عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-12-2009, 05:54 PM   #39
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

إلى هذه الدرجة كانوا يحصون حركاتي وسكناتي في كل مكان.
حيثما يممت وجهي كنت أجدهم .
بعض أغبيائهم ألفت وجوههم لكثرة ما أراها.

في البداية كان الخوف والقلق يتفشى في داخلي وتكربني رؤيتهم. إلى أن تعودت.

مرة لا أدري أي رغبة انتابتني فقررت أن ألعب مع أحدهم لعبة القط والفأر. وجدت في ذلك بعض المتعة والتسلية الممزوجة بالتشفي. أصعد الحافلة فيصعد, ما أن تتحرك وقبل ما تصلني جابية التذاكر , أطلب من السائق التوقف لإنزالي بدعوى أنني قد أخطأت الرقم .

أنزل فينزل خلفي يلهث ككلب أجرب. أدخل المقهى فيدخل أشرب كأس ماء واقفا أو أدخل المرحاض. أخرج فيخرج وكأني به يريد أن يقول لي ها نحن خلفك.

أحيانا كانوا يغيبون لأيام ثم لا يلبثوا أن يعودوا.
كانوا أيضا زبناء أسخياء ومواظبون أيام العربة المدفوعة.

أذكى أولئك الأغبياء كان إسكافيا بين عشية وضحاها احتل رأس الزقاق المؤدي إلى بيتنا . موقع استراتيجي يمكنه من مراقبة كل الإتجاهات. لم يطرده القائد كما فعل مع غيره مع سابيقه. يتقن ترقيع النعال والأحذية . فراستي لم تخطؤه من أول يوم إلى حدثني أحد العاطلين من أبناء الجيران محذرا باستغراب عن امتلاكه لهاتف آخر صيحة, وتدخينه المارلبورو وتناوله لوجبة الغذاء في مطعم أرخص وجباته لا تقل عن خمسين درهما!!

في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي.
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت أحاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان وحتى الأطفال
أقيء لهذا الأسلوب الفج

ترى ماذا كان قائلا الشاعر مظفر النواب لو عاش بيننا؟ ماذا كان قائلا لو زار السرداب ورأى كابيلا؟؟

كررت طلبي ورغبتي في ولوج المرحاض وزاد تعنتهم ورفضهم. يتلذذون بآلامي وأوجاعي. يتهكمون ويسخرون " ديرها في سروالك"

زادت آلام بطني ومغصه . صرت أتلوى وأتشنج فصاح كبيرهم:

"بدأت في مسرحياتك " متهما إياي بالتظاهر بالوجع. سكاكين حادة تمزق أحشائي.

في لحظة, تغامزوا ربما فيما بينهم أو تلقوا إشارة, أجلسوني أرضا وظهري للحائط. وبدأت العملية مصحوبة بصراخاتهم التي يرجع صداها وتهز المكان: "افتح...افتح...افتح..."

بدأت الفظاعة مرة أخرى . سبق وأن جربتها هنا تسمى عند من خبروها بعملية (الفريش) بتفخيم حرف الراء. لأن الضحية تفرش رجلاه بقوة وعنف حتى يصير كلاعبات الجمباز المتمرنات. كلما زاد السحب زادت آلامي وصراخي. صرت (كبركار) مفتوح عن آخره.

في لحظة ما أحسست بسائل ساخن يغمرني, ينزل معى فخداي وساقي. عمت الرائحة المنتنة كل الفضاء. بدأت أتلوى, أتمرغ كديك مذبوح نصف ذبحة لم يقطع وريده كاملا. آلامي الفضيعة أنستني فعلتي اللاإرادية .

شرعوا يفرون تقززا ونفورا من رائحتي. يتهكمون...ويسبون ويلعنون...
علقت كلمات أحدهم بأذني مرة أخرى, زادت من شكوكي ووساوسي...

"ولاد الكلاب عايشين غير بالعدس وقالك باغيين يطيحو أمريكا"

ربما رأى بأم عينه بقايا آخر وجبة تناولتها في بيتنا. لكن ما دخل أمريكا بموضوع العدس, طعام الفقراء عندنا. هل علموا بموضوع سفري؟؟؟

زادت شكوكي ووساوسي السوداوية التي صارت من زمن بعيد هي خصمي الأول. أصارعها فتصرعني في غالب الجولات...حدثني الطبيب الثرثار يوما أن مرضي يسمى الوسواس القهري...

اللهم استر...اللهم استر
لم أستطع الوقوف رغم إلحاحهم علي ومحاولتهم إرغامي. أحس وكأن العصب والغضاريف في رجلي قد مزقت تمزيقا عن آخرها.

جروني من يدي كجيفة منتنة. ما الذي يحدث؟ أهو حلم وكابوس من كوابيسي المفزعة؟ حالة الذهول لا زالت تسيطر علي . كل شيء يجري وتتقلب الأمور بسرعة غريبة؟؟

رموني في زنزانة هذه المرة ولم يعيدوني وسط الأجساد المنهوكة . مرة أخرى. العزلة .... الخوف .... العذاب... الجنون القادم ...

هاهو الباب الحديدي الأسود الضخم ينتصب أمامي في تحد وجبروت مرة أخرى. يخاطبني مستفزا : " هيا انطحني...انطحني...انطحني..."

تراجعت عن فكرة نطحه في آخر لحظة مستعيدا بالله من الشيطان الرجيم ومن همزاته ووسوسته.
رجة قوية تزلزل القلوب, افتعلوها كلما فتحوا الباب أو أغلقوه . يكاد فؤادي يطير معها فزعا. يضع يده على أنفه ويمسك قطعة صابون بالأخرى, رماني بها بسرعة وصفق الباب بقوة وعنف قائلا:

" خذ اغسل خراك..."
سأصير أضحوكتهم من الآن فصاعدا لاشك في ذلك...
وهو ما كان فقد صاراسمي عندهم هو( الخراي)
اذهب بالخراي... جئني بالخراي... تكلم يا خراي...

يتبع بحول الله. .
[1] هذا مثل شعبي يضرب حين يتأخر شخص ما عن أداء أمر أو مهمة ما في الوقت المطلوب.ومعناه بالفصحى . أن كلب القنص لا يختار قضاء حاجته إلا حين ظهور الطريدة وبداية الصيد
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس