عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #32
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

الحلم الأكبر



كان الحلم الأكبر لدى جنرالات الحرب منذ قديم الأزل .. هو بناء جندى مقاتل لا يشق له غبار .. جندى على أعلى درجة من الكفاءة والقوة والمهارة .. وعلى أعلى درجة من الإنضباط .. والأهم من كل هؤلاء .. الولاء اللامحدود ..

وتدافعت المدارس العسكرية والأكاديميات إلى صناعة هذا الجندى الفريد ..

كثيرون حاولوا وكانت النتيجة هى الفشل .. حين تطغى القوة فدائما تصحبها نزعة من الشر والتمرد .. وفى عملية البناء هذه تنكسر الكثير من الأشياء فى روح هذا الطفل الصغير الذى يتم إعداده ليكون جندى الغد .. تنكسر مشاعر مثل الرحمة والعطف والحب .. فيصبح أشبه بآلة للقتل منه إلى جندى متفوق يحمل صفات الفارس النبيل .. وحتى حين نجح البعض كان نجاحهم هذا محدودا .. وظل هذا الحلم يراود العسكريين إلى يومنا هذا ..

وتحقق الحلم مرة واحدة .. حين افاق العالم مذهولا على خطر لم تشهد البشرية له مثيلا من قبل .. وكان الإمتحان الصعب والمثالى .. وكان لهذا الحلم أن يتحقق رأى عين فى هذه اللحظة أو أن يتلاشى إلى الأبد .. أمام قوة لم تقهر من قبل .. أمام طاقات لا محدودة .. وأمام أرقام هائلة تزحف كالجراد .. وتمتلك مع هذا كله براعة تخطيطية ومهارة قتالية ..

هل سيغدو الحلم واقعا لا خيالا ..

لهذا الحلم إسم وهو .. المماليك .. وقصة هذه الدولة أشبه بقصص الخيال التى تجسدها شاشات السينما .. المغول .. أمة تجبرت فى الأرض وبلغت من الطغيان منتهاه .. تصدت لها دولة عرفت بالخوارزميين وكانت الحرب بينهم سجالا .. وفى إحدى المعارك يقع إبن جنكيز خان أسيرا ويقتله جلال الدين ملك الخوارزميين .. فيقسم جنكيز خان أن ينال من كل العائلة الملكية لدولة خوارزم شاه .. وينجح فى قسمه هذا .. من هذه العائلة الملكية ومن بين هذه المأساة يهرب طفل صغير هو آخر الناجين من المذبحة الملكية .. ويشب هذا الصغير ليكون سيف الخلاص من هذه القوة الغاشمة .. ولكن لم تنتهى القصة بعد .. فمفاجآت أخرى فى الإنتظار .. لم يكن هذا الأمير الصغير هو الناجى الوحيد فقد نجت فى الوقت ذاته إبنة الملك .. وهى أيضا فتاة أحلام هذا الامير الصغير وحبه الأول والأخير .. إنهما يفترقان ويمضى كل منهما فى حياة طويلة تحفها المغامرات وهما أخيرا يلتقيان ليتحقق حلما طال إنتظاره .. ولم تطل سعادتهما طويلا .. فقد كان كلاهما على موعد مع وعد قطعاه منذ أمد بعيد .. كلاهما يحيا لهذا الوعد وهذه الأمنية .. وكأن يد القدر ترتب وتعد فى الخفاء كل الأوراق فيصبح هذا الأمير ملكا ، حين كان يجب أن يكون .. وها هو القدر المحتوم يسعى بهذه القوة الغاشمة تحت قدميه لتلقى مصرعها على يديه جثة هامدة .. تحقق الوعد .. وباتت حياة الملك الشاب بعدها لا معنى لها .. فى أتون المعركة الخالدة يتعرض هذا الملك لموقف خطير يكاد يودى بحياته .. وإذا بفارس ملثم يمنحه حياته فى لحظة حاسمة .. لم يكن هذا الفارس الملثم سوى زوجته التى لم يغب وجه حبيبها عن عينيها لحظة واحدة وها هى تمنحه حياة جديدة لقاء حياتها هى .. ولكن أى حياة هذه فى كون لا تشرق فيه عيناها .. كان الصديق الأول لهذا الملك وذراعه اليمنى مقاتل بارع وصديق وفىّ لكنه اتصف بالتسرع دوما .. تشتبك خيوط كثيرة أمام هذا الصديق ليتأكد من حدسه أن الملك ينوى قتله ولا شك فيبادر هو متسرعا إلى قتله .. وفى اللحظات الأخيرة لهذا الملك يوصى بالملك من بعده لهذا الصديق الذى ما زال خنجره يرقد بين اضلاعه .. بقى أن نقول أن حقيقة هذا الملك بقيت غامضة لا يعرفها أحد من حوله سوى شيخه وأستاذه .. فارس كفرسان الاساطير لا يسعى لمجد أو ملك فها هو ذا يخفى حقيقة اصوله الملكية عن الشعب وعن صديقه وحتى عن عيون التاريخ .. ولكن التاريخ يأبى إلا أن يضعه حيث يستحق .. ذات يوم .. يعبث الصديق بأوراق الملك القديمة فيجد رسالة من شيخه يعرف منها حقيقة هذا الملك البسيط .. تدمع عيونه إشتياقا لصديقه وتوأم روحه ..

تكاد تكون هذه القصة اشبه بأسطورة منها إلى واقع ملموس ..

لم تكن دولة المماليك بالدولة العابرة فى فى ساحة التاريخ .. أو ومضة من نور فى صباح جديد .. بل كانت دولة عريقة الأركان صنعت لها مجدا فريدا وأطاحت بأكبر خطرين عرفهما المشرق الإسلامى فى وقت واحد .. المغول والصليبيين .. وظلت مزهرة قرابة أكثر من قرنين ونصف .. لا أحد يعرف تحديدا ما كان سيكون من أحداث التاريخ إذا سقطت هذه القوة الأخيرة .. لا نبالغ إن قلنا أن المماليك كان الأمل الأخير لهذا العالم فى التصدى لهذا الخطر المدمر ..

يقولون أن أفضل الطرق لتتعرف على قوة ما تكون بالنظر إلى خصم هذه القوة .. ولكى نتعرف على المماليك كان لزاما علينا أن نتعرف المغول أولا .. من يكون هؤلاء .. ماذا يريدون .. لماذا إجتاحت جحافلهم نصف العالم الشرقى بسرعة مذهلة .. ومن هذه القوة العجيبة التى تصدت لها وكسرت شوكتها .. وهل شخص واحد باستطاعته أن يغير مجرى التاريخ ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس