عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-05-2009, 10:14 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المحاضرة السابعة

الولاء والحقيقة والواقع

ما يعطي تلك المحاضرات قيمتها التي هي عليها، هو ما كان يتبعه المؤلف من أسلوب يجعل من محاضراته وكأنها محاضرة واحدة متماسكة، فقد كان يتفقد ما تتعرض له محاضرته السابقة من انتقادات وتساؤلات، تطرح في الصحافة أو يراجعه من يعترض عليها في مكتبه أو من خلال المراسلات، ليجيب عن تلك التساؤلات في المحاضرة التالية.

ومن بين التساؤلات والاستنكارات للمحاضرات السابقة والتي سيذكرها في محاضرته التي بين يدينا، هي أن التركيز على الأخلاقيات دون الانتباه للواقع الذي يعيشه الفرد والمجتمع، سيكون ضربا من ضروب التخريف.

(1)

كتب له أحد أصدقائه يقول: إن الولاء ليس الغاية النهائية. أليس الولاء لكل الموضوعات المستحقة للولاء هو الواجب الأعلى الذي نسعى إليه؟ أليس التفاني هو موضوع ولائنا النهائي؟ أليس الجهد المصاحب لهذا الهدف هو الذي يضفي قيمة على أي بحث مخلص؟ أليس لنا الحق أن نسأل أنفسنا أو غيرنا عن سبب ولائهم؟

لقد فهم المؤلف من اعتراض صديقه أو تساؤله في رسالته على أن يريده أن يوضح علاقة الولاء بالواقع.

(2)

يتساءل المؤلف: ما هي حقيقة العالم، إذا كان الولاء نفسه خيرا حقيقيا، وليس مجرد وهم من الأوهام الإنسانية؟

إذا كان الولاء حقا، عبارة عن خدمة للقضايا. والقضية، حسب تعريفنا تربط حياة مجموعة من الأفراد في وحدة حياة واحدة. فإن الولاء إذا كان حقيقيا بالفعل، لا بد أن يربط النفوس الإنسانية في نوع من الوحدة الروحية الحقيقية. فهل تلك الوحدة موجودة بالفعل؟ وهل الإنسان إن اقتنع أنها غير موجودة، هل يبقى على ولاءه أم ستفتر همته؟

وهل يحقق الإنسان سعادته لأنه ملتزم بالولاء، من خلال اعتراف الآخرين بما هو عليه؟ أم أنه يحقق السعادة لأنه كان على ولاء بما يتوافق مع ذاته، وخدمة لكائن فردي أو جماعي لا يشترط أن يعلن إعجابه بولائه؟

يحسم المؤلف الإجابة عن تلك التساؤلات المعقدة، بقوله: إذا تيقن الفرد أن الروابط التي تجمعه بمن يعلن الولاء من أجلهم هي روابط روحية، فإن عزيمته لا تفتر وهمته لا تتهاوى. أما إذا كانت فكرة الولاء أسطورية لا تحقق للفرد إشباع شعوره بالسعادة، فسيتسلل الوهم الى نفس الفرد، ويصبح ولاءه وهما.

(3)

يقين، إيمان حقيقي، ولاء حقيقي، أي حقيقة؟ سواء كانت تلك الحقيقة علمية أم أخلاقية أم فلسفية أم روحية، فوقعها على الأفراد لا يكون بنفس الدرجة، ولا يكون تعريفها متفق عليه في كثير من التفاصيل.

فالمؤمن بالولاء الحقيقي، يحيا الحياة بواقعيتها ويؤمن بالخير الذي يتحقق من ولاءه، لكنه لا يستطيع جعل الآخرين أن يؤمنوا بنفس القدر الذي هو عليه من الإيمان.

لقد عرف الفيلسوف (وليام جيمس) الحقيقة في كتابه (البراجماتية) بأنها هي مطابقة الفكر مع الواقع. وعليه إذا كان لأحدنا فكرة مسبقة متكاملة عن شيء، وواجه ذلك الشيء فإن يحاكم ما يواجهه على ضوء تلك الفكرة أو المركب من الأفكار التي تجعله يقيم الشيء أنه حقيقي أم لا. وحتى تتطابق الصور التي يراها الناس مع أفكارهم، يفترض أن تكون أفكارهم متطابقة بكل تفاصيلها، حتى يستحق المجتمع أن يصنف أنه مجتمع (متوحد روحيا).

وهذا سيقودنا لمفهوم أو مصطلح (الصدق)، فالصدق يعامل كقيمة ينتفع بها الناس، فأي تبشير بفكرة لا تنفع الناس، لن يتبعها أحد، ولن يدفع بها ثمنا حتى لو كان ذلك الثمن منسوبا للولاء.

(4)

[ دعنا نحاول وضع مقاربة، لما يريد أن يقوله هذا الفيلسوف في محاضرته هذه، عن الصدق والحقيقة والولاء والواقع، حتى لا يبدو كأننا نقدم هذرا من كلام لا طائل منه. فلو آمن أحدنا بحزمة أفكار وطنية تخص الولاء للوطن والعمل وتقديم الخير للناس، وتلفت حوله ووجد الفساد مستشريا، ألا تساوره الشكوك بعبثية ولاءه؟] { هذه من عندنا لصناعة مقتربات الموضوع}

يقول المؤلف: إن أصحاب الولاء هم أقدر الناس جميعا، على التطلع الى أمل تحقيق نجاح حقيقي. فإن فشلوا كما يفشل الجميع. ولئن كانوا يعتمدون بصفة أساسية على خبرتهم الشخصية، إلا أنهم لا يهملون خبرات الآخرين، ويسعون الى تحقيق ما سماه الفيلسوف وليام جيمس ب (القيمة الفورية) أي تبجيل الناس لهم وتحقيقهم المنافع الشخصية، إنهم إن فعلوا ذلك ارتكس وتراجع مفهوم الولاء.

إن بقاء فكرة أن يموت البعض من أجل تحقيق هدفٍ سامٍ للآخرين، هي ما تبقي الآمال أمام الفضيلة لتنتصر على الرذيلة. هذا ما يحقق العدالة عندما يقسم الشهود على قول الحقيقة حتى لو كانت تلك الحقيقة تجلب لهم المتاعب.

إذن من العبث، أن يكتفي المرء بتعريف كل ما نقصده بالحقيقة، شعورنا ومشاعرنا الإنسانية بالمنفعة، أو بتحقيق مجموعة من الأهداف تفنى وينتهي تأثيرها بمجرد استخدامها. فأي هدف وأي موضوع منها، مجرد جزء، ونحن نريد بولائنا تحقيق الكل.

(5)

ماذا لو اكتشفنا في عينة من الوقت أن بحثنا عن الحقيقة كان مخلوطا بأفكارٍ خاطئة؟ وماذا لو كان ولائنا مستنداً على أفكارٍ مزيفة وغير حقيقية؟ هل يمكن أن نصل الى تلك الدرجة من محاسبة النفس؟

بالتأكيد، إن من يكون من أهل الولاء، لا بد وأن يكون منحازا لجانب من الحقيقة ولو كان جانبا واحدا، أي الانحياز للفضيلة التي تعم الجميع. لكن إذا كان الجميع يستنكرون عليه نمط ولاءه، فلا بد عندها أن يستمع ويتفكر بأهل الولاء من غير جماعته.

لقد شبه المؤلف (الفيلسوف) أهل الولاء (من البراغماتيين والذي يعتبر المؤلف أحدهم) لقضية ما، بالمؤسسة التجارية، التي يطالبها الدائنون بحقوقهم، وهي غير قادرة على تسديد تلك الديون، فعليها ـ بتلك الحالة ـ إعلان إفلاسها وتجيير موجوداتها للدائنين.

تعليق:

هذه أخلاقيات البراجماتيين (الذرائعيين) الذين يعتبرون النجاح هو المعيار الوحيد للحقيقة، لذلك يستند المؤلف الى ما قاله أستاذه (وليام جيمس 1842ـ 1910) والذي آمن بها بعد أن أوجدها زميله الفيلسوف (تشارلز بيرس 1839ـ 1914) وقد تسللت أفكارهم حتى أصبحت عماد الفلسفة الأمريكية المعاصرة. [اقتضى التنويه]



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس