عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-12-2009, 01:27 PM   #33
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان

لم يكلف أحد نفسه عناء التثبث من المصادر الحقيقية لهذه الإشاعات والهدف من ورائها. أما بيت أسرتي فقد أصبح كبقعة أرض نزل بها طاعون يفر منه الناس .


احتجبت أمي في البيت لأيام مذ تعمدت إحدى المشبوهات سيئات السمعة إسماعها كلاما جعلها تلزم فراش المرض لأيام.

قالت الخبيثة وهي تخاطب رفيقتها في فرن الحي العمومي بصوت مسموع جهوري . متعمدة أن تبلغ كلماتها مسامع والدتي:

" أنا بعدا ولادي يلا مشاو للحبس كيدخلو ليه غير على السرقة ولا الحشيش ما كيفركعو قهاوي ما كيقتلو أبرياء...عقبت صاحبتها شكيكو...الله يسترنا...الله يسترنا..."

(أنا أولادي إذا دخلوا السجن لا يدخلونه إلا من أجل السرقة أو الحشيش. لايفجرون المقاهي ولا يقتلون الأبرياء).

حتى تلك الزيارات والمجاملات الإنسانية التي عهدت عن المغاربة وما عرفوا به من حسن الجوار,بمناسبة وبغيرها . لم يعد لها ضرورة . انقطعت أو كادت.


شقيقتي المسكينة فسخت خطبتها وذهب العريس المنتظر إلى غير رجعة بعدما نكدوا عليه عيشه بكثرة استفساراتهم وأسئلتهم....تبا لهم جميعا ...تبا للعالم...قلت في غيظ :
إذا رضي الإله فلا أبالي ... أسار الركب أم رضي الأمير.

لن أكترث بكلام الخلق فهم يعملون الموبقات ويظهرون في الصفوف الأولى للصلاة بملابسهم الأنيقة التي تجلبها لهم بناتهم من عرق أثدائهن وبابتساماتهم الصفراء الخادعة . أعرفهم واحدا واحدا وأعرف أسرهم . تبا لهم...تبا لهم ...

لا راحة في هذه الدنيا, تبدو لي كأكذوبة كبيرة ومهرجان ضخم وفارغ يعج بالمهرجين والممثلين والنصابين. لا أكاد أنجو من فخ حتى أقع في آخر فأضل أتلوى فيه ألما. صدقت أمي الغالية كثيرا مارددت :لا راحة في هذه الدنيا . الراحة في الجنة.

أحاول السفر بعيدا بأحلام يقظتي. لولاها لمت خوفا وكمدا. أجد فيها سلوتي وراحتي خاصة في مثل هذه المواقف والأماكن. لكن يأبى القوم إلا أن يفسدوا كل شيء كعادتهم دائما. نادوا رقما معينا . فأخذوا صاحبه.بدأت أطرافي ترتعش . دعوت له في نفسي . يبدو كبير السن. لم يوقروا أحدا في هذه الحرب المعلنة. يمشي بصعوبة . وببطئ يجر قدماه . تخيلت بسرعة شكله ورسمته في مخيلتي.عدلت الشكل بعدما تكلم بلكنة أهل الشمال.

"أنت شيخه ماشي شيخ ...أنت ماشي راجل..."

هكذا بدأوا صراخهم في وجهه. ويجيبهم بلهجة أهل الجبل (جباله) ينطق بدل حرفي الكاف والقاف همزة. يضحكون منه ومن طريقة كلامه ويسخرون. يقلد أحدهم كلماته فتبلغني قهقهاتهم.

"هادي خمس ايام وحنا كنساويو معاك ...احترمناك واحترمنا هاذ الشيب اللي في وجهك...ولكن أنت كلب ولد الكلاب...أنت قواد ...ولد قواده..."

ردد المسكين ...أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

" الشيطان هو أنت ...الشيطان هو أبوك." هوت على وجهه وربما رقبته أيضا الصفعات المتتالية. صاح فيه المجرم (كابيلا).

حينها وقف شعر رأسي وأصبت بمغص جديد وإسهال حاد. إنه هو. صوته لا أخطؤه ,يمكنني تمييزه من بين مليون صوت...كيف أنساه؟؟!!

وجهه قطعة من عذاب كأنه خارج لتوه من جهنم. كل من مر من هناك يعرفه, اشتهر بهذا اللقب لشبهه الشديد بزعيم الثوار الذي أطاح بدكتاتور جمهورية زايير السابق موبوتو موسوسيكو وحل محله على رأس هذه المستعمرة الفرنسية سابقا الغنية بالأحجار الكريمة. غير إسم الجمهورية إلى الكونغو الديمقراطية. لكن إبنه لم يتركه يفرح بكرسيه . لم يمهله طويلا قتله بأمر من أسياده البيض أباطرة الألماس . وسار في جنازته ,وتلقى التعازي فيه من قادة العالم .


هكذا قدر إفريقيا الجائعة, المتخلفة, الغنية. الإنسان لا يساوي فيها ثمن الرصاصة التي تخترق جمجمته قربانا للسيد الأبيض القادم من خلف البحار بخردة من سلاح لجني غلالها .

أتسائل مرارا كلما ذكرت أو تذكرت أفريقيا . كيف كانت ستصير هذه القارة لو نجح مشروع ( القائد الملهم) القذافي في توحيدها كما زعم تحت اسم الولايات المتحدة الإفريقية . الجنون فنون. صدق من قالها. وأنا أضيف الجنون فنون والدوام لله سبحانه وتعالى.

(كابيلانا) المحلي يشغل أيضا منصب رئيس. رئيس زبانية العذاب في سراديب الموت السري العلني ب معتقل تمارة.


يتفنن في أجساد ضحاياه كتشكيلي مهبول مولع بالأسود والأحمر والأزرق. مذ خرجت في المرة الأولى ووجهه البشع لايفارقني في كوابسي الدائمة. حاشا البشر أن يكون من فصيلتهم.
رأسه مربع كجهاز تلفزيون صغير. هو من حاول إدخال العصا في دبري عليه اللعنة إلى يوم الدين.

__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس