عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-06-2009, 07:39 PM   #13
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

شهدت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة مستوى مرتفعًا من الاهتمام والتركيز الإعلامي على الصعيدين الإقليمي والدولي، فعلى الصعيد الدولي ترقب العالم ما ستسفر عنه الانتخابات الإيرانية والرد الإيراني على ما تشهده الساحة الدولية من حراك أمريكي جديد من قبل الوافد الجديد للبيت الأبيض براك أوباما وشعاراته عن حوار الحضارات ودعوته للتعاون مع العالم الإسلامي، وعلى الصعيد الإقليمي فإن التشيع السياسي والتغلغل الشيعي في الوطن العربي والخوف الإقليمي من نووي إيران جعل هناك حالة من الترقب الإقليمي لما ستسفر عنه تلك الانتخابات.
وهذا ما شكل حالة من التميز لهذه الانتخابات على الصعيد الداخلي ، سواء على صعيد البرامج التي طرحها المرشحون أو على صعيد الحملات الانتخابية ووسائلها، وهو الأمر الذي جعل رد الفعل على إعلان نجاد رئيسًا للبلاد لفترة ثانية غير متوقع، فقد خرجت المظاهرات وجرت تصادمات بين الشرطة والمتظاهرين وسقط جرحى وقتلى، كما دخل مصطلح التزوير إلى مصطلحات السياسة الإيرانية لأول مرة منذ تولي الثورة الإيرانية مقاليد السلطة في طهران.
مع أنه كان من المستبعد أن يدخل هذا المصطلح أو تظهر اتهامات أو اعتراضات من مرشحي الرئاسة على نتائجها، وذلك لطبيعة النظام السياسي في طهران، فلكي يتقدم المترشح للانتخابات الرئاسية في إيران لابد أولاً أن يحظى بموافقة مجلس صيانة الدستور ـ الذي يتكون من ستة من كبار رجال الدين وستة من رجال القانون ـ والذين يعينون مباشرة من قبل مرشد الثورة الإسلامية.
وحتى يتأهل المرشح ويحصل على موافقة مجلس صيانة الدستور يجب أن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية ويجب أن يكون شخصية سياسية أو دينية بارزة، وأن يكون له سجل لا تشوبه أي شائبة من الإخلاص والولاء التام للجمهورية الإسلامية. وقد رفض مجلس صيانة الدستور ترشح 475 شخصًا سجلوا أسماءهم بينهم 42 امرأة.
وبنظرة عابرة على المرشحين الأربعة للرئاسة يتبين لنا أن جميعهم كانوا أقطابًا رئيسين في نظام ولاية الفقيه ولهم ولاء تام للمرشد العام وإلا لما تم السماح لهم بترشيح أنفسهم من البداية.
فنجاد قبل أن يكون رئيسًا شارك كمقاتل بالحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وقاد اللواء الخاص بالحرس الثوري الإيراني كمهندس عسكري.
ومير موسوي تولى رئاسة الحكومة منذ عام 1981 حتى 1989، وعمل مستشارًا رئاسيًا منذ 1989 حتى 2005، كما أنه كان عضوًا في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
أما محسن رضائي: فكان قائدًا سابقًا للحرس الثوري.
ومهدي كروبي كان رئيسًا للبرلمان الإيراني كما أنه رجل دين تتلمذ في دراسته الدينية على يدي الخميني مباشرة.
فالمرشحون الأربعة هم أعضاء سابقين في النظام الإيراني والنظام هو من سمح لهم ـ فقط دون غيرهم ـ بالترشح بناء على ولائهم التام.
فاختيار أي من المرشحين الأربعة لرئاسة الجمهورية الإسلامية لن يترتب عليه أي تغير في شكل الدولة أو قضاياها الأساسية، والسؤال الذي يطرح نفسه أنه مدام الأمر كذلك فما الذي فجر المظاهرات والاحتجاجات في الشوارع بهذه الطريقة؟
أولاً: الاحتقان الشعبي فالشعب الإيراني يتعرض لقدر كبير من الكبت السياسي، ففي نظام الجمهورية الإسلامية تعد شخصية مرشد الثورة أو الولي الفقيه ـ وهو شخصية غير منتخبة شعبيًا ـ الشخصية المحورية، فهو يملك صلاحيات تفوق صلاحيات أي ديكتاتور أو متسلط فاشي، فمن صلاحياته وفقًا للمادة 110 من الدستور كافة المسائل الرئيسة الخاصة برسم وتعين السياسات العامة للنظام وقيادة القوات المسلحة وعزل وتنصيب أغلب رؤساء المؤسسات والمجالس الرئيسة من قبيل مجلس فقهاء ‌صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش والقوات المسلحة، والقائد العام لقوات حرس الثورة، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وكذلك عزل رئيس الجمهورية، وغيرها من الصلاحيات.
ثانيًا الأقليات الدينية: فبحسب تقديرات المراقبين لا تتعدى نسبة الفرس في إيران الـ51 في المائة من عدد السكان. ويتوزع بقية السكان الإيرانيين على عدد من الأقليات منها: أذريون (أتراك) 24 في المائة، وجيلاك ومازندرانيون 8 في المائة، وأكراد 7 في المائة إضافة إلى العرب في الغرب، والبلوش في الشرق.
فعلى الرغم من كبر حجم القوميات والأقليات في إيران، فإنها تعاني من تهميش سياسي واضح، فلا يسمح لها بإنشاء أحزاب سياسية، أو مؤسسات للمجتمع المدني، أو إصدار صحف ومجلات ناطقة بلغاتها، ولا تمتع بالمساواة في الحقوق والواجبات، وتعاني من التمييز، وهو ما يدل عليه أحداث العنف التي تشهدها البلاد بين الحين والآخر في الأقاليم التي تقطنها هذه الأقليات، كمظهر من مظاهر الاعتراض على ما تواجهه من سياسات تمييزية تصل في بعض الأحيان إلى حد الاضطهاد. بجانب التفاوت الواضح في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأقاليم التي تضم القوميات والأقليات الدينية الإيرانية المختلفة، إضافة إلى عدم توائم نسبة وجودهم في النظام السياسي مع حجمهم في المجتمع، لاسيما فيما يتعلق بالأقلية السنية التي يقتصر وجودها في هيكل النظام السياسي الإيراني على منصب مستشار الرئيس لأهل السنة، حيث قرر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مواصلة الاستعانة بعالم الدين السني "محمد إسحاق مدني" في المنصب ذاته الذي شغله خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد خاتمي، وفق قرار رئاسي أصدره في 3 يناير 2006.
ولأن الشعب الإيراني مأزوم وفي حالة احتقان حقيقي، فقد خرجت الألوف إلى شوارع طهران معربة عما في صدورها، رغم أن ما يحدث لن يشكل حتى في حالة نجاحه تغييرًا جذريًا، إلا أنه لم يكن أمام الشباب الإيراني إلا هذا المتنفس ليعبر عن غضبه، ولنا أن نعلم أنه لم يمر على الثورة الإيرانية غير ثلاثين عامًا فقط، وها هو الشعب الإيراني قد بدأ في التململ.
وماذا بعد؟
فيما تشهد إيران موجة احتجاجات شعبية واسعة تفجرت فور إعلان فوز الرئيس، محمود أحمدي نجاد، بولاية ثانية، بلغت لحد قتل سبعة أشخاص بعد مزاعم مهاجمتهم نقطة عسكرية في وسط طهران. وبعد مسيرات ضخمة خرجت في معظم مدن إيران للتنديد بنتائج الانتخابات. فإن أمام قادة النظام الإيراني أحد حلول ثلاثة:
إما التصديق على نتائج الانتخابات:
وهذا السيناريو يصعب تصوره؛ لأنه في أغلب الظن سيزيد حماسة الجماهير خاصة بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، ورد فعل السلطات الأمنية. وستشهد البلاد تدهورًا أمنيًا أشد، وهذا الإجراء سيزكي النار ولن يطفئها.
السيناريو الثاني: رفض نتائج الانتخابات:
في حالة رفض نتائج الانتخابات وإثبات أن هناك حالات من التزوير فإن ذلك سيشكل ضربة قاضية للرئيس والمرشد الأعلى، والذي رحب بنتائج الانتخابات ونعت فوز نجاد بأنه يوم عيد للإيرانيين جميعًا، كما قد يسبب فوضى عارمة في البلاد.
السيناريو الثالث: محاولة تسكين الوضع لفترة تسمح للنظام بالتقاط أنفاسه، وإعداد أوراقه، والقبض على الرموز المحركة للشارع أو التفاهم معها، بعد أن تكون هدأت حدة الثورة في نفوس الجماهير، وربما يخرج مير موسوي وتياره الإصلاحي ليهدئ الشارع بعد طمأنته أن الأمور على ما يرام، فهو في النهاية أحد رموز هذا النظام ولن يدع الأمر يخرج عن حد السيطرة.
وأيًا ما يكن من أمر فإن عجلة التاريخ لن ترجع إلى الوراء، وإنّ دولة قامت على القمع والتمييز والإقصاء لن يدوم لها الأمد طويلاً مهما بلغت من قوة وأوتيت من حشود
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس