عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-06-2009, 12:04 AM   #310
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

تعتمد العديد من الكتابات الإبداعية على عنصر اللقطة، ذلك العنصر الذي يرى المبدع أن الكثير من الرموز تصل من خلال عملية الوصف للموقف باستخدام الرمز مع إضافة بعض المفاتيح التي تهدي القارئ إلى الأبواب التي يدخل منها إلى النص ، وفي حالة تعذر وجود أو صدء هذه المفاتيح فلا تثريب على القارئ إذا تلثم وقفز من النافذة أو إن تسلل من البوابات الخلفية ولو حتى قام بكسرها !!
والعمل الذي بين يدينا هو عمل يتسم بطابع شديد من التركيز والاستخدام الدقيق للألفاظ والعبارات معتمدًا على عنصر الحركة التي تتعلق بالرمز . وكذلك كانت البداية من نقطة المنتصف أو النهاية flash back تلك البداية التي تُعمل ذهن القارئ للنظر من الزوايا المتعددة إلى العمل والذي أتى كأقرب ما يكون إليه مشهدًا تنقصه الموسيقى التصويرية اعتمادًا على إيحاءات الرموز وتأثيرات الصور ..
تلتحفُ أريكتي هذا المساء
ما تبقى من زوايا النور
التي اختلست أنوثتها المكان .. بتقهقر .

يبدو التركيب ذا طابع لغوي أصيل ، إذ يعتمد على التقديم والتأخير فتقدير القول تلتحف أريكتي هذا المساء بتقهقر ما تبقى من زوايا النور ، والملاحظ أن الذكاء في هذا التعبير ينبع من أن التقهقر عملية رجوع للخلف لذلك جعلها المبدع في نهاية الفقرة لتتواءم مع البداية من الرجوع إلى الخلف ،ولأن التقهقر أمر غير مرغوب فيه جعلها المبدع العزيز مطر في نهاية الفقرة ليكون التقهقر هو الباعث على الكتابة وهو محور الحالة الإنسانية .
والذي يبدو من النص أن المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه قد ظل على الأريكة يتذكر هذا الواقع الأليم في لحظة صفاء مسائية حزينة ، وجاء اللفظ تلتحف ليوهم القارئ بأن الأريكة قد امتلأت نورًا في واقع صاخب غير أن لفظة ما تبقى من زوايا النور جاءت لتشير إلى هذه الحالة من التلاشي فالملتحَف ليس زوايا بل بقايا+زوايا النور ولو أن المبدع الجميل قد استخدم كلمة نور نكرة دون تعريف لزاد ذلك من قيمة تأثير اللفظ . والحالة التي هي التحاف بقايا زوايا النور هي حالة تعرٍّ تتعرى فيها الظلمة كاشفة عن قبح مضمونها وتبدو المقارنة بين النور الباقي معبرًا عن الأمل محزنة حينما يكون الوجه الآخر منها هو هذه الظلمة وهي اليأس .وكان المزج بين النور والأنوثة مزجًا عبقريًا يؤكد هذه النظرة ذات الشفافية الوجدانية التي لا تغدو فيها المرأة إلا رمزًا للنور ذلك الحب الطهور .

حملقتُ باتجاه النافذة
المكسور زجاجها ..
نحو خيوط الشمس ..
وهي شارعة في طريقها
الى عالم آخر ...

من هنا غالبًا يبدأ الحدث أو يعود بنا المبدع العزيز إلى لحظة أخرى من لحظات التذكر قد تكون هي الحدث أو إحدى مفرزاته .
التعبير حملقت يؤكد وجود حالة من الخوف والترويع ولم يعطنا المبدع السبب للخوف بل بدأ بالصدمة والرعب والضربة الاستباقية وهي ذلك النافذة مكسورة الزجاج .
ورغم أن هذا الرمز مكرر ومعروف دلالته لكنه على صعيد التخيل ومع اقترانه بالمؤثرات الصوتية يبدو أكثر قوةو إيصالاً للشعور . هنا الزجاج المكسور يأتي رمزًا للقلب والشمس هي تلك الأنثى والعالم الآخر لا يستبعد أن يكون عالم ما بعد الحياة لكن الغالب أنه ذهاب إلى عالم بشري آخر ، وما أعظم أن يغدو الإنسان في ذاته عالمًا ولكن إنسان هذا العالم هو القارة المتجمدة.
الخيوطٌ تحمل الطهر والفجيعة ..
تحملُ تضاريس اللقاء الاخير ..
الذي جمعنا عند باب حارتها
يوم أن أوصدته خيوط الشمس .. ذاتها
في ذلك المساء المشؤم ..
المكتظُ ايضاً .. بالحنين لذلك الباب !


ميز هذا الجزء أن تتخذ الشمس دلالة مادية ملموسة وتجسيدها كإنسان يغلق الباب ،والتعبير
اعتمادًا على السياق يبدو رائعًا للغاية إذ تبدو الشمس في دلالتها الحقيقية مسئولة عن هذا الحزن مما يجعل الرؤية لدى الشاعر متعلقة بالشمس .إذًا الشمس كانت ذات سمة مجازية وأخرى حقيقية ولعل استخدام كلمة في ذلك المساء المشئوم جاء ليعبر عن اختراقها سحر الليل وجمال ضيائه وعذب حديثه ليأتي الباب في دلالة على إمكانية الدخول لهذا القفص الذهبي المنتظر أو ما شابهه وتعبير مساء مشئوم مكتظ .. هذان النعتان أضفيا على التعبير حالة من البؤس وكلمة الحنين زادتها اعتمادًا على السياق الذي وردت فيه وليس اعتمادًا على دلالة الكلمةمفردة .
دخول الانثى هذه المرة ..
كان شاحبا ...
على عكس دخوله .. في الماضي البعيد القريب
كنتُ في الماضي انتظر دخولها ..
لأغامر مره اخرى ...
مغامرة يحتضنها باب !

هذه المرة .. وكانت النقطتان .. مؤديتين دورًا كبيرًا في عنصر التنغيم أي تخيل طريقة الإلقاء كأن شخصًا يحرك شفتيه يمنة ويسرة إشارةإلى سوء منتظر .وهذا يعني أن ثمة خولاً كان خطبة أو عقد قِران أو حتى أيام أُنس طفولي ذوبتها حرارة الشمس .ويأتي هذا الباب مرة أخرى ليكون معبرًا عن انسداد الأمل بعد أن كان وجهة للحنين .كم أنت غدار أيها الباب ، ولماذا أوصدت أمام شجرة أحلام ذهبية ..
بابٌ ومارة تحملق أعينهم وهلة ..
ثم يمضون نحو المدينة .. المهجورة
التي تمنيت أن تسكنها اشباحي ..
دَخَل المساء ..
وذهبت بضعُ روحي الباقيه معه

كأن الحملة هي الحسد الذ قد أدى دوره في نقل هذه التضاريس لتصبح على هذه الشاكلة !
إنهم الغربان التي انتظرت سقوط الثمرة! تعبير المدينة المهجورة كان وجهًا ثالثًا من وجوه التعبير عن المحبوبة بعد الشمس وبعد النافذة الزجاجي وتأتي المراعاة للنظير بين المدينة والأشباح تلك المحبوبة التي تمنى المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه لتزيد الحالة بؤسًا إذ يغدو المحب متمنيًا -بعد فقدان كل الأمل -بعض الأشباح ليقنع بها في ذاكرة المدينة المهجورة.
ويأتي التعبير دخل المساء ...ليعود بنا إلى الحالة الأولى :
تلتحفُ أريكتي هذا المساء
ما تبقى من زوايا النور
التي اختلست أنوثتها المكان .. بتقهقر ..

وكان ما بينهما من الخواطر هو ما يتذكره المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه سببًا لهذه التنهيدة التي أتت لشمس ظاهره الشروق وباطنها الغروب . هذا المساء بدلالاته المتعددة يغدو الصورة النهائية للمشهد +رحيل بضع الروح وما أعظم هذا التعبير الذي يؤكد على طهر ووجدانية هذا الحب الإنساني السامي .
وأخيرًا كان عنصر الحركة في دخول المساء في مقابل ذهاب بضع الروح كان مؤثرًا على صعيد الصورة
والمعنى معًا. دمت مبدعًا وفقك الله

آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 28-11-2009 الساعة 06:38 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس