسلمين..

ومهما كانت عظمة الكتيبة المسلمة وبهاؤها فإننا لا نستطيع أن نفهم رعب القائد السفاح المهول من هذه الكتيبة الصغيرة جداً بالقياس إلى جيشه الضخم إ

نعود إلى السفاح وهو يراقب نزول الكتائب الإسلامية من فوق التلال ..
فبعد نزول الكتيبة الأولى نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء عليها من البهاء والجمال ما لا يوصف ..

تزلزل الطاغية وقال للأمير : هذا رنك من؟

قال الأمير : هذا رنك "فلان"أحد أمراء جيش المسلمين ..

ثم تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة، وكلما نزلت كتيبة سأل السفاح: رنك من هذا؟

فيقول الأمير المسلم : فصرت أي شيء يطلع على لساني قلته.. يعني بدأ يقول أسماء مخترعة لا أصل لها، لأنه لا يعرف هذه الكتائب، ولكنه يريد أن يرعب هذا السفاح بكثرة الفرق الإسلامية ..

وكل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش السفاح المرعب الرهيب؛ فقد احتفظ السلطان بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن تُنهَك قوات العدو ..

وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية تظهر على الساحة .. وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية.. لقد كانت الكتائب تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء.. فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب .. وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية .. وبذلك يستطيع السلطان أن يقود المعركة عن بعد، وعلى مساحة شاسعة من الأرض من خلال دقات هذه الآلات الضخمة .. هذا فوق الرهبة التي كانت تقع في قلوب الأعداء من جراء سماع هذه الأصوات المزلزلة ، بينما كانت هذه الدقات تثبت المسلمين، وتشعرهم بمعية القائد لهم في كل تحرك من تحركاتهم ..


واقتربت جداً ساعة الصفر ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس