كنت أكنيه ب "ولد دانون"ّأو الدجاج الرومي. فكان يجيبني متحديا سأصبح بلديا رغم عن أنفك...بعد أن أصبحنا منرواد بيوت الله زادت علاقتنا توطدا. لم نكن نفترق إلا عند النوم , قال لييوما:
"أحس أن لا أحد يفهمني فيهذا العالم سواك."
لم يعرف الفقر كما عرفته, فكان ينفق إنفاق من لا يخشاه . ويعرف كيف يوظف ذكاءه المفرط وماله الوفير لإسعادالآخرين ودعوتهم إلى الله... شغوفا... مندفعا بقوة لحل مشاكل الجميع, وصفه أحدالأصدقاء يوما مادحا كرمه وإنفاقه أنه لم يقل لا يوما إلا حين ينطقها في شهادةالتوحيد. فكنت حين أجوع أو أحن إلى إحدى أجود أنواع الحلويات المنزلية المحشوة جوزاولوزا وفستقا أواعد ع عند حاتم الطائي بعد أن نهاتفه فيفرح بذلك ... 
بعد غزو التتار الجددلبلاد الرافدين لم يعد يذوق طعم النوم . دائم البحث والسؤال دون ملل عن طريق موصلإلى هنالك . قال لي يوما :
"لو وجدت من يوصلني إلىهناك وطلب مني نصف ما ورثته عن والدي رحمه الله لاقتسمت معه تركتي دون تردد...أخشىأن يمسنا عذاب الله . ويستبدلنا لأننا لانصلح ولسنا بحجم المسؤولية. أخشى منالنفاق..."
حين لاحظ استغرابي منكلامه تلا علي قول الله تعالى(يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فيسبيل الله اثاقلتم إلى الأرض , أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة, فما متاع الحياةالدنيا إلا قليل ,إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئاوالله على كل شيء قدير...
ثم يشرع يذكر لي أقوالالمفسرين والعلماء في تلك الآيات واستدلالاتهم بأسلوب سلس, رائع, جذاب, بديع, رغممروري على هذه الآيات مرات عدة, كنت وكأنني أسمعها لأول مرة. الكلام حين يخرج منالقلب يصل مباشرة وبسرعة إلى القلوب. هكذا قالوا قديما...
تلك الأيام... حين كانالناس يعيشون تحت وقع الصدمة يضربون أخماس في أسداس تحسرا كما ضربها آباؤهم من قبلحين سقوط فلسطين. وحين صاروا كجمهور انحسر دوره في الفرجة وانتظار نهاية مباراةمعلومة نتيجتها مسبقا. لا تكاد مؤخراتهم تفارق كراسي المقاهي متسمرين أمام القنواتالفضائية ببلاهة يتابعون تحليلات بائعي الكلام والوهم ومحللي الفضائيات المأجورين. وفتاوى تؤصل لدمي الحيض والنفاس ولا تلقي بالا لدم ثالث مهراق. دم المسلمين على أرضالعراق وغيرها. حينها كان رحمه الله يقطع البلاد طولا وعرضا , مذكرا الشباب والدعاةبتعين فريضة الجهاد, وبمسؤوليتهم الشرعية والتاريخية , لأنهم طليعة الأمة, وأنالتتار الجدد لن يردعهم ويردهم على أعقابهم سوى شباب الإسلام أحفاد القعقاع والمثنىوطارق بن زياد ....
اكتشفت فيه حينها ما لمأكن أعرفه رغم عشرتنا التي دامت أزيد من عقدين من الزمن. شعلة متوقذة من حماس, طاقةدفينة مخزنة انفجرت فجأة, صار يتكلم كخبير متمرس في الإستراتيجية العسكريةوالدراسات المستقبلية. كلما زرنه كان يبسط الخريطة أمامنا وأسهب في الشرح والتحليلبحماس غريب : " أنظروا ...منطقة الأنبار وديالى أقرب بقعة في بلاد الرافدين منفلسطين ثلاث مائة كيلو فقط تفصلنا عن القدس إنها فرصة العمر لقد ابتلعوا الطعم . ستذكرون ما أقوله لكم !!!