(7)
كان (دعاس) ابن الخامسة والخمسين عاما، متقاعدا من (الدفاع المدني) وقد افتتح محلا لتصوير الوثائق وبيع (إكسسوارات) التطريز، ويضع أمام محله منصبا يثبت عليه الجرائد اليومية، وأحيانا يلبي طلبات من يبحث عن أوراق جرائد قديمة، حتى لو كانت كميتها بالأطنان.
كان عندما يقبل، يبدو بمشيته كمن يتهيأ لركل (ضربة جزاء)، رغم ظهور كرشه بشكل بسيط من بين سترته التي لا تطبق تماما على وسطه، وربما يكون لقدمها وعدم كيها، فكانت بلونها الذي هو بين الأخضر القاتم والبني القاتم، تعطيه طابعا خاصا به.
لم ينشغل كثيرا بالتجارة، وتلبية طلبات الزبائن القلائل يقوم بها شابٌ رقيق الجسم بشرته فاتحة، كأنه لم يعرضها لأشعة الشمس إلا دقائق قليلة. كان هذا الوضع يتيح لدعاس أن يشارك جيرانه من أصحاب المحلات في حفلات شرب الشاي الطارئة، أو حفلات (اغتياب) الآخرين من قبل أمثاله الذين يمارسون البيع بفترات متباعدة تسمح لهم بإكمال ما بدءوا الحديث به دون مقاطعة زبون فجائي.
كان لدعاس مجموعة من الأقارب الذين يمتهنون تجارة الأدوات المنزلية والسجاد الصناعي والستائر، وكان لمن يريد أن يشكل كتلة لانتخابات غرفة التجارة أن يختار أحد هؤلاء التجار ليضمن أصواتهم.
(8)
عندما فاتح (محمود) (دعاس) بأمر انضمامه للكتلة، لم يجبه بشكل فوري، لا نفيا ولا قبولا، فقد خشي إن سمع أقاربه بانضمامه للكتلة دون استشارتهم أن يخذلوه، ولا يعلنون مؤازرتهم له. كما أراد أن يستمع لمحمود أكثر من أن يناقشه، فهو لا يملك سيارة خاصة، ولا يستطيع إقامة الولائم، ولا يستطيع أن يسهم ماديا بحملة الانتخابات.
أراد محمود أن يريح دعاس مما يفكر فيه، فالوقت لا يسمح كثيرا في الانتظار، وقد يأتي (مسعود) رئيس الكتلة الأخرى لمفاتحة دعاس أو أقاربه. فطمأنه أنه لن يترتب على انضمامه للكتلة أي عبء مالي، وفيما يخص موافقة أقاربه، دعاه محمود للقيام بالتوجه فورا الى أكثر أقارب دعاس من التجار تأثيرا، ومفاتحتهم بالاشتراك بالكتلة، كلا على حده.
نظر دعاس بربع ابتسامة الى محمود، إعجابا بقدرته على قراءة ما كان بنفسه، ووافقه على التحرك الى أقاربه الذين تم انتقاء أسماءهم من قبل محمود أولا. وفعلا كان مجرد حضور دعاس مع محمود يجعل من يُفاتح أن يزكي (دعاس) لتلك المهمة.
وهكذا أصبح دعاس أحد أعضاء كتلة محمود وأصبح يتجول مع محمود في سيارته الخاصة، ويشاركه معظم جولاته.
(9)
في الجانب الآخر، استطاع (مسعود) بخبراته التي لا تقل عن خبرات محمود بتشكيل كتلته المشكلة من ثمانية مرشحين، وقد كان منهم ثلاثة على صلة قربى من ثلاثة مرشحين في كتلة محمود.
كان (مسعود) قد فاتح أحد المرشحين من كتلته ليكون نائبا له بحالة فوز كتلتهم، وكان هذا المرشح يسمى (خلف)، في حين كان أكثر من مرشح يطمح لأن يكون نائبا لمسعود بحالة النجاح.
لم يكن لكتلة مسعود، أي برنامج انتخابي، وهذا الحال ينسحب على كتلة محمود، فأعضاء الكتلتين ينشغلون في حشد الأنصار والمؤيدين وتعبئتهم من أجل النجاح فقط، ولا يشغلهم كما لا يشغل جمهور الناخبين أي برنامج انتخابي.
(10)
انتهى التصويت والفرز، ونجح محمود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (دعاس)، كما نجح مسعود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (خلف).
أعطى الحاكم الإداري للناجحين فرصة أسبوعين ليختاروا من بينهم واحدا ليكون رئيسا للغرفة التجارية، كما عليهم أن يختاروا واحدا آخرا ليكون نائبا للرئيس.
كان على كل من محمود ومسعود، محاولة سرقة أحد الناجحين من الكتلة المنافسة ليكسبوه لصفهم من أجل اكتمال النصاب (نصف + 1) حسب اللوائح الداخلية المحددة لأصول تلك الانتخابات.
كان المشهد الليلي، بعد الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل أن تملأ سماء بيت محمود المفرقعات الاحتفالية، ويشاع في الصباح أن الاختيار وقع على محمود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري، ينسحب أحد الخمسة الذين صوتوا لصالح محمود، فيعود الجميع أدراجهم الى بيوتهم لتتكرر الجولة.
وبعد منتصف الليل، تملأ المفرقعات سماء بيت مسعود ليعلن صباح اليوم التالي، عن أن الاختيار وقع على مسعود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري ينسحب أحد الأعضاء لتعاد المحاولات مرة أخرى.
كان كل عضو من الناجحين الثمانية يرفع شعارا (لأجل أمواتك سأحرم أمواتي الصدقة)، فقد سال لعاب كل واحد من الثمانية ليكون رئيسا لغرفة التجارة، أو على الأقل نائبا للرئيس.
في اليوم الرابع عشر توجه الثمانية الى مقر الحاكم الإداري، وجرى التصويت سريا عند الحاكم الإداري، فكان الرئيس (دعاس) ونائبه (خلف)!
انتهت انتخابات غرفة التجارة
__________________
ابن حوران
|