عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-08-2009, 06:51 PM   #2
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي

يستكثر الانعزاليون أن ينسب للمنطقة أي إنجاز حضاري أو تاريخي يذكر. وهو ما حدا بهم إلى إعادة إنتاج القبطية لإسقاط ألف وأربعمئة عام من تاريخ البشرية، وهو نهج غربي عنصري يسقط نفس هذه الفترة من مواد الثقافة العامة، ومن مناهج التعليم العام والجامعي. وكذلك لتلبية مطالب التقسيم والتفتيت التي يسعى إليها الداعمون لهذا التوجه، و تأهيلهم للالتحاق بأصولهم الممتدة في حوض البحر المتوسط وجنوب أوروبا . ومن المتوقع إذا استمرت التداعيات بمعدلها الراهن أن يتسع الشق بكل ما لذلك من آثار سلبية في الوجدان الجماعي وفي اتجاهات الرأي العام الذي أخذ التعصب يلعب دورا خطيرا في توجيهه، وقد تراجعت شعبية الكنيسة المصرية، وخسر البابا شنودة الثالث كثيرا من مكانته بين جموع المصريين، وناله مؤخرا ما نال شيخ الأزهر من هجوم ونقد. وكان البابا شنوده صاحب شعبية كبيرة. كان أكثرها بين المواطنين المسلمين، الذين قدروا له موقفه الرافض لزيارة القدس في ظل الاحتلال. احترق كل هذا الرصيد، وما كسبه برفض التطبيع خسره بمساندته للتيار الانعزالي القوي داخل كنيسته. و انتهى بقبول التوريث وتزكية جمال مبارك في وراثة حكم من أبيه، ومبارك الابن شخصية مناسبة للانعزالية المصرية. وزاد الوضع تفاقما بسيل الكتابات والادعاءات التي تصدر عن قساوسة محسوبين على الكنيسة المصرية. تردد دون كلل بأن المسلمين غزاة وأن العرب محتلون وأن القبط أصحاب الزمان والمكان. أي التاريخ والجغرافيا. وهم على وجه أقرب لليقين ليسوا امتدادا للمصريين القدماء. ولا لهم علاقة بحضارتهم. كل ما يريدون هو إيقاف عقارب الساعة عند ما قبل القرن السابع الميلادي احياء لزمان قديم بثقافته وتراثه اليوناني والروماني واليهودي، واختطاف المكان والنزول به إلى الحفريات والقبور فيما قبل ألف وأربعمئة عام .
وأمام أعين البابا شنودة تشهد مصر شحنا مستمرا في الاتجاه الانعزالي، وكان في مقدوره أن يستغل مكانته ويوجه رسالة للسياسيين والمفكرين والشخصيات العامة يطالبهم بالدعوة لحوار وطني يواجه ما قد يكون قد تراكم من مشاكل بين المسلمين والمسيحيين. دون الوقوع في أسر النهج الاستشراقي المعتمد على ادعاءات تاريخية مزيفة التي كثيرا ما تصدى لها مؤرخون منصفون. فالعالم البريطاني الفريد باتلر ذكر في مؤلفه الصادر في جزءين عن الكنائس القبطية القديمة في مصر وصدر عن دار كلاردون للنشر في عام 1884. والكتاب صدر بعد سنتين من الاحتلال البريطاني لمصر. ذكر أن القبط شعروا بالارتياح بعد الفتح العربي لأنه حررهم من اضطهاد الرومان وأزاح عن كاهلهم استغلال الجاليات اليونانية واليهودية . ونضيف من جانبنا أن من دخل مع الفتح كان عددا محدودا من العسكر لا يتعدى الآلاف القليلة. ولم يسجل التاريخ واقعة لها علاقة بممارسة التطهير العرقي أو التهجير أو الإبادة الجماعية، فضلا عن اعتماد الفاتحين على القبط فأوكلوا إليهم إدارة كثير من شؤون البلاد. وأن يتكاثر عدد العسكر ومن لحق بهم فيتعدى خمسة وسبعين مليون نسمة يعني أن هناك حلقة مفقودة في حاجة إلى من يبحث عنها. هل كان ذلك العدد المحدود قادرا على التكاثر بهذا الحجم؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فمعنى ذلك أن الذين لم يتكاثروا رحلوا في ركاب الرومان واليونانيين واليهود، وهذا غير صحيح. أو أن مصر كانت تخلو منهم، وهذا أيضا غير صحيح. والواضح هو أن السكان بغالبيتهم تحولوا وانتقلوا من حال إلى حال آخر.
وزيادة في الاستفزاز يقدم الانعزاليون نموذج المعلم يعقوب الذي كون وقاد فرقة عسكرية من مسيحيي مصر حاربت مع العسكر الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت، ولن نستخدم إلا ما وصفه به الكاتب الوطني جمال أسعد عبد الملاك وهو خروج المعلم يعقوب عن الاجماع الوطني، الذي حشد كل طاقته لمقاومة الحملة الفرنسية ودعم ثورتي القاهرة الأولى والثانية. وإحياء هذا النموذج المثير للجدل كقدوة للجيل الجديد المستقطب من قبل الانعزاليين. فهذا يكشف مستوى الاستفزاز والرغبة العارمة في الاصطفاف بعيدا عن الجماعة الوطنية. في الوقت الذي يتم فيه تجاهل شخصيات بوزن وعظمة المجاهد الوطني الراحل مكرم عبيد، ومكانة السياسي الراحل إبراهيم فرج، ومن المخضرمين ميلاد حنا. ومصر المريضة بالداء الانعزالي مزدحمة بالنماذج والخبرات الوطنية في كل المجالات وبين كل المواطنين، مسلمين ومسيحيين. لكن هكذا يراد للزمن الرديء أن يصاغ بهذا الشكل فيعتمد على كل ما هو شاذ وفاسد.
' كاتب من مصر يقيم في لندن
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس