الموضوع: نهضة اليابان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-05-2010, 08:51 AM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


الفصل الرابع: المايجي إيشين: ثورة بورجوازية غير مكتملة

تقديم: إيغور لاتشييف/ أكاديمية العلوم في موسكو

اهتم العلماء السوفييت بثورة المايجي في اليابان اهتماماً يفوق نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، ففي عام 1968 عقد معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي مؤتمراً للخبراء السوفييت بمناسبة مرور 100 عام على بداية (المايجي إيشين) وقد قدم 25 خبيراً بارزاً في تاريخ اليابان وثقافتها تقارير ومحاضرات مثيرة للنقاش.

ولم يكتفِ الخبراء السوفييت بقراءاتهم لليابان، بل قرءوها من خلال كتابات اليابانيين وقراءات الأجانب الغرب، وبالذات الأمريكان، وحتى لا يتيه القارئ بالأسماء اليابانية للأحداث والوقائع أو أسماء القادة والمؤثرين فكرياً في مناقشة هذا الموضوع، ارتأينا تبسيط الموضوع وإعادة تقديم البحث الذي بين يدينا بصورة تسهل فهم طبيعة القراءة السوفييتية لثورة المايجي اليابانية.

الاختلاف الأساسي بين القراءة السوفييتية والقراءات الغربية

أنكر الخبراء السوفييت وجهة النظر الرأسمالية في تفسير ما حدث في اليابان. ففي حين رأى الغرب أن ما جرى في اليابان هو ثورة من القصر نفسه من أجل التحديث، اعتبر السوفييت أن نظرية التحديث الغربية ما هي إلا (لفظة) فضفاضة ترى الأمور بعيون غربية وعلى مسطرة ليبرالية لا تصلح في مناقشة ما جرى في اليابان، وقدموا براهينهم التي سنسوقها تباعاً.

في حين يرى الخبراء السوفييت أن ثورة المايجي هي ثورة شعبية أتت بتغييرات كبيرة على صعيد تنمية اليابان. وإن تشبيه الثورة اليابانية 1867ـ 1868، بالثورة البريطانية 1640ـ 1660، أو الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر هو تشبيه خاطئ، لا ينبع إلا من عقول ليبرالية.

الفلاحون هم عماد ثورة اليابان

يقدم الباحث السوفييتي (إيغور لاتيشيف) برهانه، في أن الفلاحين هم من كان مركز الثورة أو الثورات في اليابان. فيقول بين عامي 1868 و 1873، حصلت في اليابان نحو 200 ثورة فلاحية، وقد شارك فيها عشرات الألوف من الناس، وجيء بقوات عسكرية لقمعها.

وأن من يقول أن المايجي جاءت دون إراقة دماء، فهو مخطئ، فقد دفعت الحكومة اليابانية بقوات مجموعها 120 ألف محارب، قُتل منهم 3556 وجرح 3804 كما فقدت القوات المساندة للحكومة من العشائر وغيرها 4707، وتلك الخسائر تفوق ما خسرته اليابان في حربها مع الصين، حيث كان مجموع خسائرها 5417 قتيل.

لم يتفرد الخبراء السوفييت بنظرتهم تلك، فقد كتب المفكر الياباني اللامع (كوتوكو شوسوي) عام 1903 (التاريخ الاجتماعي هو سجل للثورات، فالثورات تؤدي الى تقدم الإنسانية. حاول أن تتخيل أية درجة من التطور كان يمكن للإنسانية أن تحققها لو لم يكن هناك (كرومويل) في بريطانيا، ولو لم يُعلن الاستقلال الأمريكي، ولو لم يخلق الشعب الفرنسي النظام الجمهوري، ولو لم توحد إيطاليا، ولو لم تكن هناك حركة المايجي في اليابان).

المايجي ثورة بورجوازية

وعلى العكس من الباحثين الأجانب، فإن الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية يعتبرون ثورة المايجي هي ثورة بورجوازية، وأنها لم تكن استثناء ضمن الظواهر الطبيعية الشاملة... وقد بدأت تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية. وقد حصلت على فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية.

إن التحليل السوفييتي يُظهر بصورة قاطعة أن ثورة المايجي كانت بداية تحول اليابان من الإقطاعية الى الرأسمالية، وأن أعضاءً من البرجوازية اليابانية هم الذين استأثروا بالفوائد الحقيقية لنزاعات 1867ـ1868. ويميل الخبراء السوفييت في الشؤون اليابانية الى القول أنه كان هناك ثلاث قوى رئيسية معنية بالصراع ضد الإقطاعية: الفلاحون الفقراء وأهالي المدن الذين حاربوا بصورة تلقائية ضد النظام الإقطاعي دون أن يكون لديهم تصور سياسي واضح؛ ونبلاء البلاط والساموراي الذين حاربوا ضد الهالة المحيطة بالإمبراطور (الشوغن) من أجل إقامة المَلَكية المطلقة؛ وأخيراً البرجوازية التجارية والصناعية الآخذة بالبروز.

الثورات البرجوازية في نظر الخبراء السوفييت

في رأي الخبراء السوفييت، أن الثورات بما فيها البرجوازية تشكل مرحلة اختبارٍ مؤلمة للشعب، فهي تؤثر بنسبة كبيرة على مصير ذلك البلد. أي أنها تعطي حافزاً جديداً للحياة. فهي تجدد نشاطاتهم وتلهمهم، وتستنهض أشدهم عزماً وطاقة للعمل. والثورة اليابانية ليست استثناءً. فقد أنقذت اليابان من الوقوع في براثن الاستعمار وفجرت طاقات العلماء والمثقفين.

على أن الخبراء السوفييت لم يغالوا في تقدير الأهمية التاريخية لعهد المايجي، فقد أشار بعضهم (جوكوف وإيدوس) الى أن ثورة 1867ـ1868 لم تكن سوى بداية في عملية تحول المجتمع الياباني من الإقطاعية الى الرأسمالية. وبالرغم من جميع التغييرات الكبيرة التي حصلت في الحياة اليابانية أواخر القرن التاسع عشر، فإن بقايا الإقطاعية لم تُلغ إلا مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لماذا لم تبتعد ثورة المايجي الى أكثر من ذلك؟

يتساءل الخبراء السوفييت: لماذا لم يمضِ الفلاحون الى الإطاحة بنير كبار الملاكين؟ ما الذي منع الشعب الياباني بأسره من أن يحصل على تلك الحقوق البرجوازية الديمقراطية التي استطاعت شعوب بريطانيا وفرنسا وبلدان رأسمالية غربية أخرى اكتسابها قبل ذلك؟

إن الجواب على هذه الأسئلة يكمن في سلوكية المشاركين في الانقلاب. فأرستقراطية البلاط والساموراي وكذلك التجار والمصرفيون ورجال الأعمال الذين ساروا في ظلهما، لم يكونوا راغبين بمواصلة القتال من أجل إلغاء الإقطاعية إلغاءً كاملاً. ولم يرغبوا في الوقوف الى جانب المشاركين في ثورات الفلاحين العفوية التي كانت تفتقر الى أهدافٍ سياسية واضحة.

وقد تحولت تطلعات الأرستقراطيين والساموراي الذين قادوا الانقلاب، الى تطلعات معادية للثورة. فقد فضلوا السعي الى استقرار الوضع. وهذا يفسر العزيمة التي تجلت عندهم لقمع الاضطرابات وثورات الفلاحين دون أية ضوابط في استعمال الأسلحة. ورويداً رويدا واعتباراً من العام 1873 أخذ تمرد الفلاحين بالتلاشي.

اليابان تنقاد الى مصاف الدول الإمبريالية

أصبحت اليابان منذ بداية القرن العشرين بلداً إمبريالياً تسيطر على مقدراته برجوازية احتكارية. وإن سياسة اليابان الخارجية تستمد جذورها من الصفة غير المستكملة للإصلاحات البرجوازية التي قامت بها حكومة المايجي.

إن هدف بناء قوات مسلحة قادرة على صد القوات الاستعمارية المعتدية كان متوافقاً مع مصالح الشعب الياباني. لكن لم تنته المسألة هنا، فقد أصبحت القيادات الجديدة تتطلع الى الامتداد للخارج، شأنهم بذلك شأن الثورة الفرنسية، من خلال حملات نابليون بونابرت. فقد غزت القوات اليابانية تايوان في عام 1874، كما غزت كوريا في عام 1876.

ينتهي الباحث الى القول: من هنا يجب الحذر في تقييم تجربة المايجي في اليابان والتي نعترف أنها حققت التقدم والرفاه للمجتمع الياباني، لكنها كانت أيضاً امتداداً للروح الإمبريالية المتنامية والروح العسكرية غير القابلة للضبط، والتي أدت الى كوارث، لا للشعب الياباني فحسب بل ولشعوبٍ أخرى.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس