عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2009, 03:02 PM   #28
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

كان يعرف متى ينزل البانضة عن عينيه ومتى يردها. غريب أمره.

في كل مرة ينادون رقما معينا, ترتعد فرائصي ويرتجف جسدي. يأخذون الضحية نحو المسلخ .

ناذرا ماتمر جلسات التحقيق دون عنف وجلد. كل من يذهب به يعود محمولا. مجرورا يبكي , يتألم وينتحب . تتقطع نياط قلبي لآلام الآخرين.

في كل مرة أبلغ قمة اليأس أحاول مواساة نفسي خفية لأخفف عن بعض آلامي. أقول لها مستحضرا ما قرأته عن الإبتلاء وسنن التمكين : إن العقبات دائما تعترض سبيل المصلحين وأهل التوحيد الحق لذلك وجب الصبر والمصابرة في مثل هذه المواطن . هكذا سير الأنبياء والمؤمنين وزعماء الإصلاح. وقادة الجيوش الكبار. ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.

إذن مادام الأمر كذلك فعلي الصبر . وكيف لا أصبر وأنا من كنت أزعم أنني أريد إهراق دمي قربة لهذا الدين العظيم ونصرة لأهله المستضعفين. فليكن ما أراده الله. هكذا أعزي نفسي. فأرتاح .

الخبثاء يفسدون الأفراح وكل ما هو جميل. ويعطلون المشاريع ويحاولون وضع العصا في عجلة التاريخ وسيرورة الحياة . تبا لهم . أولاد كلب.

لم أمكث سوى شهور قلائل حتى أعادوني. حاولت بعد الخروج أن أتغلب على جراحاتي النازفة. وكوابيسي اللامتناهية . مخلفات شهور عندهم.

أرهقتني فاتورة الأدوية التي لم أعد أستطيع النوم والعيش بدونها . نصحني الطبيب النفسي الذي ساقوني إليه مغلوبا على أمري قائلا:
"اسمعني جيدا عليك أن لا تترك الدواء الذي وصفته لك. وأن تشغل وقتك وتملأ فراغك بشيء ما ...وحاول النسيان...إنس مافات وابدأ من جديد... فكر في المستقبل ولا تضل مرتهنا بالماضي السيء ...و...و...و...

أنظر إليه كالأبله وأردد في نفسي ,أنت لا تعلم شيئا . كل ما يهمك هو أن أأدي للفتاة الذميمة المتعجرفة التي في الإستقبال مبلغ المائتي درهم قبل أن تسمح لي بالدخول لرؤية وجهك والإنصات لكلامك الذي حفظته عن ظهر قلب من كثرة التكرار.

وجدت عملا في القطاع الخاص بعد وساطة من أحد معارف الأسرة الذي كان شرطه الوحيد أن لا يعلم أحد بالأمر. لم يتركوني أكمل الشهر حتى ظهروا في طريقي من جديد. ناداني المدير الفاسي لمكتبه الفخم, فتوجست. لعنت إبليس ودخلت عليه الباب بعد طرقه طبعا. بدون مقدمات خاطبني صارخا وقد إكتسى وجهه المنتفخ كوجه طفل من أبناء الأغنياء حمرة غضب:
" لأول مرة في حياتي أخضع بسببك للإستجواب. إذهب بعيدا عني...لم يمهلني لحظة لأشرح له...إنتهت المقابلة...اذهب بعيدا عني...لا أريد أن أراك مرة أخرى هنا...وإلا هاتفت الشرطة . نادى الكاتبة التي سلمتني ظرفا فيه أجرتي.غادرت ونظرات الشفقة والشماتة أيضا تتابعني. بقيت بعدها شهرا أبحث , لم يكن من اليسير أن أجد عملا.

أعرض شهاداتي وخبرتي وأحاول إخفاء شبهتي التي صارت تطاردني كما كانوا هم يطاردونني. كلما اقتربت من الظفر كانوا يظهرون في طريقي كأشباح مفزعة تعكر علي أحلامي الجميلة. ساءت نفسيتي أكثر ...

كنت أسائل نفسي لم كل هذا الغل؟؟

أمروني أن لا أحكي ما جرى لي لأحد ولا أتصل بجمعية أو صحيفة ففعلت. أمروني أن لا أغادر المدينة إلا بعد إخبارهم ففعلت. وأن أحظر كلما رغبوا في مثولي أمامهم ففعلت. ألا أستعمل غير هاتف واحد برقم لا يتغير ففعلت. أذعنت لأوامرهم صابرا منتظرا الفرج والفرصة للخلاص.

فبلغ بهم الأمر أن حاصروني في لقمة عيشي وأسباب رزقي. كانوا يريدون دفعي نحو مزيد من المرض أو الجنون واليأس والإنتحار أو أصبح عميلا لهم . لن أفعل سأرفع التحدي وأظهر لهم التمسكن والدروشة حتى يحين الفرج. هكذا قررت.
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس