عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-12-2009, 12:43 PM   #45
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي الحلقة الثامنة

8
...هنا الموت...هنا الفظاعة ...هنا الحمق...هنا الجنون...لكم كنت سادجا وأنا أتابع بعض كلمات لضحايا الماضي المزعوم دفنه. ما أن حل (العهد الجديد) حتى ظهروا دفعة واحدة للشهادة والتكلم عن الماضي ومعاناتهم ومتمنياتهم بعدم تكرار ماجرى. في الوقت الذي كانت فيه جلود الشباب تسلخ وأجسادهم تشوى وأعراضهم تنتهك, فتحت لهم كل وسائل الإعلام وأبواق الدولة أبوابها فجأة في خطة مرسومة ومدروسة مسبقا.
كادت الحيلة تنطلي علي وكدت أصدق في لحظة ما بعضا من كلمات قادة الزفة المخزنية الجدد. من (مناضلي الأمس) القطع مع ممارسات الماضي,ضمانة عدم التكرار,نزاهة القضاء...وهلم شعارات وكلمات أجهدوا أنفسهم في اختيارها وتنميقها.
حين سقطت عرفت الفظاعة التي لازالت تنتجها سراديب أجمل بلد في العالم !!! هكذا سموه لجلب العشرة ملايين سائح زعموا !!!
"الله يلعن اللي ما يحشم" (لعن الله من لا يستحيي) هكذا يقول المثل العامي
شرعت الوساوس تأكلني من جديد.أحلم هذا أم حقيقة هي؟؟ أصفع خدي بيدي لأتأكد من يقظتي. ترى لماذا جيء بي هذه المرة؟؟ أكل هذا العذاب ليعرفوا أين اختفى خ مستحيل؟؟
مستحيل أن يكونوا قد علموا شيئا عن موضوع سفري. كنت أعرف أين أضع خطواتي بحذر شديد وأنا أستعد في أيامي الأخيرة. كان ع عند وعده.
وهو يحدثني كان يقرأ ما يدور في دواخلي من أسئلة واستفسارات فيطرح لها حلولا قبل أن أتفوه بها. ذكاؤه الشديد وصداقتنا التي امتدت منذ الطفولة علمته كيف يقرؤني .
"سأحاول الكتابة لك كل أسبوع أو كل أسبوعين حسب الظروف والإمكانيات,هذا ما دمت حيا أرزق بطبيعة الحال. أعرف أنك تحب التفاصيل وتغرق فيها لاعليك, أعدك بإطلاعك على كل صغيرة وكبيرة ماعليك سوى الدعاء لي بالتوفيق والثبات"
جن جنونهم حين اختفى وأذاقوا أسرته المر والعلقم. حرصت ألا يروه معي منذ خرجنا من السرداب في المرة الأولى. فكنت ألتقيه خلسة بعد ترتيب اللقاء لأيام وأيام. وكأننا نعد لانقلاب عسكري هكذا كان يقول مازحا. ناولني الشيفرة التي اتفقنا عليها في آخر لقاء لنا قائلا :
"اسمع لا تفرط فيها, واحذر, أقسم لو وجدوها معك فسيعيدون ختانك من جديد. ههههههه ضحكنا حتى دمعت عيوننا.لم يكن يكف عن المزاح, حتى في أحلك الظروف .حتى وهو يحكي عن أيام السرداب.
وصلتني أولى رسائله حملت الأمل وزادتني حماسا وتسريعا لاستعدادات السفر. كدت أطير حينها فرحا. حملتها كما اتفق وعدت مسرعا للبيت لأسهر ليلة كاملة في فك رموزها كباحث آثار هيروغليفية مستمتعا بذلك متعة لا توصف.
"أخي وصديقي العزيز: وصلنا بلاد العثمانيين . مرت الأمور في المطار على ما يرام كاد حينها قلبي يتوقف عن النبض لكن الله سلم. التقينا الشباب رفيق السفر دخل وأنا في انتظار دوري. أنتظر الدليل الجديد لأن الذي قبله قد رحل نسأل الله أن يتقبله.
لم أخرج من البيت مذ دخلته, هكذا تقرر. تحذوني رغبة جامحة لرؤية اسطنبول, مدينة الإسلام وعاصمة الخلافة المفقودة. تغريني مساجدها, جسورها, ومتاحفها بمعروضاتها الناذرة. خاصة سيف الرسول عليه الصلاة والسلام وسيوف الصحابة التي حطمت صنم الجاهلية. لكن كلمات المسؤول عنا هنا يتردد صداها في أذني كلما هممت بذلك :
" ... يا شباب نحن لم نترك ديارنا وأهلينا وأبنائنا وأموالنا ونجيء هنا للسياحة والترفيه...قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله. ها أنتم ترون أخانا أبا الوليد المكي, جنى على نفسه وكاد يجني علينا لولا لطف الله سبحانه..."
هذا الأخ كان قد خرج من البيت للتسوق دون إذن. أوقفوه في حاجز تفتيش روتيني وبما أنه لم يكن يحمل معه جواز سفره ولم يدلهم على البيت الذي تركه فيه حتى لا ينكشف أمرنا. فقد رحلوه توا إلى بلده السعودية, والبقية تعرفها كما نعرفها . لهم (تماررتهم) أيضا هناك. لا يخلو بلد من السراديب.
أخبرنا بسرعة بعد الحادثة مرافقه التركي الذي نجا فغيرنا المكان بسرعة تحسبا واحتياطا. نحن الآن في ضيافة أسرة كردية كريمة, ننتظر الإشارة للعبور. لا تنسانا من دعائك الصالح .
آه لقد نسيت أن أخبرك أنني أصبحت أكنى أبو تاشفين تيمنا بهذا القائد المغربي المسلم . ومرافقي أصبح أبو روضة. لا مجال هنا للأسماء الحقيقية . انتهى دورها وعهدها ...سلامي للشباب جميعا "
ثم توالت رسائله تباعا. ترى هل علموا عنها شيئا؟؟؟ لا...لا...لو كانوا يعلمون لما أمهلوني. ومن أين لهم العلم بها. كنت أسلك مسالك معقدة لاستقبال الرسائل وأغير نوادي الأنترنت باستمرار. من أستقبل منه مرة لا أعود له أبدا.
وساوسي تكاد تفقدني توازني العقلي. ونفس السؤال يلح علي. لماذا جاؤوا بي هذه المرة؟؟؟ أحاول فك الرموز وجمع الخيوط المتشابكة. أستعيد كلماتهم وتلميحاتهم خلال الجلسات السابقة وأعطيها ألف تفسير وتفسير.
أحسني أقرب إلى الجنون, أحوم حوله أو يحوم حولي. على العموم لو لم يكن موضوع السفر فإنهم قادرون على اختراع وخلق ألف قضية وقضية من يسألهم عما يفعلون؟ ومن يجرؤ على ذلك ؟؟؟
لا أحد في هذا العالم المتواطئ !! وكأني بهم يتحدون الجميع. أخالهم يقهقهون وهم يقرؤون تقارير المنظمات الحقوقية المحتشمة, ويستعملونها أوراق حمام يمسح بها (كابيلا) القذر وبقية الزبانية نكاية فيمن كتبها وهم يرددون ثملين القافلة تسير والكلاب تنبح, قولوا ماشئتم أكتبوا ما بدا لكم... أدينوا...احتجوا...موتوا بغيظكم ...أمننا وأمن أصدقائنا وحلفائنا أولا...
ولتشربوا البحار إن شئتم...!!!
سمعتها منهم مرارا وتكرارا: "...هنا مكاين لا حقوق إنسان ولا...والله يا ولد الق...حتى ندفنو امك حي في الغابة..."
تخيلت مرارا أني أدفن حيا. ما أبشع ذلك... أوضع في حفرة...أصيح ...أصرخ...أستغيث...أترجاهم...أستنجد...يهيلون علي التراب...جسدي يختفي ويختفي تدريجيا...أحاول الصراخ فيخنقني الغبار...أسعل...أسعل...
وأسعل...لا...لا...أفضل طلقة في الرأس على هذا. تمنيت من قلبي لويفعلوا,يوم استشاط كبيرهم غضبا وغيظا ووضع فوهة مسدسه في ثقب أذني مهددا بإطلاق النار إن لم أتكلم. كان ثملا مترنحا. كنت أعلم أنهم لن يفعلوا ومع ذلك تمنيت لوت لعب الخمرة برأسه فيضغط الزناد ليريحني من عذاب تلك الليلة الموشومة في ذاكرتي المثقوبة وألقى الله شهيدا. ليلة العصا هكذا سميتها.
كتيبة نمل أسود صغير تحمل صرصارا بعد أن قطعته أجزاء بدقة بالغة. الأرجل, الجدع, الأجنحة...عزيمة هذا المخلوق الصغير تهد الصخر. تمنيتني حينها نملة تتسلل من الشق أسفل الباب وتسيح في أرض الله الواسعة. قد تطؤني قدم بغير شعور. لا يهم, خير لي من المكوث هنا.
وأنا أتابع مسير الكتيبة المنظم ساهيا مستغربا, أثارتني خربشات على الجدار. خطوط لعد الأيام. توجد على كل جدران الزنازن في العالم. قسمها صاحبها مجموعات, كل واحدة تضم سبعة خطوط عمودية , عدد أيام الأسبوع , عليها خط أفقي علامة على انقضائه. ربما خطها بأظافره التي طالت بطول مقامه هنا. شرعت أعد المجموعات مقربا عيني من الجدار (38 ) مجموعة, تعني(38 ) أسبوع. ياللهول أعدت العد مرات ومرات. كم أكره الرياضيات والحساب ومعادلاته السحرية التي كانت تبدو لي كطلاسم . لم يتجاوز معدلي فيه 5 نقاط على 20 في أحسن الحالات. قارب مكوث المسكين هنا السنة أو أكثر. لربما تعب العد وتوقف أوحول لزنزانة أو معتقل سري آخر. يستحيل...كيف قضى كل هذه المدة. وأين هو الآن؟؟
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس