عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-10-2009, 10:40 AM   #6
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

يجمع أهل الرأي السديد في الكويت أنَّ الخطر المحدق بها من المشروع التوسعي الإيراني لايقارنه أيّ خطـر آخر ، وأنَّ هذا السرطان الخطير ـ بنسخته الكويتية ـ إستطاع أن يبلغ مرحلة متطـوّرة بالغة الخطـورة لثلاثة أسباب :

أحدها : ضعـف المؤسسة السياسية القياسي على مستوى كلّ تاريخ الكويت ، ممـّا أدّى إلى إنتشـار الصراعات الهابطة (الطفولية) التي تشغل المجتمع بترّهات التقسيمات الجاهلية إلى بـدو ، وحضر ..إلخ ، وما يدور في هذا الفلك من نفايـات (تخـلّف العهود البائدة) !! وتُستعمل فيها حتّى السفـاهة ، ولغة الخطاب الساقط ، وتُجتـرّ معها أحقاد تاريخية ، لامحل لها من الإعراب سوى في عقول مراهقة ، لاتحسن سوى لغة مفرداتها مشابهة للغة (المجاري والصرف الصحي) ، لعجزها عن بناء مشاريع أمة عصرية ناجحة في الفضاء النقـي!

ولا يخفى المراقبون وجود دلائل متكاثرة على أنّ ثمـّة أيـدٍ خفيـّة ، وراء تأجيج هذا الصراع ـ لاسيما في الوسط السنّي ـ وتهـدف أذرعة المشروع الإيراني أنّ يبقى هذا الوسـط ، بهـذا الدوّامـة ، لأنّ ذلك يوفّـر أجواء ملائمة جداً لصرف النظر عن مخطـّط المشروع الإيراني في الكويت الذي يسير بخطى صامتة في إتجاهين :

ـ التغلغل في قيادات المؤسّسة الأمنية ، والعسكريّة خاصة.

ـ التمركز في مفاصل الدولة الحسّاسة في شتـّى الدوائـر .

السبب الثاني : فراغ المشهد السياسي من مشروع جامع للمجتمع يحقق مصالحه العامة ويتّفـق نخبه ، ومؤسساته ، وأفراده عليه ، فحتّى ( الوطنيّة ) ليس لها دلالة حقيقية ، كما قـد يكون في بلاد أخرى ، ويكاد يقـرّ الجميع أنّنـا لسنـــا في ( دولة مواطنة ) ـ وأيّ دولة عربية أصلاً هي دولة مواطنة ـ بل ( دولة مكوّنات طبقيّـة ) ، ثـمَّ إنّ المكونات هذه التي تتوزّع على عـدّة أُسس ، عائلية ، حزبية ، حضرية ، بدوية ، قبلية ، طائفية ..إلـخ ، تتداخل بصورة عجيبة ، وفي أثناء تداخلاتها تحدث دوّامات الصراعات اليومية ، التي تسيـر إلى غير جهـة محددة ، بل تبـدو وكأنهـا ( بوصلة تائهة) تمامـا.

غيـر أنَّ هذا الصراع الخفـي ، يظهـر في العلن في الدوائر ، والمنابر الرسمية ، والصحف الرئيسة ، في قالـب ألفاظ أخـرى ، وفي صورة توتـّرات بين المجلس النيابي ، والسلطة التنفيذية ، ثـم تنعكس على من يدور في فلـك هذه ، أو تلك .

والمقصود أنّ هذا الفراغ السياسي ، والصراع الطبقي ، منـح أجواءً مثاليـّة لتنفيذ المخطط الإيراني ، فهذا المخطـَّط من جهة يغـذّي هذا الصراع حتى يمـزّق النسيج الإجتماعي ، ومن جهـة يستفيد منه في وصوله إلى مفاصل الدولة، باللعب على التناقضات ، وتوظيف التجاذب لصالحه ، ولهذا فهو هنا غالبـا كما يقال في المثل الشعبي الكويتي : ( يلعب على الحبلين ) .

السبب الثالث : استغلال هذا المشروع الإيراني لأمرين خطيرين في الكويت :

ـ التبنـّي ( الغبيّ ) لشعـار نبـذ الطائفية ، الذي استغله هذا المشروع للتمدّد السريع ، وأقول ( الغبيّ ) لأنَّ التبنّي الذكيّ هو الذي يجنب المجتمعات أخطار المشاريع الأجنبية !

ـ السطحيّة الثقافيّة لكثير من أصحاب القرار ، وشرائح من العموم ، بالنسبة لخطورة هذا المشروع الإيراني ، وبتطوّر الفكر الشيعي الذي يقوم عليه ، إلى فكر سياسيّ ثوريّ دمويّ منظـّم ، منذ قيام الثورة الخمينية .

والأخطر من هذا كلّه ، أنـّه قد جاءت هذه الأسباب الثلاثة في مرحلـة توسّع النفوذ الإيرانيّ في العراق ، واستطاعته أن يُقيم له ركائز قوية في المنطقة الشرقيّة في المملكة السعوديّة ، ويشعل حربا إنفصاليّة في اليمـن ، ويقيم له دولة داخل دولة في لبنان ، ويكتسـب قبـولاً عربيّا متزايـداً في تبنّيه ـ في العلن ـ خـطّ المقاومة في القضيّة الفلسطينيّة التي تلتفّ حولها الأمـة .

وهو يحمل مشروعاً طويل النفس ، يقطع المراحل بتؤده ، وتروّ ، ويلبس في كلّ بيئة كالحرباء لباسـاً وطنيـّا ، ويوظـّف له شخصياته المحليّة ، ويمـدُّها إلى جانب الدعم المادي ، بالتخطيط الذي أحيانا يفوق قدرة الدولة على مواجهـته بالمستوى المطلـوب ،

ولهذا كثيراً ما يبدو في الظاهر ـ كما عندنا في الكويت ـ أنّ مظاهـر مخطط الجيب الإيراني ( حزب الله الكويتي ) في الحقيقـة هـو أكبر من قدرة هذه الشخصيات الكويتية ، ومـَنْ تحتها من الكوادر ، ومـَن يساعدها منِ البعد الشعبي الشيعي الداعـم ، والسبب أنّ الدهاء الإيراني نفسه يقف وراءهـم بكلّ ما أوتي من خبرة متراكمة .

وأخيـراً ... وجد الكويتيون أنفسهـم ، بعد تغلغل المشروع الصفويّ في العـراق ، في حضن الهلال الشيعي شرقاً إيرانيّاً ، وشمالاً عراقيـّاً ، وهو يتلمـظّ بلسانه على ما فيها من خيرات ، ويراها الحلقة الأضعف خليجيـا ، طامعــاً في أن يطـوِّر قدرات ( حزب الله الكويتي ) ، ليحوّله إلى أعلى رقم في المعادلة السياسية في مرحلة أولى ، ثم إلى دولة داخل دولة في المرحلة الثانية ـ كما في لبنان ـ ثم إلى نظام سياسي خميني لكنه يلبس ( الغترة والعقال) في المرحلة الثالثة ، ثم إلى إندماج شامل مع الثورة الخمينية في المرحلة الخامسة ، ولايهمـّه طول مـدّة كلّ مرحلة ، فمادامت الحالة السياسيّة الكويتيّة مشغولة بما ذكرت في الأسباب الثلاثة الماضية ، ففرص نجاح المشروع الإيراني هي الأوفـر في الكويـت من كـلّ ما سواها .

وإذا بقيـت دول الخليج غير قادرة على صياغة مشروع جماعـيّ جاد وناهـض ، يواجه المشروع الإيراني القادم بقـوّة ، والقادر لوحده أن يعقد الصفقات الكبرى مع أمريكا ، يواجه هذا المشروع الخطير ، وينظـّف ما فيها من أذرع هذا المشروع .

وإذا بقيت في صيغِهـا السياسية الحالية التي تعود إلى القرون البالية ، والتي أكل عليها الدهر وشرب ، (سادة يحكمون عبيداً ) ، ثرواتها مهدرة ، ونخبهـا مهمّشـة ، أو مطبِّلـة ، وشعوبها قطعان همُّهـا إمـّا الأكل ، والشرب ، أو مظاهر الترف ، ومتطلبات الدَّعـة .

وإذا بقيت تثق في السياسة الأمريكية المتخبطة التي لايهمها إلاّ أطماع المجمّع الصناعي ، والمالي ، وصنّاع السلاح ، في الهرم السياسي الأمريكي ، وإرضاء الروح الصليبيّة العميـاء لمعتوهي المحافظين الجدد.

فسوف يأتي اليوم الذي تتمثـّل فيه :

كتبتُ بأدمعي خطّا بكفّـي ** كتابــاً بالتنـدِّم من صنيعي
أَنِمْتُ وخِنْجرُ الأعداء يدنُو ** وسيفُ المكر يقرُبُ من ضلوعِي؟!

والله الموفق ،،،،
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس