عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2009, 02:58 PM   #27
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

الموت الرهيب لا نهاية له . والسياط والأيدي الخشنة والألسنة الطويلة قطعها الله تعزف مقطوعة دامية رهيبة .

مرة أخرى عرفت معنى "الحكرة" والقهر الحقيقي . وبدا لي أن الإنتماء الحق لهموم هذه الأمة وأحزانها يعني الموت في كثير من الأحيان. وعلى يد من؟هذا هو ما يجنني! على أيدي من يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسمائنا. تبا لهم...

الموت...!!!نعم الموت...هددوني به مرارا. وقال لي أحدهم في الزيارة السابقة. وأنا معلق أتأرجح في الهواء كخروف عيد:" سنقتلك ككلب مسعور يحمل داءا معديا "

يستطيعون فعلها. وقد فعلوها بغيري هنا. وادعوا أنه كان يعاني مرضا مزمنا. لن يخسروا شيئا . تقرير طبي....وعناوين بالبنط العريض على صفحات أبواقهم الأولى...وفاة زعيم الخلية الإرهابية المفككة مؤخرا نتيجة إصابته بمرض مزمن . أو وفاة زعيم الإرهابيين متأثرا بجراحه بعد محاولة فرار فاشلة من قبضة قوات أمننا الباسلة . ثم مقتطفاة من بيان بارد رديء لجمعية حقوقية مخترقة يطالب بإجراء خبرة طبية نزيهة لكشف أسباب الوفاة!!! صيحة مبحوحة في واد سحيق.

أعادوه يئن ويتألم ورموا به مهددين ومتوعدين كل من كلم جاره بنفس المصير.

اللعنة عليهم ... أنسوني صلاة الصبح . تيممت وصليت إيماء برأسي من غير أن أتحرى القبلة. فكرت أن أسألهم عن اتجاهها وتراجعت في الأخير. قد أسبب لنفسي في وجبة أنا في غنى عنها . لو كانوا يعرفون القبلة لما كانوا هنا . ولما تفننوا في سب الخالق قبل المخلوق.

تكثر وتكبر أشواقي .هنا وتصير الأشياء التي لم أكن ألقي لها بالا ذات أهمية كبيرة. أشتاق فعلا للبادية.

كم أحب الخضرة؟! آخر مرة زررتها بعد خروجي الأول. انتابني إحساس بأن العالم قد تنكر لي . الكل يتحاشاني . أشجعهم من كان يسلم في سرعة ثم ينطلق لا يلوي على شيء.

إعتكفت في البيت, أصارع آلام نذوب في داخلي أبت أن تنمحي. ألحت علي أمي في السفر لتغيير الجو بعدم رفضت بقوة فكرة زيارة الطبيب . لم أومن يوما بشيء اسمه الطب النفسي . بل كنت أعتبر أصحابه مجرد بائعي كلام يحتاجون للعلاج أكثر من غيرهم.

أخذت منهم ترخيصا شفهيا, وخضعت لاستنطاق مطول بعد عودتي. حتى الحمير التي امتطيتها هنالك سألوا عن ألوانها وعلموا من يمتلكها...

مشيت حينها وسط الحقول الخضراء . وانتشيت بجو الصباح العليل. ووجوه الناس الباسمة عكس أهل الحاضرة ... خيل إلي ، الأرض تغني أغنية عاشق متيم . كانت أغصان الأشجار في تلك الأيام الربيعية تبدو لي وكأنها تتراقص في دلال ...

فرح بي أهل الوالدة هنالك منهم من لم أعرفه أو أراه من قبل. بدأت أفكر حينها في إطالة إقامتي هنالك . ولم لا أشتغل في الفلاحة وأستغل نصيب الوالدة من الأرض .على أغيب وجهي عنهم أو ينسونني.؟ عشت الفرح لأيام ...إلى أن أفسدوه علي كعادتهم في إفساد كل جميل. خلوتي وهدوئي هناك. ماكدت أبلغ اليوم الرابع حتى رن الهاتف. صوت جاف يأمرني بالعودة فورا.لم يمهلني الخبيث حتى أبرر له سبب رغبتي في البقاء هناك أكثر.

قطع الخط, فقطعت المسافة عائدا صوب بيت أسرتي فورا حتى لا أخلق لنفسي مشاكل أنا في غنى عنها ...كل هذا الإفزاع ليعرض علي صورة كالعادة سائلا: هل تعرف هذا؟ هل سبق أن رأيته وأين؟ لا ينتظر جوابي بالنفي ليقول لي نريد أن نعرف كنيته وأين هو الآن؟.

وخزات كالإبر تعم كامل جسمي. والأنين من حولي لا يتوقف,وجاري المشاغب لايكف عن الحركة ووكزي بين الفينة والأخرى طالبا مني الدردشة معه لأنهم ليسوا هنا. كان يهمس لي في كل مرة وبإلحاح بالغ:

" نزل البانظة راهم مكينينش"( أنزل العصابة إنهم غير موجودين).
أتجاهله احتياطا و خوفا...ويواصل إصراره على جعلي أتكلم كان يراني ولا أراه :" الأخ جابوك جديد." أصمت ولا أجيب.

" قل لهم يعطيوك صنداله وتريكو تلبسهم على البرد "
(أطلب منهم نعلا تنتعله وقميصا صوفيا لتحمي نفسك من البرد).
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس