الموضوع: نهضة اليابان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-05-2010, 10:31 AM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس: معنى التغييرات الثورية

تقديم: بيوتر فيدوسيف/ أكاديمية العلوم في موسكو

إن أي تحليل مقارن للتقدم الاجتماعي والقومي في بلدان عدة هو ذو دلالة معرفية كبيرة بالنسبة للحاضر والمستقبل. ويؤسس الباحث هنا لمساهمته، إذ يقول: اختلف العلماء في تقييم (إعادة المايجي)، وقد تشابه التقييم عند بعض العلماء اليابانيين مع زملاءهم السوفييت. والتغيير الثوري ليس مجرد موضوع نظري، بل يمكن ترجمته الى ممارسة وواقع. وهنا تكمن أهمية إعادة المايجي في انعكاساتها التطبيقية.

يستعرض الباحث أصول الثورات وأنواعها وأهدافها، ويحاكم أو يفحص ما حصل في اليابان، من حيث موقعه من تلك النماذج العالمية المتفق عليها في علوم السياسة.

(1)

المفاهيم النظرية العالمية التي تتكرر في الخطابات السياسية، تنشد الأخوة العالمية والمساواة بين جميع البشر والشعوب وحول السلام والوفاق الدائمين. ولتحقيق تلك المبادئ لا بد من جهود تُبذل من قبل الشعوب بأشكال مختلفة، وهذه الجهود لم تحقق كل أهدافها لغاية الآن.

الثورات هي أهم وسائل تحقيق تلك الأهداف. والثورة في تعريفها: (عملية تغيير هائلة تتطلب تدمير كل ما هو قائم من أجل خلق شيء جديد. إنها تنطوي على تدمير البنى القديمة التي تخطاها الزمن وإحداث تبدلات مفاجئة في الحياة الاجتماعية. وتشمل كذلك النواحي العلمية والتكنولوجية. فالثورة هي المحرك بل القوة الدافعة للتاريخ).

والثورة ليست مجرد صدامات أمنية مرحلية بين فئات اجتماعية ضمن المجتمع، وإنما هي صدام حاسم بين الطبقة الحاكمة والجماهير المضطهدة، ينتج عنه تحول في السلطة من الفئات الحاكمة الى فئات أخرى. إنه يسفر عن تغيير في البنية الاقتصادية وفي المؤسسات الاجتماعية والنظريات الأيديولوجية.

(2)

التغيير الثوري يمكن أن يكون كالرصاصة سريعاً ويحمل معه كل التغييرات، وممكن أن يكون بطيئاً ويمتد لفترة طويلة، في حالة الثورات البرجوازية، كثورة (المايجي) في اليابان، وفي الحالة الأخيرة، فإن السلطة ستنتقل الى مجموعات جديدة.

ما حصل في اليابان، هو ثورة (القول للباحث)، لقد انتقلت السلطة الى مجموعات جديدة، حتى لو كانت تلك المجموعات قد اختارت النظام الملكي (الإمبراطوري)، لكنها في جوهرها قد ابتعدت عن الطغيان العسكري والإقطاعية. واتجهت نحو النظام البرجوازي.

عند مقارنة ما حدث في اليابان مع الغرب الأوروبي، فقد كانت الثورات في الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ثورات معادية للإقطاع، فقد أزالت طبقة كبار الملاكين الأرستقراطية وحررت الفلاحين، على الأقل من الناحية الشكلية، من العبودية الشخصية، ومهدت الطريق أمام النمو السريع للصناعة والتجارة والنقل. لكن القوة الاقتصادية والسياسية ظلت في أيدي دوائر ضيقة من الملاكين والبرجوازية التجارية والصناعية. وقد أدى ذلك الى القضاء على الأكثرية الساحقة من الشعب وتحولهم الى عمال مأجورين أو الى مزارعين تابعين.

(3)

في الجانب الاجتماعي للثورة. تقسم ثورات العصر الحاضر الى ثلاثة أنواع: (1)معادية للإقطاع، (2) معادية للبرجوازية (3) معادية للاستعمار. في أوروبا خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، حصلت ثورات تم من خلالها إزالة الملكية الإقطاعية، وحصول الأقنان (العبيد) على ملكية الأراضي، ممهدين بذلك الطريق أمام ظهور أوروبا البرجوازية، وقيام الثورات البرجوازية التي أدت الى انتقال السلطة الى الرأسماليين.

(4)

ما هي القوة المحركة للثورة؟ من هو البطل الذي يقف وراء أي نوع من الثورات، أكانت معادية للإقطاع أم للاستعمار أم للبرجوازية؟

مما لا شك فيه أن هناك مجموعة من القوى المؤثرة. هناك أولا، البرجوازية التي يمكن أن تكون البطلة والقوى المحركة لثورة تستهدف الإقطاع، مستقطبة تأييد الجماهير الشعبية، وقد تكون النتيجة إقامة دولة برجوازية وطنية لكن من دون أن تذهب مكاسب الثورة الى الجماهير.

وقد تكون هناك أيضاً قوى أخرى معادية للإقطاع. ففي اليابان لم تستطع الحركة المعادية للإقطاع أن تستقطب تأييد الشعب الذي عانى من القمع على يد الإقطاعية فحسب وإنما كذلك تأييد بعض العناصر الإقطاعية الفردية مثل مجموعات (الساموراي) أو (الشيزوكو) التي عارضت الدكتاتورية العسكرية.

وهناك ثانياً، البروليتاريا والمزارعون الذين يمكن أن يشكلوا القوة المحركة لثورة تستهدف الإقطاع فيقيمون تحالفاً ديمقراطياً بين القوى الاجتماعية، كما حدث في ثورات روسيا.

لقد استعمرت البلدان الرأسمالية أراضي شاسعة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا حيث عانت الشعوب المستعمَرة من نير مزدوج، هو اضطهاد الحكومات المحلية المتعاونة مع المستعمر والاضطهاد الذي تنطوي عليه آلية استغلال الدولة الاستعمارية.

(5)

هناك أوجه شبه في بعض الثورات، فمثلاً تتشابه الثورة اليابانية مع الثورة المكسيكية وثورات أخرى في أمريكا اللاتينية. وهناك وجه شبه بين الثورة الصينية التي حدثت في شنغهاي عام 1927 والثورة المكسيكية.

ويسبق كل الثورات الهامة نشاط فكري وفني وثقافي، يقوم بتوعية الشعب وتحريضه على رفض ما هو قائم. (فولتير وجان جاك روسو وغيرهم) في فرنسا. (نيكولاي شيرنيشفسكي وليو تولستوي ومكسيم غوركي) في روسيا، وفي كل ثورات العالم، حتى اليابان نفسها.


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس