الموضوع: *وداعاً أبي*
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-06-2010, 10:29 AM   #9
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ومع عصبية الموقف لا يجد الشاعر بعد أن فقد الخيط الأخير إلا أن يستعيد الذكريا ت الماضية ويتفاعل مع الماضي والحاضر ذهابًا وإيابًا من أجل التخفيف من شدة هذه المواجع عله يجد في ماضيه ما يلهمه الصبر على حاضره المؤسف والذي يكون الوالد فيه هو صورة لهذا الماضي الجميل بينما هو أي الابن صورة لهذا الحاضر الأسيّ.
ولا أدل على هذا الحب من هذه الشطرة بصحراء غيثك .... ليظهِر الشاعر هذا الحجم من التناقض بينه وبين والده ، إذ يكون والده غيثًا والشاعر صحراء تنمو بهطول هذا الغيث الرقيق عليها ، ويستمر الشاعر في رصد هذه المقابلة بين النمو والصحراء ليلتقط لحظة في غاية التأثير ممثلة في الحبو الناتج عن هذا الغيث والذي نمت منه زروع الصحراء ومن ثم انتقل الطفل إلى مرحلة الحبو، وفي إظهار هذه الصورة للزرع وما يقابلها من نمو لإنسان صغير اتساق في الحالة النفسية التي تستدعي بتفاصيلها الأمر تمتمع وتبرر وجوده أكثر من مرة ، وتبرز هذ ه الصورة في استعطاف البدر في ليل الوجه ذلك الوجه الحزين الذي يتمنى الشاعر أن يسطع البدرفيه باستعطافه إياه .هذا الوجه الحزين للوالد ربما جراء المرض وربما جراء أسباب أخرى ،غير أن من الممكن أن يكون هذا تعبيرًا عن الحزن على مرحلة كان الشاعر فيها في صغره مشاغبًا يضيق به والده فيتمنى أن يسطع النور في ليل وجهه ، والصورة أسكت جوعي بأصبع فيها قدر كبير من القوة الراجعة إلى العزف على أوتار الطفولة وذكرياتها التي يعود فيها الأصبع الذي كان يسد به الطفل جوعه وقد قابله جرح أصابع والده من شظاياه.
بصحراءِ غيثِكَ كانتْ ثماريَ تنمو و تَوْنَعْ
و كنتُ كَطِفْلٍ
و رُغْمَ العظامِ الطَّريةِ أحبو
و أُسكِتُ جوعي بإصْبَعْ
و أستَعطِفُ البدرَ في ليلِ وجهِكَ
عَلَّهُ يَسطَعْ

وتتوالى قطارات الحزن ليعيد الشاعر إلى الأذهان صورة أخرى يستعطف بها الوالد ويخبره عن بعض قرابينه التي يرجو بها أن يسامحه إن كان مقصرًا من خلال تذكيره بارتتاعه في ظله ومضغه الثواني وهو كناية عن التألم بالوقت ومروره وفقد الظلال من بعده وفاء له وهو إلى ذلك يبعثر أحلام قلبه المتصدع وهو تعبير يتسم بحضور صورة ذهنية أقرب إلى الصور المتحركة الكمبيوترية (الجرافيك) لهذه الأحلام المبعثرة والقلب المتصدع تلك الصورة التي تزيد الموقف حزنًا وتراجيدية.
وهذا الحفظ للعهد يتمثل في هذه القدسية للجد المشرع والذي يكون بمخالفته جحيم وبطاعته نعيم ، وعلى ما في الأشطر من أخطاء دينية ممثلة في الركوع والتشريع إلا أن استخدامها وتطويعها للموقف الشعري كان جيدًا إذ يصبح الجد أداة تذكير للحفيد بالجنة ويمتد بعد الموت أثر عمله الصالح في تنشئة الابن وابنه من خلال السجود الخاشع للابن اقتداء بمن رحل.وإن كان من الممكن الالتفاف حول كلمة شرّع لتأتي بمعنى غير المعنى الديني إلا أن الركوع يكون من المستحيل أن تعطى دلالة غير التي جعِلت لها ،ليكون التقديس والرغبة في إبراز الولاء للراحلين أحد المآخذ التي يقع فيها الكثيرون من شعراء هذا الجيل أو من الواقعين تحت وطأة هذا الموقف الحزين.
تَذَكَّرْ .....
بأنّي بقيتُ بظِلِّكَ أرْتَعْ
فَقَدتُ ظِلالي
مَضَغْتُ الثَّواني
و صِرتُ أُبعثرُ في الأفقِ أحلامَ قلبٍ تَصَدَّعْ
بَقيتُ كَطِفْلٍ
و عُمري ثلاثونَ عاماً و نَيِّفْ
و إبني بِقُربي لِشَخْصِكَ نَرْكَعْ
و أضْرِبُهُ إنْ أبى أو تَمَنَّعْ
و إنْ راحَ يبكي
سَأُخبرُهُ إنَّ ( جَدَّكَ ) شَرَّعْ
فلا تَعْصِ أمراً
و إلا سَتلقى جَحِيماً
و كُنْ طائعاً تَلقَ جَنَّةَ ( جَدٍّ )
بها عِطْرُ وَرْدٍ تَضَوَّعْ ....
يُطيلُ السُّجودَ وليدي و يَخْشَعْ

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس