عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-07-2009, 05:36 PM   #3
الشيخ عادل
كاتب إسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: مصر
المشاركات: 642
إرسال رسالة عبر MSN إلى الشيخ عادل
إفتراضي رد: لماذا لم يَأْتِ الإسراء لمحةً فحسْب، ولماذا استغرق ليلة؟ 3

لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية:

بركة دنيوية: بما جعل حوله من أرض خِصْبة عليها الحدائق والبساتين التي تحوي مختلف الثمار، وهذا من عطاء الربوبية الذي يناله المؤمن والكافر.

وبركة دينية : خاصة بالمؤمنين، هذه البركة الدينية تتمثل في أن الأقصى مَهْد الرسالات ومَهْبط الأنبياء، تعطَّرَتْ أرضه بأقدام إبراهيم وإسحق ويعقوب وعيسى وموسى وزكريا ويحيى، وفيه هبط الوحي وتنزلتْ الملائكة.

وقوله: { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ... } [الإسراء: 1].

اللام هنا للتعليل. كأن مهمة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس أن نُرِي رسول الله الآيات...

وكلمة: الآيات لا تُطلق على مطلق موجود، إنما تطلق على الموجود العجيب..

كما نقول: هذا آية في الحُسْن، آية في الشجاعة، فالآية هي الشيء العجيب.

ولله عز وجل آيات كثيرة منها الظاهر الذي يراه الناس، كما قال تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ.. } [فصلت: 37].

{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } [الشورى: 32].

والله سبحانه يريد أن يجعل لرسوله صلى الله عليه وسلم خصوصية...

وأن يُريه من آيات الغيب الذي لم يَرَهُ أحد، ليرى صلى الله عليه وسلم حفاوة السماء به، ويرى مكانته عند ربه الذي قال له:
{ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [النحل: 127].

لأنك في سَعة من عطاء الله، فإن أهانك أهل الأرض فسوف يحتفل بك أهل السماء في الملأ الأعلى..

وإنْ كنت في ضيق من الخَلْق فأنت في سَعة من الخالق.

الحق تبارك وتعالى تعرّض لحادث الإسراء في هذه الآية على سبيل الإجمال، فذكر بدايته من المسجد الحرام، ونهايته في المسجد الأقصى، وبين البداية والنهاية ذكر كلمة الآيات هكذا مُجْملة.

وجاء صلى الله عليه وسلم ففسَّر لنا هذا المجمل، وذكر الآيات التي رآها..

فلو لم يذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من آيات الله لَقُلْنا:
وأين هذه الآيات؟ فالقرآن يعطينا اللقطة الملزمة لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }
[القيامة: 17-19].


إذن: كان لا بُدَّ لتكتمل صورة الإسراء في نفوس المؤمنين أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال من أحاديث الإسراء.

لكن يأتي المشكِّكُون وضعَاف الإيمان يبحثون في أحاديث الإسراء عن مأخذ، فيعترضون على المرائي التي رآها رسول الله، وسأل عنها جبريل عليه السلام.

فكان اعتراضهم أن هذه الأحداث في الآخرة، فكيف رآها محمد صلى الله عليه وسلم؟

ونقول لهؤلاء: لقد قصُرَتْ أفهامكم عن إدراك قدرة الله في خَلْق الكون...

فالكون لم يُخلَق هكذا، بل خُلِق بتقدير أزلي له، ولتوضيح هذه المسألة نضرب هذا المثل:

هَبْ أنك أردتَ بناء بيت، فسوف تذهب إلى المهندس المختص وتطلب منه رَسْماً تفصيلياً له...

ولو كنت ميسور الحال تقول له: اعمل لي (ماكيت) للبيت، فيصنع لك نموذجاً مُصغّراً للبيت الذي تريده.

فالحق سبحانه خلق هذا الكون أزلاً، فالأشياء مخلوقة عند الله (كالماكيت)، ثم يبرزها سبحانه على وَفْق ما قدّره.

وتأمل قول الحق سبحانه وتعالى:
{ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
[يس: 82].


انظر: { أَن يَقُولَ لَهُ } كأن الشيء موجود والله تعالى يظهره فحسب، لا يخلقه بداية...

بل هو مخلوق جاهز ينتظر الأمر ليظهر في عالم الواقع؛

لذلك قال أهل المعرفة: أمور يُبديها ولا يبتديها.

وإن كان الحق تبارك وتعالى قد ذكر الإسراء صراحة في هذه الآية، فقد ذكر المعراج بالالتزام في سورة النجم، في قوله تعالى:
{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }
[النجم: 13-18].


ففي الإسراء قال تعالى:
{ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ.. } [الإسراء: 1].

وفي المعراج قال:
{ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }
[النجم: 18].


ذلك لأن الإسراء آية أرضية استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من الإلهام أنْ يُدلِّل على صِدْقه في الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...

لأن قومه على علم بتاريخه، وأنه لم يسبق له أنْ رأى بيت المقدس أو سافر إليه...

فقالوا له: صِفْه لنا وهذه شهادة منهم أنه لم يَرَهْ، فتحدَّوْهُ أن يصفه.

والرسول صلى الله عليه وسلم حينما يأتي بمثل هذه العملية..

هل كان عنده استحفاظ كامل لصورة بيت المقدس، خاصة وقد ذهب إليه ليلاً؟

إذن: صورته لم تكن واضحة أمام النبي صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها....

وهنا تدخلتْ قدرة الله فجلاَّه الله له، فأخذ يصفه لهم كأنه يراه الآن.
كما أن الطريق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى طريق مسلوك للعرب...

فهو طريق تجارتهم إلى الشام، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم:

أن عيراً لهم في الطريق، ووصفها لهم وصفاً دقيقاً، وأنها سوف تصلهم مع شروق الشمس يوم مُعين.

وفعلاً تجمعوا في صبيحة هذا اليوم ينتظرون العير. وعند الشروق قال أحدهم:
ها هي الشمس أشرقتْ.
فردَّ الآخر: وها هي العير قد ظهرتْ.

فكأن آية الإسراء جاءت لِتُقرِّب للناس آية المعراج.

فالذي خرق له النواميس في آيات الأرض من الممكن أنْ يخرق له النواميس في آيات السماء...

فالله تعالى يُقرِّب الغيبيات، التي لا تدركها العقول بالمحسّات التي تدركها.

ومن ذلك ما ضربه إليه مثلاً محسوساً لمضاعفة النفقة في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف..

فأراد الحق سبحانه أنْ يُبيّن ذلك ويُقرِّبه للعقول، فقال:
{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[البقرة: 261].


لذلك قال العلماء: إن الذي يُكذِّب بالإسراء يكفر، أما مَنْ يكذِّب بالمعراج فهو فاسق.

لكن أهل التحقيق يذهبون إلى تكفير مَنْ يُكذِّب المعراج أيضاً؛ لأن المعراج وإنْ جاء بالالتزام فقد بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف، والحق سبحانه يقول:
{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ.. }
[الحشر: 7].


والمتأمل في الإسراء والمعراج يجده إلى جانب أنه تسلية لرسول الله وتخفيف عنه، إلا أن لهم هدفاً آخر أبعد أثراً....

وهو بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُؤيّد من الله...

وله معجزات، وتُخرَق له القوانين والنواميس العامة؛ ليكون ذلك كله تكريماً ودليلاً على صدق رسالته.

فالمعجزة: أمر خارق للعادة الكونية يُجريه الله على يد رسوله؛ ليكون دليلاً على صدقه،



وربما يجد المشكِّكون في الإسراء والمعراج ما يُقرّب هذه المعجزة لأفهامهم بما نشاهده الآن من تقدُّم علمي يُقرِّب لنا المسافات،

فقد تمكَّن الإنسان بسلطان العلم أنْ يغزوَ الفضاء،
ويصعد إلى كواكب أخرى في أزمنة قياسية،
فإذا كان في مقدور البشر الهبوط على سطح القمر، أتستبعدون الإسراء والمعراج، وهو فِعْل لله سبحانه؟!

وكذلك من الأمور التي وقفتْ أمام المعترضين على الإسراء والمعراج حادثة شَقِّ الصدر التي حكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم...

والمتأمل فيه يجده عملاً طبيعياً لإعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لما هو مُقبِل عليه من أجواء ومواقف جديدة تختلف في طبيعتها عن الطبيعة البشرية.

كيف ونحن نفعل مثل هذا الإعداد حينما نسافر من بلد إلى آخر، فيقولون لك:

البس ملابس كذا. وخذ حقنة كذا لتساير طبيعة هذا البلد، وتتأقلم معه..

فما بالك ومحمد صلى الله عليه وسلم سيلتقي بالملائكة وبجبريل وهم ذوو طبيعة غير طبيعة البشر....

وسيلتقي بإخوانه من الأنبياء، وهم في حال الموت، وسيكون قاب قوسيْن أو أدنى من ربه عز وجل؟

إذن: لا غرابة في أنْ يحدث له تغيير ما في تكوينه صلى الله عليه وسلم ليستطيع مباشرة هذه المواقف.

وإذا استقرأنا القرآن الكريم فسوف نجد فيه ما يدلُّ على صدق رسول الله فيما أخبر به من لقائه بالأنبياء في هذه الرحلة، قال تعالى:
{ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ.. }
[الزخرف: 45].


والرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمره ربّه أمراً نفّذه.....

فكيف السبيل إلى تنفيذ هذا الأمر: واسأل مَن سبقك من الرسل؟


لا سبيل إلى تنفيذه إلا في لقاء مباشر ومواجهة، فإذا حدَّثنا بذلك رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج نقول له:

صدقت، ولا يتسلل الشكّ إلا إلى قلوب ضعاف الإيمان واليقين.

فآية الإسراء ـ إذن ـ كانت آية أرضية، يمكن أنْ يُقام عليها الدليل..

ويمكن أن يفهم الناس عنها أن القانون قد خُرِق لمحمد في الإسراء...

فإذا ما أتى المعراج وخرق له القانون فيما لا يعلم الناس كان أَدْعى لتصديقه.

والمتأمل في هذه السورة يجدها تسمى سورة الإسراء، وتسمى سورة بني إسرائيل...

وليس فيها عن الإسراء إلا الآية الأولى فقط، وأغلبها يتحدث عن بني إسرائيل...

فما الحكمة من ذِكْر بني إسرائيل بعد الإسراء؟

سبق أن قلنا: إن الحكمة من الكلام عن الإسراء بعد آخر النحل أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم كان في ضيق مما يمكرون...

فأراد الحق سبحانه أنْ يُخفِّف عنه ويُسلِّيه...

فكان حادث الإسراء، ولما أَلِفَ بنو إسرائيل أن الرسول يُبعَثُ إلى قومه فحسب، كما رأَوا موسى عليه السلام.

فعندما يأتي محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا رسول للناس كافّة سيعترض عليه هؤلاء وسيقولون:

إنْ كنتَ رسولاً فعلاً وسلَّمنا بذلك، فأنت رسول للعرب دون غيرهم، ولا دَخْل لك ببني إسرائيل، فَلَنا رسالتنا وبيت المقدس عَلَم لنا.

لذلك أراد الحق سبحانه أن يلفت إسرائيل إلى عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم....

ومن هنا جعل بيت المقدس قبلةً للمسلمين في بداية الأمر، ثم أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم إليه:

ليدلل بذلك على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين.

وارى اننى اطلت عليكم لكن كان لازم من الاستفاضه حتى نتعمق فى الاسراء والمعرج

سامحونى على الاطاله


__________________
اذا ضاق بك الصدر ...ففكر فى الم نشرح

فان العسر مقرون بيسرين..فلا تبرح
الشيخ عادل غير متصل   الرد مع إقتباس