الموضوع: قبس مرتعش
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-04-2010, 03:33 PM   #12
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قبس مرتعش فوق صحراء الخيمة ينير درب السالكين عالم الأدب والإبداع ،يمسك به مبدع في قلبه شيخ حكيم ، وينادي بصوت رصين : أيها المارون هلموا إليّ فعندي بضاعتكم التي ترتضون.
***
من الضروري للحكم على قصيدة معاصرة النظر إلى عناصر تكوين الصورة الشعرية لدى مبدعها أو مبدعتها ، تلك الصورة التي تزخر بالعديد من الدلالات الثقافية والمعرفية والتي تشي عن فهم عبقري لماهية اللغة وما يقال عنها في عالم الشعر -بعكس النثر-أنها غاية في ذاتها .
وهذا العمل للأخت العزيزة آسيا من الضروري أن نقف عليه وقفة متأنية نحاول من خلالها الوصول إلى مناطق الخطاب الشعري للوصول إلى أفق يمكننا من الإفادة من هذه التجربة الإنسانية الفذة .
في هذه القصيدة -كعادة أستاذتنا العزيزة- نجد أن الحالة المرصودة يتخذ التعبير عنها جانبًا رمزيًا أنيقًا مغلفًا بالعديد من الدلالات والإيحاءات النفسية المختلفة ، تلك التي تفننت فيها أختنا العزيزة جاعلة من الصورة المميعة والمعالم الملموسة والصورة الحالمة المنضبطة الموجهة تجاه عوالم وأغوار النفس أداة لإيصال المشاعر .هنا لا تكون للمجاز نفس التركيبة التي للشعر التقليدي عند القدماء وإنما هي تنفتح على العديد من التجارب والتأويلات المعتمدة على السياق ووفقًا لثقافة كل متلق للأدب.
ولندخل إلى عالم القصيدة من بوابة العنوان والذي هو قبس مرتعش ، فالقبس هو تلك الجذوة المضيئة أو ذلك النبراس ،وهو لا يكون موجودًا في الضياء وإنما هو في الظلمة والليالي الحالكة ليرشد السائرين على إثر ضوئه.
العنوان إذًا هو قبس ،وهو دلالة على منطقة ضوئية ما لها من الأهمية ما يفوق الإضاءات الأخرى لأنها تضيء ليلاً وفي شدة العتمة بعكس المصابيح والقناديل وضوء الشمس .
القبس من قبس يقبس أي أخذ وهو خاص بالنار,فالقبس يعني
شغلة النار المأخوذة من أصلها.
ونأتي بعدها إلى الخبر مرتعش إذ يكون الارتعاش لهذه النار نتيجة الريح المحيطة بها ويكون الاضطراب الحاصل في هذه الصحراء حائلاً دون استقرار هذه الشعلة ، وإن كان أصل النار الحركة إلا أن لفظة مرتعش دلت على أن ثمة ما حدث ليضفي توترًا ما على هذه الحالةز
ترى ما يكون القبس المرتعش ؟ اعتمادًا على ما ورد بالأبيات نستطيع -وكذلك من خلال الاتجاه العام لشعر العضوة العزيزة- نستطيع القول بأن محور القصيدة يرتكز على حالة من الحسيّة المغلّفة تسندها وبقوة كلمات (الإثارة-الجسارة-الشرارة) ذلك الحدث المخفي في أثواب التعبيرات الهائمة المميعة غير الملموسة ليعطي القارئ حرية التخيل لطبيعة هذا الموقف .
والقصيدة إذ تكون على لسان أنثى فتبدو التداعيات الحسية فيها من أول النكهة نكهة الرجل ،إذ يغدو مذاق هذا الرجل غامضًا حتى توقده الشرارة ،والقصيدة إذا كانت في هذا الليل الداجي فإن هناك الترابط المنطقي والمصوغ بدقة بين الارتعاش لهذا القبس وبرد كانون .إن هذا القبس المرتعش ليس في الواقع إلا إنسانًا تواقًا لغاية حسيّة ما ،وتظهر بعد ذلك عبارة نبض الأثير مشيرة إلى تلك الحالة التي تجمع العاشقَين(وقد يكونان زوجًا) غير أن الزوج-الزوجة لا يحدث ما يستوجب منهما الارتعاش ، لأن هذه الرعشة هي رعشة مرتبطة بمخاوف ما ، وإلا لما كانت في هذا الظلام الداجي. وهذه الحالة المحتدمة من الفوران الحسي تكون الصدارة لنكهة الرجل مما يعكس غليانًا في الجانب النفسي-الحسي يجعل النزوة متصدرة لهذه الأنثى ، ووجود الأمنيات المولودة على شفة الجسارة ربما يعبر عن أنها امرأة تحمل أمنياتها ومخاوفها في ذات واحد مما يجعل للجسارة مدلولاً أبعد من هذا المدلول المعتاد ،إذ هذه الأمنية طفل في ضمير الغيب المحتجب.
وهذه الأبيات كأنها غلاف لما قالته إحدى النساء وكان زوجها غائبًا في إحدى الفتوحات الإسلامية :
فوالله لولا الله تُخشى عواقبه
...................
وكان يميز هذه القصيدة هذا الوصف الشاعري والاستخدام الكثيف للمجاز في شفة الجسارة تلك الشفة التي لابد من أن تدير هذه الليلة وتبدؤها .


نبضُ الأثير ِ
ونكهة الرجل ِ المسافر ِ
في الصدارهْ..!

يا بردَ كانون ٍ
هناك تمخضت لغة الإثارهْ

الليل مرتعش الخطى
والوعد متقد الشرارهْ

والأمنيات قصائدٌ
نقشت على شفة الجساره..!

(2)

وتمر القصيدة إلى حالة أخرى كأنها إكمال لهذا الواقع لتكون هذه الجسارة قد انبثق عنها ما يزيدها سموًا بعد هذا الواقع الحسي ،وتنقلنا القصيدة بعد ذلك إلى هذا المشهد الذي تنبت فيه أواصر المادة ليكون الانتقال من الواقع الحسي إلى الإنساني هو سيد الموقف من خلال نثر رماد الروح ،كانت الروح كأنها جسم محترق لكنه عاد للتواجد مرة أخرى بفعل هذه الشاعرية ، وكأن الشاعرة ها هنا تطرح إشكالية الشعر والروح ،وكيفية تكوين الفلسفة الإبداعية من خلال تصوير الشاعرية بأنها ذلك الأكسير الذي غير ما بهذه الصبية ،والتي لم تكن معتادة لغة الجسارة إلا أن الحب هو ذلك الكائن الذي يغير قناعات الأفراد فيجعل الجسارة تستحيل أخيرًا لغة علية مما يعكس رؤية أكثر عمقًا للحياة . بل إن من الممكن أن يكون ذلك الوصف كله هو لهذه الحالة حالة الكتابة والتي يسميها البعض بشهوة الكتابة المتمردة ،لتكون القصيدة مبتعدة عن كونها واصفة واقعًا حسيًا إلى كونها واصفة اعتمالات الفكرة في النفس كأنها هذه الحالة المحمومة.فهذه السويعات العصية هي السويعات التي يحاول القلب النفاذ فيها إلى أفق اللذة المعرفية الإنسانية لتكون لغة علية متجردًا من أهواء وأعباء ماديته ،كذلك الفكرة من الممكن أن تأتي على هذه الصراع الإنساني بين الروح والجسد بين المادي والمعنوي ليكون القبس المرتعش هو تلك القيمة التي كثيرًا ما يصعب على الفرد أن يصل إليها في غمرة هذه الحياة وزحمتها.وهذه القصة الشجية كأنها حوار الصبية شاكية فيه إلى النفس صعوبة تكوين هذه اللغة العليّة لغة الإبداع والجمال.
الشاعرية ضحكةٌ مرت على جرح الصبيـّـهْ

نثرتْ رمادَ الروح ِ
أحيَت نزف قصتها الشجيـّـهْ

ما بين مبسمها و مدمعها
سويعاتٌ عصيـّـهْ

هي والمنى
قبــَسان ِ يمتزجان ِ
في لغةٍ عليــّهْ..!

يأتي بعد ذلك المشهد الذي يعبر عن صفاء النفس بعد هذه الحالة من التوتر لتكون الأمواج والدروب والحلم كلها نتاجات لهذا القبس المرتعش الذي -لما تجاسر - قاد إلى هذه الدروب الجميلة الرائعة .والذي يميز هذه التعبيرات كلها هو القدرة المعتدة بنفسها على تطويع الصورة الشعرية للحالة النفسية وإحداث انتقالات واسعة بتدرج لا يشعر القارئ معه بالفجوة في عملية الانتقال .
وهذا التعبير الجميل أنامل الحلم الجميل كان يشبه الحلم بأنه كائن له يد في رسم هلامي هايولي يرسم بها حروف العشق .تلك الصورة المركبة التي تبدي المبدعة فيها قدرًا كبيرًا من المقدرة على تكوين عالم شعري خاص من خلال هذه الصورة المتقاربة حينًا والمتباعدة حينًا ولكن ثمة إشكال في تكوين العبارة من حيث التقديم والتأخير والذي كان يقتضي تشكيل الأحرف لأن الدلالات تختلف معه بشكل كبير .وليست هذه الأمواج والدروب إلا عمليات مسير الفكرة في دروب النفس وأمواج الفكر التالية على عملية الولادة للحظة الإبداعية الاستثنائية.
(3)
تتابعُ الأمواج ُ
تلتحمُ الدروبُ،
وتزهرُ

بوركت ِ،
ناعمة الصحارىْ
والبداية ُ تمطرُ

عبق الحروف ِ
ورنة الذكرىْ
وسحراً تقطرُ

وأنامل الحلم الوضيء
حروف عشقٍ تنثرُ

يأتي بعد ذلك المقطع الرابع والخطاب فيه موجه إلى الرجل والذي يبدو كأنه قد أفاق من هذا الحلم الجميل والذي كان يتمنى أنه جزء منها لتكون عبارة مبتور الملامح عبارة رائعة في تشخيص الليل بأنه ذلك الإنسان مفتقد القوة ،وذلك لانطفاء القبس وإن كان هذا لا يبرر التعبير الغريب في رأيي إذ تمضغ الآه الجرح فما هي العلاقة بينهما وكيف يمكن تفسيرها ؟ شخصيًا لا أدري ولا أتمكن من ذلك ،وكذلك تكون هذه اللحظة هي لحظة إفلاس العقل وخوائه مرة أخرى بعد ضياع الفكرة منه ليغدو الرجل بعد ذلك متحدثًا بالعبارة"مفاتيح الندم" هل لأنه راود الفكرة العصية أم لأنه وقع في حبال أنثى أبية؟ التفسيران لهما ما يبررهما في النص .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس