عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-05-2009, 10:26 AM   #272
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

حب أم بداية عذاب
ظننت أن القلب شاب عن الحب
وعاهد الروح أن لا يرحل إلى الغيوم
فللغيم أحيانا لون الجمر

في هذه الأسطر كان البدء بكلمة عذاب آتيًا ليعطي الدلالة على محورية هذا الحال كأداة لتحريك النص ،وليكون هناك توازٍ بين البداية وعذاب الحب ،بمعنى أنهما يكونان مترادفين في رؤية المبدع. بعد ذلك كان التعامل مع الغيوم بإعطائها دلالة عكسية أحد عناصر الجمال في النص ،وذلك منطلق من نقطة العذاب التي جعلته يرى كل شيء بعكس طبيعته خاصة إذا كانت الأشياء لديه مفلسفة وفق حالة الحزن والأسى.لكن كلمة أحيانًا فتحت باب المواربة لاحتمالية دخول مفاجآت غير متوقعة ، وهنا يبدأ النص –على قصره- في الاشتعال.
***


للمنفى معك طعم بنكهة الوصول
والوصال
والغياب فيك مزخرف بأمنية اللقاء
سأفتح معك صفحة للمطر
ربما

يجرؤ القلب
البدء بكلمة المنفى جاء ليؤكد طبيعة هذا العذاب والذي كان أوله خيبة الظن في المشيب عن الحب ، وهذه الخاطرة تمثل نقلة حركية ، فالمقطع الأول يعبر عن حالة غياب أما السطر الثاني فالأقرب هو أنه يعبر عن الانتقال إليها فعلاً وانتقال الخطاب من ضمير الغائب إلى المخاطَب الحاضر ولعل كلم (مع) بإضافتها إلى الكاف كاف المخاطب أعطت الانطباع بالقرب المكاني الموازي لاقتراب الحرفين من بعضهما في الكتابة. وكان التعبير بنكهة الوصول رائعًا لأن التعبيرات غير المباشرة تعكس قيمة الأشياء التي من خلالها يقوم المبدع بقياس الأشياء.فيكون الوصول هو هذه القيمة الجميلة التي يقيس عليها الأشياء لدرجة تصبح معها كلمة الوصول نائبة عن كلمة الجمال أو الفرح.ويأتي بعد ذلك التقابل بين المنفى والوصول والغياب واللقاء ودخول الكلمتين أمنية ، مزخرف أعطى النص –بعد المواربة-دخولاً في أجواء بهيجة كان يميزها وبشدة هذا التسلل الخفي الهادئ والذي لا يشعر القارئ معه باختلاف البدايات عن النهايات إلا حينما يصل إلى آخر العمل .عند السطرين الأخيرين نكون قد بدأنا الدخول فعلاً في الحالة البهيجة بالانفتاح على صفحة المطر ، وكان هذان السطران متقابلين مع السطرين الأخيرين من المقطع الأول لتكون نهاي المقطع الأول بداية المواربة وتكون نهاية المقطع الثاني بداية الفرحة. هنا أقول أن المطر اتخذ دلالة إيجابية لأنه متصل بكلمات الوصال والوصول والأمنية والزخرفة ولم يأت وليدًا لحالة الشتاءمثلاً ، وهذا الاستخدام للعبارات ذات الدلالات المتضادة بهذه الكيفية في هذا السياق يدل على وعي كبير بفنيات استخدام المفردات وأن المفردات في ذاتها ليست كافية لتحقيق دلالة إلا من خلال السياق. وهذا يُحسب للنص وهو القدرة على التحكم في الدلالة من خلال تسييقها (وضعها في السياق ).وكان هنالك حرص على المواربة من أجل زيادة تشويق القارئ حول هذه التجاذبات النفسية المعتملة في ذات المبدع من خلال كلمة (ربما) ومجيئها وحدها يأتي معبرًا عن همسة ، مصاحبة بحركة عين تهدف إلى تمويه المخاطبة المحبوبة لغرض إشعارها بالبهجة المتأتية بعد طول الشوق والخوف!
ولهذا التوازي بين الغيم والمطر عنصر جمالي ممثل في معرفة المبدع بكيفية تحقيق نقلات تراعي التقلبات النفسية مع التمتهيد للمستمع بالانتقال بهدوء وإثارة في ذات الوقت .
***


ترسمين بهمسك خطوطا للفجر
وترتلين بأنوثتك أناشيد الغيابِ
لم يبق للحزن سوى مسافة أمل
تصلني بك
هذا المقطع يعبر عن حالة من التضارب بين الحب والعتاب ولعله بغية أن يذكر
المحِبُّ محبوبته بواقعه الذي كانت –ربما –سببًا في مأساته .وأشعر بأن السطرين الأول
والثاني كاناأضعف من حيث دلالة تعبيراتهما وكان التعبير مسافة أمل تعبيرًا غير مباشر عن قلة المسافة ودنوّ الحزن ، كان استخدام التعبير غير المباشر عبقريًا في أنه يبرِز خوف الكاتب أو من يتحدث على لسانه من ذكر كلمة (مسافة قليلة) مباشرة ليؤكد حالة الضعف المتلبسة به أو ليبرِز فكرة وهي أن الأمل هي الوحدة التي يُقاس بها صغِر الأحجام وكِبَرُها.ولعل مجيء السطر الأخير لم يبق للحزن ....جاء ليوضح معنى فحواه العتاب لموقف مضى ، بحيث يصبح الكاتب أو من يتحدث على لسانه حريصًا على تذكير المحبوبة بشيء مضى ضايقه منها ،وهذا يزيد من توهج العمل وارتفاع قيمته الفنية.



صدئت شفتا هذا الليل
وأنا صدئت بانتظار سحابة لا تتسع للألم
أشيائي الجميلة ماتت
والحزن استنفد كل خطواتي
ألسنة الفجر تشققت
ليس بعالمي شيء سوى الصمت

هل ندفن معاً ،،،
جنازة الأمس
ونغني لربيع قادمٍٍ
ربما يحمل في طياته تفاصيل للأمل !!
كان التعبير أنا صدئت هامًا للغاية وأهميته في أن الكاتب أو من يتحدث على لسانه يعبر عن قوته حتى كأنه الحديد ، وهذه القوة التي تآكل شيء منها لابد من الإشارة إليها مرة أخرى من أجل التلاعب بالمحبوبة يمينًا ويسارًا –وكذلك القارئ- ليوصِل رسالة فحواها أنه وإن كان لا يريد أن يعيش في الحزن إلا أنه لا ينسى إساءة محبوبته حتى ولو كانت بين يديه ، فهذا المعدن الصلب مهما صدئ ...لا يُكسر .كذلك تعطى الفكرة دلالة حَرَفية عالية الجودة مفادها أن الفرحة لا تبعد عن الحزن كثيرًا وإنما هي منبعثة من رَحِمه ، وأخيرًا فإنها توضح أن الحزن المقيم بداخله حينا يستحيل فرحًا فإنه يستحيل فرحة غير عادية .وقد يقول القارئ إن الأخ العزيز ذكر كلمة ربما والأداة الاستفهامية هل بشكل يفيد استمرار المواربة والاحتمالية فأين هي الفرحة غير العادية خاصة إذا كانت كلمة الربيع منكّرة وليست معرفة ؟ فأقول :إن الذي يتضح لي من النص أن هذه النهاية التي تعمد وضعها هي نوع من التكتيك الذي يحرص المحبون على اتباعه مع محبوبيهم ، فاستخدام هذه الأدوات المفيدة الاحتمالية –من خلال السياق – يدل على تغير حقيقي ولكن الرغبة في نشويق الآخر وفي استكمال الثأر منه حتى استنفاد جميع ما فاته من أيام حلوة بسبب الهجر ، واستكمال لعبة العتاب قبل الوئام كل ذلك جعل النهاية تبدو موارِبة تحتمل كلتا النتيجتين ، واعتمادًا على ما كتبه الأخ العزيز من قبل فإن هذه الحالة تكون مغايرة لكل الحالات التي تنفتح الأبواب تجاه قوافل الحزن كليًا .فهذا النص حدث فيه انفراجة مفادها أن مساحة من الحزن لم يكن يُتصور –مجرد التصور- أن يتنازل عنها ، قد احتُلّت أو صار احتمال احتلالها والتنازل عنها واردًًا-في رأيي –بقوة اعتمادًا على ما في النص من عناصر تفيد الدخول في أجواء بهيجة ، ولعل كل ما ذُكِر بعد سأفتح معك صفحة للمطر هو استرجاع لما قبل هذا الموقف واستدعاء تكتيكي له.
العمل رائع للغاية وجدير بأن يُضاف إلى قائمة الأعمال الذهبية التقليدية لأخينا العزيز ولا أجد إلا أن أقول له
افرح أو احزن هذه حريتك ،لكن دُم مبدعًا وفقك الله
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 01-04-2010 الساعة 06:06 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس