عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-04-2009, 06:44 AM   #34
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

براعة عسكرية


وبالرغم من هذه الوحشية والبربرية والهمجية .. فقد كانوا على أعلى قدر من التنظيم العسكرى وعلى دراية كاملة بإستراتيجيات الحرب .. وتكفى الإشارة إلى خطة إجتياح بغداد .. وهى نموذج للهجوم على الخصم من محاور عدة ..

الجهة الأولى : هولاكو وجيشه من الشرق

الجهة الثانية : كتبغا من الجنوب

الجهة الثالثة : بيجو نزولا من شمال أوربا .

إن هذا الإعداد المتقن وعدم الإستخفاف بالخصم وإن أكدت كل التقارير الإستخباراتية وعلى رأسها الوزير الخائن "ابن العلقمى" أن جيش الخلافة لا يتجاوز بضعة آلاف وهو بالفعل كذلك .. لكن براعة هؤلاء العسكرية تحفزهم دائما على عدم الإستخفاف ابدا بالخصوم ..

ولكن ما سر هذا الإنتشار السريع والإكتساح المرعب والمقاومة المعدومة ؟

لقد كانت دولة خوارزم شاه دولة قوية لها الكثير وعليها من المآخذ أكثر .. لقد فتكت هذه الدولة فى أواخر ايامها بممالك كثيرة فى آسيا وحين سقطت لم يكن هنالك من يتصدى لهؤلاء .. فكان إنتشار كالوباء وتم هذا كله فى عام واحد فقط ..

ولم تكن للخلافة العباسية وهى راية المسلمين فى المشرق من قوة بل لم تملك الخلافة العباسية من مملكتها العريقة سوى عاصمتها فحسب .. بغداد .. وكبرى المهازل أن يكون وزير هذه الخلافة السنية العريقة "شيعيا" حاقدا لا يخفى على أحد تشيعه وكرهه للإسلام وأهله .. إنه الوزير الخائن "ابن العلقمى" .. الذى قوض عامدا كل أركان الدولة فاصبحت لقمة مستساغة فى ظل حكم خليفة عابث لاهى لا يكترث سوى لروحه البئيسة ..

وتتوالى المهازل المبكية حتى الضحك والمضحكة حد البكاء .. فقد ذكر ابن كثيـر – في أحداث سنة 658هـ - أن سلطان دمشق وحلب (الملك الناصر بن العزيز)، وملك الكرك والشوبـك (الملك المغيث بن العادل) قد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم . كما انشغلت الدولة الخوارزمية بقتال المسلمين عن قتال المغول فى الوقت الذى كان فيه هذا الخطر الأعظم يجتاحها بكل شراسة ..

فكيـف إذا أضفنا إلى كل ذلك طبيعـة هؤلاء التتـر وكثرة عددهم – إذ هـم يخرجون عن الإحصاء – وقوة بأسهم، وشده صبرهم على القتـال؛ فهم لا يعرفون هزيمة، وعدم حاجتهم إلى غيرهم؛ فهم يعملون ما يحتاجـون إليه من السـلاح بأيديهم، ولا يحتاجـون إلى ميـرة ومـدد يأتيهم؛ فمعهم الأغنـام والبقـر والخيـل وغير ذلك من الدواب؛ يأكلون لحومها لا غيـر، وأمـا دوابهم التـي يركبـون فإنهـا تحفـر الأرض بحوافـرها وتأكل عـروق النبـات ولا تعرف الشعير.. فهم إذا نزلوا منزلا ، لا يحتاجـون إلى شيء من الخارج .

الموقف الآن كالتالى .. إتسعت رقعة المغول لتشمل كل آسيا بالكامل بالإضافة إلى نصف أوربا الشرقى .. وجيش المغول الرئيسى يقبع الآن على حدود آخر قوة تقف امامهم .. وبسقوطها تسقط كل إفريقية وأوربا وليتغير وجه التاريخ إلى الأبد ..


إن إضطرابات فى عاصمة المغول (قوراقورم) دعت هولاكو إلى الإنسحاب بسرعة إلى هناك ليضمن مكانه الشرعى أخيرا فى تاج الإمبراطورية بعد وصول خبر وفاة الخاقان الأعظم للمغول "منكوخان", و تم استدعاء أولاد وأحفاد "جنكيز خان" إلى مجلس الشورى المغولي لانتخاب الخان الأعظم.. وها هو يترك لذراعه الايمن واشهر قادة المغول هذه المهمة السهلة .. كتبغا .. لم يكن كتبغا بأقل دهاء من سيده فقد كان جنرالا متمرسا وله خبرة وباع طويلين فى فنون الحرب ..

وفى "عين جالوت" يصطف الفريقان لمعركة أخيرة حاسمة .. وفى هذه اللحظة تحديدا تأمل كتبغا هذا الجيش المميز أقصى درجات التميز عن أى جيش شاهدته عيناه فى كل تاريخه الطويل .. ولا شك أنه قد تردد فى طوايا نفسه هذا التساؤل الذى لا يكاد يفكر فى سواه ..

من يكون هؤلاء ؟

ولكن الإجابة على هذا التساؤل تسافر بنا إلى الوراء أعواما طويلة ..

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس