عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-04-2010, 08:44 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


ثانياً: تسييس الدين

(1)

على المستوى الشعبي يتسم السودانيون ـ على مختلف أديانهم ـ بميل فطري نحو التعايش السلمي. كما تتوافر حرية ممارسة الشعائر الدينية لمختلف الأديان. وليس هناك تضييق من جانب السلطات على المواطنين في هذا المجال. وقد شددت كل الدساتير والقوانين السودانية على حرية الاعتقاد وحرية التدين والتعبد.

واستفاد ـ ويستفيد ـ المسيحيون من هذه الحرية أكثر من المسلمين، حيث تنشط الحركات التبشيرية في الجنوب، بل وبمختلف أنحاء السودان، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، من خلال ما تقدمه للمواطنين من خدمات في مجال الصحة والتعليم وفرص العمل وغيرها، لاستمالة المزيد من السودانيين الى الدين المسيحي، بينما لا تنشط الدعوة الإسلامية بالكثافة ذاتها.

وينحصر معظم جهد الدعوة الإسلامية في توعية المواطنين المسلمين أصلاً أكثر من سعيها لاستقطاب مواطنين لاعتناق الإسلام. وعلى الرغم من ذلك، يشهد الكثير من المساجد بعض حالات إشهار الإسلام من مواطنين جنوبيين (مسيحيين)، لكن لا توجد إحصائية دقيقة في هذا المجال.

(2)

غير أن هناك بعض التصرفات من حكومة الشمال قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في تسييس الدين. فمثلاً لم تكتف حكومة الفريق (إبراهيم عبود 1958ـ 1964) بقمع المعارضة السياسية (اعتقال سياسيين ونقابيين وطلبة شيوعيين)، بل قامت بالفعل ذاته في الجنوب. وبالإضافة الى ذلك، عملت الحكومة على تسريع عملية الأسلمة والتعريب في الجنوب لاعتقادها أن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب. غير أن عملية الأسلمة والتعريب كانت تثير حفيظة الجنوبيين الذين لا يدين أغلبهم بالإسلام.

فقد كان واضحاً أن الإجراءات التي اتخذها نظام عبود في الفترة (1962ـ 1964) في بعدها المدني (طرد القساوسة وعمليات التعريب والأسلمة)، وفي بعدها العسكري (الهجوم على القرى وحرق المواطنين)، قد صعد من حدة القضية لتصبح صراعاً بين العرب والأفارقة، والمسلمين والمسيحيين، ودفعت درجة المطالبة الجنوبية بالفدرالية، وأخرجت الأزمة من إطارها المحلي الى نطاق دولي.

كان لهذه الإجراءات إسقاطات سالبة في الجنوب. ففي عام 1962 حدثت اضطرابات طلابية في (رمبيك ـ في الجنوب)، وبلغ الأمر حد العنف والعنف المضاد. ولعب القساوسة دوراً كبيراً في تأجيج الصراع. وكان التحريض على التظاهر وأعمال العنف يتم من داخل الكنائس. واتبعت حركة التمرد حرب العصابات التي تسترت بالقرى.

وأدت الإجراءات العقابية التي يتخذها الجيش الى فرار الآلاف من أبناء الجنوب الى خارج السودان. خاصة أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وتنزانيا. كان من ضمن الشخصيات المهاجرة أعداد كثيرة من السياسيين وأعضاء البرلمان، فأسسوا عدة تنظيمات، منها رابطة المسيحيين السودانيين، الأمر الذي أضفى على المشكلة بُعداً دينياً.

(3)

على المستوى النظري، تحاول الحركة الشعبية لتحرير السودان (splm) إبعاد الدين عن السياسة وتجريد الدولة من أي تأثير ديني. فهي تنادي في أطروحاتها الأساسية بسودان علماني.

ودعت الحركة الى إلغاء القوانين الإسلامية، وإرجاع النظام القضائي الذي كان سائداً قبل أيلول/سبتمبر 1983. لكن في الواقع عندما جاءت ثورة الإنقاذ ولجأت الى تجييش الشعب (في الشمال) بتحريك الوجدان الديني ضد التمرد، لجأ التمرد الى الدين، وصور الحرب بأنها بين الشمال العربي المسلم والجنوب الإفريقي المسيحي، واستدر عطف الرأي العام العالمي والدعم الدولي من هذا المدخل.

إن استخدام (جون غارنغ) لعنصر الدين في الصراع استدعته أسباب إستراتيجية، وهذا دفع بحكومة الإنقاذ الوطني الى أن تعلن الجهاد لتحريك هذه النزعة الضرورية للتعبئة لمواجهة خصم ترى الحكومة أنه مدعوم من الغرب المسيحي، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً. لقد عمل (غارنغ) على تسويق مقولة إن الحرب هي صراع بين الإسلام (الأغلبية العرب) والمسيحية (الأقلية الإفريقية). وقد أثر هذا الطرح في نظرة الغرب الى الصراع في السودان، لأن الغرب المسيحي مهيأ أصلاً لقبول أي حديث سلبي عن الإسلام.

(4)

كانت نتيجة هذا التأثير أن نظمت الولايات المتحدة الأمريكية واستضافت عدة مؤتمرات ولقاءات وندوات في هذا السياق. من أمثلة هذه المؤتمرات كان مؤتمر ( الدين والقومية والسلام في السودان 16-17/9/1997)، وقد ذهبت بعض الأوراق في الحديث عن هويات مختلفة في السودان أساسها الدين.

في ورقته حول (الهويات المسيحية والكيانات العرقية في السودان)، ذهب (مارك نيكل) الى أن الكنيسة في السودان تنمو بسرعة جداً مقارنة بكل الدول الإفريقية، وأن اعتناق المسيحية في تزايد مستمر، وأن السبب وراء ذلك هو البطش الذي تمارسه الجبهة الإسلامية الحاكمة في السودان. وأشار كاتب الورقة الى أن التبشير المسيحي في فترة الحكم الثنائي (البريطاني ـ المصري) ومن خلال نشره للتعليم النظامي واللغة الإنجليزية والعقيدة المسيحية، استطاع أن ينمي وعياً وتضامناً وسط شعب جنوبي متنوع اللغة والثقافة، وأن المسيحية شكلت رافداً أساسياً لخلق هوية جنوبية موحدة مركزها الدين المسيحي، خاصة وسط الجنوبيين سكان المدن المتعلمين.

وبعد الاستقلال حاولت الحكومات الوطنية في الخرطوم أسلمة الأمة، وبذلك زادت حركة الاستقطاب بين الهويات الدينية، وزاد تعلق الجنوبيين بالمسيحية من إحساسهم بأن المسيحية تدعم قضيتهم، وأنها تشكل منبراً دينياً.

(5)

ظلت الحكومة السودانية، وباستمرار، تنفي وجود اضطهاد ديني للمسيحيين، ويشير المسئولون الى عدة وقائع وحقائق لتعزيز مقولاتها مثل:

ـ تطبيق الحكم الفدرالي استثنى الولايات الجنوبية من تطبيق الشريعة الإسلامية.
ـ تنظيم الحكومة السودانية مؤتمر حوار الأديان في الخرطوم (26ـ30/4/1993)، وملتقى (جوبا) في أيار/مايو 1994. كما تم تنظيم مؤتمر (ملكال في الجنوب) في تموز/يوليو 1994، ثم في مدينة (واو) في تشرين الأول/أكتوبر 1994، الذي شارك فيه المجلس البابوي في الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس الكنائس الإفريقي. ثم توج ذلك بقيام المجلس الاستشاري الإسلامي/المسيحي في مايو/أيار 2006، وأخيراً زار الرئيس السوداني الفاتيكان في عام 2007 والتقى البابا لبحث تعزيز التعاون.

ـ كما اختط المسيحيون والمسلمون نهجاً في المشاركة في المناسبات الدينية للطرفين، فكان المسيحيون يشاركون في مآدب إفطار رمضان، ويقومون بالمشاركة بالاحتفالات والأعياد الإسلامية، كذلك كانت تفعل الدولة برموزها الدينية والحكومية بالمشاركة بالأعياد والمناسبات المسيحية.

ـ زار وفد من الكونجرس الأمريكي، وطرح أسئلة على من يلتقيهم من المسيحيين من نوع هل يواجهون إعاقات من قبل الحكومة في إقامة شعائرهم الدينية، وكانت كل الإجابات تنفي وجود عوائق من هذا النوع. وقال لهم (الأسقف) : ليس لدينا مشاكل دينية في السودان. المشكلات الموجودة هي من إفرازات الاستعمار.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس