عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-07-2009, 07:08 PM   #2
سيدي حرازم يطرونس
المشرف العام
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
الإقامة: SDF
المشاركات: 1,056
إفتراضي

ولهذا هناك خطر قادم حين نسمع أن الاستعلامات العامة أصبحت تتدخل بشكل سافر لدعم مرشح أو حزب أو لنسف تحالف أو تشتيت أغلبية..
وحين ينعدم الفرق بين المغرب ومصر في الانتخابات..فلننتظر الساعة..
- منذ تدشين مرحلة الانفتاح -التي تكاد تنهي عقدها الثاني- كان هناك أمل -ولو ضعيف- في أن ينتقل المغرب بشكل نهائي نحو مفهوم الدولة العصرية الحقيقية، أي بعيدا عن "الكليشيهات" الموروثة، والشعارات التي فقد معانيها من فرط التكرار.
وبالفعل لاحظنا كيف تم إعداد الأجواء لإنجاح تجربة التناوب التوافقي، التي مهما شابها من شوائب، إلا أنها تبقى مع ذلك دليلا على أن التغيير ممكن إذا توفرت آلياته ورجاله..وهنا تكمن المعضلة..
فنحن الآن نتحدث عن دولة بلا رجال..
فخلال المراحل الماضية، التي تصنف اليوم ضمن دائرة سنوات الرصاص، كان الصراع بين كائنات سياسية من الوزن الثقيل سواء من جانب السلطة، أو من جانب من كانوا ينازعونها حتى في شرعيتها..
ولهذا ليس من الإنصاف في شيء تقديم ذلك الماضي على أنه كان مجرد جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، فإذا كانت سلطة ذلك الزمن قد اضطرت إلى القتل والاختطاف والتعذيب وفتح المعتقلات السرية، فلأنها وجدت نفسها في مواجهة أشخاص "يرون القتل مجدا" على رأي الشاعر الجاهلي، بل اضطر أوفقير إلى إطلاق النار من مروحتيه لتفريق مظاهرات تلاميذ ذلك الزمان..
أجل التلاميذ هم الذين دفعوا إلى إعلان حالة الاستثناء وتعطيل الحياة "البرلمانية" لأكثر من خمسة أعوام..
فمن أين يأتي التغيير المأمول إذا كان حتى الطلبة الجامعيون في المغرب الجديد مجرد مخنثين تحتاج أحيانا إلى خبر طبية لتمييز ذكورهم من إناثهم؟
في ذلك الزمن أيضا، أذكر أن رئيس جماعة قروية لا وجود لها حتى في سجلات وزارة الداخلية، انتفض غاضباً لأن مسؤولي العمالة وضعوه وممثلي جماعته ضمن زاوية بعيدة جدا عن "الصدر" خلال وليمة رسمية، فغادر المكان وغذى مرافقيه من جيبه في أكبر مطعم في المدينة..
فكم عدد الرؤساء في مغرب اليوم الذين يملكون الجرأة حتى لرفع أعينهم في وجه العامل أو الوالي، فأحرى الانسحاب من مأدبة رسمية يقيمها؟
نحن نسير إلى الوراء..وما نراه أكبر شاهد..
-يروى أن عبد الرحيم الحجوجي أصيب بحالة من الهلع، لأنه اشتم من رد الوزير البصري ما يدعو إلى ذلك، حين ذكره هذا الأخير بأن الجميع ينبغي أن يخاف من المخزن بما في ذلك رجال المال والأعمال..
من حق الحجوجي أن يخاف، ليس لأن رأس المال جبان، ولكن لأن المخزن يومها كان مخيفا فعلا، وكان بالإمكان أن تجرف زعيم الباطرونا حملة من الحملات إياها دون أن يترحم عليه أحد..
لكن اليوم يقول الإعلام الرسمي أن المغرب تغير، وأنه لم يعد هناك مكان لممارسات الماضي، بل لم يعد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ينتج سوى قصائد المدح في الخطوات العملاقة التي قطعتها بلادنا على درب بناء دولة الحق والقانون..بينما الواقع يقول غير ذلك..
فعكس ما يجري حتى في الدول المتخلفة، حيث رجال الأعمال قوة اقتصادية تعبر عن نفسها سياسيا، ويسعى محترفو السياسة لكسب ودها حتى في أعرق الديموقراطيات، فإن الحلقة الأضعف عندنا هي هذه الفئة بالذات..
ومن الغريب أن كل الجماعات التي حدثت فيه انقلابات في آخر لحظة، وعلى طريقة المسلسلات المصرية الرخيصة، هي تلك التي ينشط فيها رأسماليون كبار في مجال السياسة..
لقد عدنا بعد كل هذا الزمن لطرح نفس السؤال الذي طرحه على وزير الداخلية الذي رحل عن الدنيا لكن دون أن يرحل تراثه من أساليب الترهيب.
الفرق الوحيد أن رجال المال والأعمال في العهد الماضي كانوا يخافون من المخزن كمؤسسة..بينما زملاؤهم الحاليون يخافون حتى من ظل المخزن وأشباحه..
لهذه الأسباب -وغيرها أكثر منها- لكن هذا ما سمح به المقام، تمنيت لو أنني كنت مواطنا موريتانيا..فهذا البلد الذي لا يذكر في المغرب إلا للتنكيت، أثبت أنه إذا فيه مليون شاعر، ففيه أيضا مليون رجل دولة رغم أنه لا يدعي لا الحداثة ولا الريادة ..ولا العراقة..ولا تتقاطر عليه شهادات حسن السيرة من واشنطن وباريس.
__________________
"Noble sois de la montaña no lo pongais en olvido"
سيدي حرازم يطرونس غير متصل   الرد مع إقتباس