الموضوع: موقف سياسي
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-05-2009, 04:51 PM   #2
فكره وطريقه
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2009
المشاركات: 44
إفتراضي

يا سبحان الله على هذا الموقف السياسي العظيم، الذي لا بد أن نجعله محل تأسٍ وإتباع بحق، إن هناك من القضايا ما لا يقبل فيها مجرد المساومة، ولا يقبل فيها حتى الحديث، فإما أن تكون معنا أو تكون ضدنا، ومن هذه القضايا قضية قبول الإسلام نظاماً للحياة والمجتمع، فالمسألة بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام لم تكن مجرد مصالح يريد نيل القدر الأكبر منها، فيعتمد على حنكته التفاوضية وقدرته على المساومة والمراوغة، بل المسألة بالنسبة له مسألة حياة أو موت، وقد بين ذلك بقوله (حتى يظهره الله أو أهلك فيه) أي أنه يقبل الهلكة من أجل هذا الأمر.

ولم يكن الأمر من البساطة بحيث يكون عابراً في حق النبي عليه الصلاة والسلام أو في حق كتلته، فلقد اقترن بوعيد سادة قريش ظن وقع في صدر النبي بأن عمه قد خذله وأنه قد ضعفت نصرته له، فهو لم يتخذ القرار من سعة، بل اتخذه وهو في غاية الضيق، عمه الذي يحميه قد خذله، سادة قريش ملوا وسئموا وبدأوا يلجئون إلى التوعد بالنزال والهلكة، وصاروا لا يحتملون أمر النبي، فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن بكى واستعبر.

نفسي فداؤك يا حبيب، أبكاه الموقف، ولكن رغم الشدة لم تلن قناته، ولم ينثن رمحه، ولم تضعف عزيمته، ولم تخر قواه، بل ظل غاية في القوة والصبر والتحمل فلم يتزحزح.

وإنه من باب أن الشيء بالشيء يذكر، نخرج من جنبات هذا الموقف، ونحط عائدين إلى واقعنا المعاصر، وكيف أن الكثير من الأحزاب السياسية (الإسلامية) قد جعلت قضاياها التي قامت من أجلها محل مساومة ومحل تفاوض وورقة يلعبون بها، تربح مرة وتخسر مرات، فضربوا أقبح الأمثلة على اتخاذ مواقف سياسية مخزية!

وقد وصل الأمر ببعضهم أنه قبل بأن يكون الإسلام مجرد بضعة مقاعد تحت قبة برلمان قام على طمس أي اعتراف بأن العبودية لله وحده، فباءوا بالذل والخسران، وصاروا كالبطة التي أراد تقليد مشية الغراب، فلما أخفقت أرادت أن تعود لمشية البط فما قدرت، فلا أفلحت في تقليد مشية الغراب، ولا هي حافظت على مشية البط ! فسبحان من قبح صاحب الوجهين!

الأخ الكريم، الأخت الفاضلة

إن ألف باء العمل السياسي لأي حزب تحتم عليه تحديد قضاياه المصيرية، وتحتم عليه تحديد كيفية الوصول إلى تحقيق هذه القضايا على أرض الواقع، وتحتم عليه تحديد هوية العدو، وتحديد هوية الصديق، وهذا كله يجعل اتخاذ القرار السياسي الصائب أمراً ممكناً في حال التعرض لموقف سياسي عصيب.

وإن ألف باء اتخاذ أي قرار سياسي من قبل الحزب أو الكتلة تحتم عليه الاستعداد الكامل والتام لتحمل تبعات هذا القرار، لهذا كان لا بد من ثقافة التعبئة.

والمقصود بثقافة التعبئة هو تثقيف كل أعضاء الحزب بما يلزمهم ليستعصي على أعداء الحزب درسهم ومضغهم!

لابد أن يعلم كل عضو في الحزب أنه ليس في نزهة، وأن أي قرار سياسي يتخذه الحزب سيكون هو -أي العضو- الركيزة الأولى في إنفاذ هذا القرار.

بعض أعضاء الأحزاب يخوضون الحياة الحزبية حباً منهم للمغامرة والتغيير، فإذا ما ادلهمت الخطوب، واشتد الخناق، وأصبحت رؤية الشمس والعصافير ذكريات جميلة، تجدهم ارتعدت منهم الفرائص وصاروا يفكرون بالنجاة.

لذلك كان لا بد من ثقافة التعبئة، وكان لا بد من ربط كل تضحية بعوض لا يقاوم إغرائه، والحق أنه لا عوض في الدنيا يعوض الإنسان عن رؤية الشمس كل صباح وسماع تغريد العصافير!

ولكن العوض في الآخرة، ولذلك فإن التضحية واستعذاب العذابات أمر لا تجده إلا عند المسلمين، أو بالأحرى عند حملة الدعوة من المسلمين.

أوليس الذي يموت من أجل أن يقول الحق في وجه حاكم ظالم حاز على مرتبة (سيد الشهداء) والتي لم يحزها أحد إلا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فتخيلوا أن المسلم ممكن أن يصير في مقام حمزة بن عبد المطلب، لدرس يلقيه في مسجد أو كلمة حق مسطرة في منشور يوزعه أو خطبة جمعة يلقيها أمام الناس أو موقف صلب يعبر عنه بالاشتراك في مسيرة صدق!

إن الأحزاب (الإسلامية) تملك من الطاقة ما لا تملكه أي طائفة من طوائف البشر أجمعين، فالمسلمون يملكون عقيدة تقوم على أساس النضال والتضحية من أجل القضية التي حملنا إياها الإسلام، إنها قضية الحكم بالإسلام.

وإن قبول الأحزاب (الإسلامية) بالمواقع الوضيعة لهو إضاعة للطاقة الكامنة فضلاً عن أنه سير في عكس اتجاه الحق

إننا لا نطلب الكثير... فقط كل ما نطلبه من الأحزاب (الإسلامية) أن تدرس هذا الموقف للنبي عليه الصلاة والسلام وأن تجعله محل تأسٍ واتباع، فإن دراسة هذا الموقف وحده كفيل بتشكيل خط سير يوصل إلى النصر والفلاح حتماً.

وإنا لنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من الذين ورد ذكرهم في سورة القصص حيث قال:

{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }



راجي العقابي
فكره وطريقه غير متصل   الرد مع إقتباس