عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-04-2010, 08:34 AM   #10
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
يكتسب الشعر مساحة إضافية من الجمال عندما يتناول الصورة الواحدة من جوانب عدة ،ويحولها إلى ما يشبه الصورة التليفيزيونية الفيلمية ، وعندما ينتقل من العموميات إلى أقصى الخصوصيات والتي تكون عنصرصا مشتركًا بين الكثير من المتلقين.
والذي يطالعنا به النص هذا العنوان الذي يبدو رومانسيًا لك كل شيء يا حبيبي ولا أعلم هل هو عنوان أغنية لأحد الراحلين محمد عبد الوهاب أو عبد الحليم حافظ ؟ ولكن البدء بشبه الجملة في الجار والمجرور (لك) كان معبرًا عن تصدر هذا المخاطب هذه المساحة من الحب والتي تجعله دائمًا في صدارة المقاطع ، بل ويتكرر في كل مقطع أكثرمن مرة.
وإذا كان الشاعر هو الإنسان الذي يعيد صياغة الحياة وفق مدخلاته الثقافية والمعرفية وما يعتمل فيها من رؤى وأفكار ، فإن الارتباط بالصورة تارة ، وبالصوت تارة يشكل الركيزة التي اعتمد عليها شاعرنا الحبيب في كتابة هذه القصيدة .
وإذا كان الخطاب بهذه التيمة (حبيبي) ، فكان البدء بما يبرهن على هذا الحب مناسبًا للعنوان في الهمس الصيفي وأغنية الفتاة ، تلك التيمة التقليدية والتي أراها مفتتحًا رومانسيًا ليمهد لشجون هذا المحبوب الذي لا يُتنازل عنه أبدًا .
تلك الصورة الصيفية التي هي أقرب ما تكون إليه صورة على شواطئ مدينة رأس البر، جمسة ،وغيرهما من مصايف الطبقة المتوسطة في مصر كانت مفتتحًا جيدًا لهذا الموضوع ،كان اختيار مجزوء الكامل فيها متماشيًا مع النبرة الهادئة الشجية التي أوصلت الرسالة في هدوء وانسيابية.

وإلى ذلك ، فهناك تناسق صوتي مرده إلى حروف المد ممثلة في الألف الممدودة مدى ، ندى ،محا ،انتحى ..إلخ .
وهذه المد تعانق مع الشجن المسيطر على حالة القصيدة فكأنه اتساع الشجن متمثل في الحروف التي تصنع هذا الامتداد النفسي الشجيّ لديه.
ولكني أرى ان استخدام التورية(الذاريات والضحى) لم يكن آتيًا في مكانه الصحيح معتمدًا على دلالات الكلمتين، فلفظة الذاريات قد تحيل إلى الريح التي تذرو كل شيءفتدمره ومن هنا قد تكون ذات دلالة غير متماشية مع الجو الشجيّ كذلك الضحى بشعاع الشمس الملتهب قد لا يكون مناسبًا في المكان المناسب لهذا الجو .لكن بالمقابل ، قد لا يكون المقصود التورية وإنما يكون المقصود السورتين بآداء عبد الباسط الصوتي (رحمه الله). وهنا تكون هذه اللقطة عبقرية لتداخلها مع العديد من المناطق الوجدانية للقراء على اختلاف ثقافتهم . فبينما يعد هذا العنصر أحد العلامات التراثية البارزة في الحياة المصرية عبر العقود الماضية، إلا أنه قليل التداول أو شبه منعدم في استخدام الشعراء. وجاءت هذه الأبيات لتعيد لهذه الذكريات حضورها لتتجاوز مجرد الحضور في اللاشعور وتكون وجودًا حيًا في هذه الصورة الجميلة.
وكانت هذه الصورة جميلة للغاية رغم بساطتها والتي عبرت عن ضمير الجماعة الثاوي في الغربة أو في الوطن أو الوطن الغربة :
لك ماتشاء؛
من البكاءِ
من المواعيدِ العتيةِ
حين نضربها
لعشقكَ
دون أن نحتاطَ
في استرسالها
فنجد هذه المشاعر مسيطرة على الشاعر وهي تداهمه في كل وقت وتأتي بأسلوب رغم بساطته إلا أنه مشحون بقدر من الصدق والعاطفة الذي يحوله إلى تعبير مشع للغاية مختزن العديد من التعبيرات التي من الممكن أن تنضوي تحت مظلته.
بعد ذلك تعاود المدود حضورها ولكن بصيغة الجمع و(نا) المعبرة عن الملكية لتعبر عن نسبة كل شيء بما في ذلك المشاعر إلى هذا الوطن مما يجعله صاحب الجدارة والأحقية بالعنوان لك كل شيء يا حبيبي.
وفي ظل هذه الحالة من الوله يأتي للتعبير أحلامنا البيضاء دلالة عكسية لكنها تكتسب دلالتها الحقيقية بانتمائها إلى الوطن ،ليكون الوطن هو هذا الذي يشفع لأحلامه أن تكون بيضاء ويلونها بهذا اللون الحقيقي لها.
بعد ذلك تبدأ التيمة التالية (الثالثة) وهي تعبر عن هذا العشق المتلاحق غير المنتهي من خلال البدء بنفس البداية (لك..) وتلعب الألفاظ الموحية دورًا في تصوير هذه الصورة غير المادية من خلال المزج بين ماء العطر، و النسيم بل إن عملية المزج بينهما تحولت من مزج معنوي في الكلمة إلى مزج حقيقي إذ يلتقي ماء العطر في النسيم ، وهنا تكون حالة الصفاء والحب والتهيؤ للشدو على ألحان مقامات الحجاز والبيات حاضرة بقوة وجاعلة لفظة الوطن محلّاة بهذه التعبيرات التي أعطت الانطباع بمدى تسامي أفق الحب ، والذي يحول الصور إلى عالم من المحسوسات تتلاقى في دلالتها المعنوية والحالة النفسية مع هذا المحبوب .(وإن كنت لا أفضل ذكر اسمه صراحة في نهاية القصيدة ، لأن هناك ما دلّ عليه )غير أني لا أستطيع فهم دلالة ماء مائك ،فهي مفضية إلى نوع من الإحالة الحسية وإن كان من الممكن لغيري أن يوجِد لها دلالة معنوية ما .
لك ما يليقُ
بماء عطركَ
في النسيمِ؛
وماء مائكَ؛
حين يقتلنا الظمأْ

لك كل أوصالِ الحكايةِ
نصفها
وقيودها
وقليلها .. وعديدها
وجديدُها؛ والمشتهى
والمنتهى والمبتدأ
لكن تزداد حالة الوله تأكدّا واستحقاقًا للعنوان عندما تكون أوصال الحكاية نصفها وقيودها (والحكاية هنا ربما تكون رمزًا للتاريخ وربما تكون حالة من الإفضاء بين الشاعر والوطن وحكايات أبنائه) كل هذه ملكًا للوطن يُوهب عن طيب خاطر.وكان أسلوب التفصيل بعد الإجمال أداة لتحقيق هذه الفكرة ، مما يعبر عن مدى استغراق هذا الحب والاستئناس بالمحبوب. وكانت التقطيعات الموسيقية (نصفها-قيودها ) والانتقال من عدد الكلمات في الأسطر معبرًا عن هذه الحالة الشجية والحب غير المنتهي.
لكن يثار سؤال كذلك عن دلالة نصفها. وكان استخدام التضاد بين المنتهى والمبتدأ معبرًا عن هذه الخلاصة لكل الحكاية حكاية الحب التي تجمع الشاعر بالوطن. غير أني اشعر أن كلمتي المشتهى والمنتهى كانتا متجانستين فقط دون أن تحدِثا دلالة متوازية أو متناقضة.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 16-04-2017 الساعة 12:32 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس