عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-07-2009, 04:59 PM   #2
الشيخ عادل
كاتب إسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: مصر
المشاركات: 642
إرسال رسالة عبر MSN إلى الشيخ عادل
إفتراضي لماذا لم يَأْتِ الإسراء لمحةً فحسْب، ولماذا استغرق ليلة؟ 2

عدنا معكم تانى

فلو ذهب في النهار لرآه الناس في الطريق ذهاباً وعودة، فتكون المسألة ـ إذن ـ حِسيّة مشاهدة لا مجالَ فيها للإيمان بالغيب.

لذلك لما سمع أبو جهل خبر الإسراء طار به إلى المسجد وقال:

إن صاحبكم يزعم أنه أُسْرِي به الليلة من مكة إلى بيت المقدس، فمنهم مَنْ قلّب كفَّيْه تعجُّباً، ومنهم مَنْ أنكر، ومنهم مَن ارتد.

أما الصِّدِّيق أبو بكر فقد استقبل الخبر استقبالَ المؤمن المصدِّق...

ومن هذا الموقف سُمِّي الصديق، وقال قولته المشهورة: " إن كان قال فقد صدق ".


إذن: عمدته أن يقول رسول الله، وطالما قال فهو صادق، هذه قضية مُسلَّم بها عند الصِّدِّيق رضي الله عنه.

ثم قال: " إنَّا لَنُصدقه في أبعد من هذا، نُصدِّقه في خبر السماء (الوحي)، فكيف لا نُصدّقه في هذا "؟

إذن: الحق سبحانه جعل هذا الحادث مَحكّاً للإيمان، ومُمحِّصاً ليقين الناس، حين يغربل مَنْ حول رسول الله، ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع.

لذلك قال تعالى في آية أخرى:
(وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ.. ) [الإسراء: 60].

وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكُنْ مناماً....

فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً....

فالمنام لا يُكذِّبه أحد ولا يختلف فيه الناس.

لكن لماذا قال عن الإسراء (رُؤْيَا) يعني المنامية، ولم يقُلْ " رؤية " يعني البصرية؟


قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية، فالرؤيا محل الأحداث العجيبة.

وورد في الإسراء أحاديث كثيرة تكلَّم فيها العلماء:

أكان بالروح والجسد؟

أكان يقظة أم مناماً؟

أكان من المسجد الحرام أم من بيت أم هانيء؟

ونحن لا نختلف مع هذه الآراء، ونُوضِّح ما فيها من تقارب.

فمن حيث: أكان الإسراء بالروح فقط أم بالروح والجسد؟ فقد أوضحنا وَجْه الصواب فيه، وأنه كان بالروح والجسد جميعاً...

فهذا مجال الإعجاز، ولو كان بالروح فقط ما كان عجيباً، وما كذَّبه كفار مكة.

أما مَنْ ذهب إلى أن الإسراء كان رؤيا منام....

فيجب أن نلاحظ أن أول الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان الرؤيا الصادقة....

فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رُؤْيَا إلا وجاءت كفلَق الصبح، فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ليست كرؤيانا، بل هي صِدْق لا بُدَّ أن يتحقَّق.

ومثال ذلك ما حدث، مَنْ إرادةِ اللهِ لهُ رؤْيا الفتح.
قال تعالى:
{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ.. }
[الفتح: 27].

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم صحابته هذا الخبر، فلما ردَّهم الكفار عند الحديبية،

فقال الصحابة لرسول الله: ألم تُبشِّرنا بدخول المسجد الحرام؟

فقال: ولكن لم أَقُلْ هذا العام.

لذلك يسمون هذه الرُّؤى رؤى الإيناس...وهي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم الشيء مناماً، حتى إذا ما تحقق لم يُفَاجأ به، وكان له أُنْس به.

وما دام لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلَق الصبح فلا بُدَّ أن هذه الرؤيا ستأتي واقعاً وحقيقة، وقد يرى هذه الرؤيا مرة أخرى على سبيل التذكرة بذلك الإيناس.

إذن: مَنْ قال: إن الإسراء كان مناماً نقول له:

نعم كان رؤيا إيناس تحققتْ في الواقع، فلدينا رؤى الإيناس أولاً،

ورؤى التذكير بالنعمة ثانياً..

وواقع الحادث في الحقيقة ثالثاً...

وبذلك نخرج من الخلاف حول: أكان الإسراء يقظة أم مناماً؟

وحتى بعد انتهاء حادث الإسراء كانت الرؤيا الصادقة نوعاً من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم...

فكان كلما اشتدتْ به الأهوال يُريه الله تعالى ما حدث له لِيُبيّن له حفاوة السماء والكون به صلى الله عليه وسلم؛ ليكون جَلْداً يتحمل ما يلاقي من التعنت والإيذاء.

أما من قال: إن الإسراء كان من بيت أم هانيء.....

فهذا أيضاً ليس محلاً للخلاف؛ لأن بيت أم هانيء كان مُلاصِقاً للمطاف من المسجد الحرام، والمطاف من المسجد.

إذن: لا داعي لإثارة الشكوك والخلافات حول هذه المعجزة....

لأن الفعل فِعْل الحق سبحانه وتعالى، والذي يحكيه لنا هو الحق سبحانه وتعالى، فلا مجالَ للخلاف فيه.

وقوله تعالى:
{ مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى... } [الإسراء: 1].

المسجد الحرام هو بيت الله: الكعبة المشرفة....

وسُمّي حراماً؛ لأنه حُرّم فيه ما لم يحرُمْ في غيره من المساجد.

وكل مكان يخصص لعبادة الله نسميه مسجداً، قال تعالى:
{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ.. }
[التوبة: 18].


ولكن لماذا يختلف المسجد الحرام عن غيره من المساجد..؟

اقول :أنه بيت لله باختيار الله تعالى، وغيره من المساجد بيوت لله باختيار خَلْق الله...

لذلك كان بيت الله باختيار الله قِبْلة لبيوت الله باختيار خَلْق الله.

وقد يُراد بالمسجد المكان الذي نسجد فيه، أو المكان الذي يصلح للصلاة، كما جاء في الحديث الشريف:".. وجُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً ".

أي: صالحة للصلاة فيها.

ولا بُدَّ أن نُفرِّق بين المسجد الذي حُيِّز وخُصِّص كمسجد مستقل، وبين أرض تصلح للصلاة فيها ومباشرة حركة الحياة.....""

فالعامل يمكن أن يصلي في مصنعه، والفلاح يمكن أن يصلي في مزرعته، فهذه أرض تصلح للصلاة ولمباشرة حركة الحياة.

أما المسجد فللصلاة، أو ما يتعلق بها من أمور الدين كتفسير آية، أو بيان حكم، أو تلاوة قرآن. . إلخ ولا يجوز في المسجد مباشرة عمل من أعمال الدنيا.

لذلك حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ينشد ضالته في المسجد، قال له: " لا رَدَّها الله عليك ".

وقال لمن جلس يعقد صفقة في المسجد: " لا بارك الله لك في صفقتك ".

ذلك لأن المسجد خُصِّص للعبادة والطاعة، وفيه يكون لقاء العبد بربه عز وجل، فإياك أن تشغل نفسك فيه بأمور الدنيا، ويكفي ما أخذتْه منك، وما أنفقته في سبيلها من وقت.

والمسجد لا يُسمَّى مسجداً إلا إذا كان بناءً مستقلاً من الأرض إلى السماء.... فأرضه مسجد...وسماؤه مسجد....

لا يعلوه شيء من منافع الدنيا...

كمَنْ يبني مسجداً تحت عمارة سكنية، ودَعْكَ من نيته عندما خَصَّص هذا المكان للصلاة: أكانت نيته لله خالصة؟ أم لمأرب دنيوي؟

وقد قال تعالى:
{ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً }
[الجن: 18].


فمثل هذا المكان لا يُسمّى مسجداً؛ لأنه لا تنطبق عليه شروط المسجد...

ويعلوه أماكن سكنية يحدث فيها ما يتنافى وقدسية المسجد، وما لا يليق بحُرْمة الصلاة....

فالصلاة في مثل هذا المكان كالصلاة في أي مكان آخر من البيت.

لذلك يحرم على الطيار غير المسلم أن يُحلِّق فوق مكة؛ لأن جوَّ الحرَم حَرَمٌ.

ولكن لماذا قال الله فى قوله تعالى:
{ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى.. ؟} [الإسراء: 1].

في بُعْد المسافة نقول: هذا قصيّ. أي: بعيد.

وهذا أقصى أي: أبعد...

فالحق تبارك وتعالى كأنه يلفت أنظارنا إلى أنه سيوجد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى مسجدٌ آخر قصيّ....

وقد كان فيما بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالمسجد الأقصى: أي: الأبعد، وهو مسجد بيت المقدس.

وقوله سبحانه: { بَارَكْنَا حَوْلَهُ.. } [الإسراء: 1].

البركة: أن يُؤتي الشيءُ من ثمره فوقَ المأمول منه، وأكثر مما يُظنّ فيه، كأن تُعِد طعاماً لشخصين، فيكفي خمسة أشخاص فتقول: طعام مبارَك.

وقول الحق سبحانه:

{ بَارَكْنَا حَوْلَهُ... } [الإسراء: 1].

دليل على المبالغة في البركة، فإنْ كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى، فالبركة فيه من باب أَوْلى...

كأن تقول: مَنْ يعيشون حول فلان في نعمة، فمعنى ذلك أنه في نعمة أعظم.

لكن بأيّ شيء بارك الله حوله؟

لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية:

وهنا اقف مره اخرى لنتواصل ثالثا
__________________
اذا ضاق بك الصدر ...ففكر فى الم نشرح

فان العسر مقرون بيسرين..فلا تبرح
الشيخ عادل غير متصل   الرد مع إقتباس