السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل عثمان
لا أظن أن البَون واسعٌ فيما بيننا، إلا اللهم إذا أردنا أن نختتم الاستنتاج بطريقة يصعب تطويع قبولها..
أعلم ـ ولكن ليس على وجه الدقة ـ أن الجزائر وسوريا ومصر وكل بلداننا لديها صناعات، وقد تكون منها صناعات متطورة ويقبل عليها المستوردون الأمريكان، خصوصاً إذا كانت تؤدي الدور المطلوب منها، مثل (الغسالات الأردنية) التي تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستوردٍ لها، لرخص ثمنها ولتأدية الدور لدى العائلات الفقيرة.
تعتبر عمومية العلم من ركائز النظرية العلمية، فنظرية فيثاغوروس وقانون نيوتن واللوغرتميات وحتى علوم الذرة، لن تبقى حكراً على من أوجدها، ومن يراقب المقاومة العراقية والأفغانية وطرق تصنيعها للمتفجرات يدرك ما أرمي إليه.
قبل أربعين عاماً، كان الصينيون ـ ولا زالوا ـ ينشرون حوالي ربع مليون تقني يشترون ( السكرابات: النماذج القديمة من المكائن والآلات)، ويهتمون بتصنيع مثيلاتها، فقد يشترون مصانع لزجاج الشبابيك تنتج منتجاً لا يضاهي الإيطالي بدرجة صقله، لكنهم يضمنون أن ربع سكان الأرض (الصين) على الأقل سيشترون تلك المادة، ثم تتوالى المهارات بالنمو حتى أصبحت الصين من أكبر بائعي السلع في العالم وبأسعار منافسة.
لو راجعنا إحصائيات بلداننا قبل خمسين سنة، لرأينا أن أعداد المهندسين والأطباء ومختلف المهن، قد تطورت تطوراً ملحوظاً، وأن من هؤلاء الكوادر وغيرهم ما يعكفون على وضع برامج ترفع من الشأن العلمي والاقتصادي.
الحاجة أم الاختراع: قد لا يكلف شعبٌ نفسه بالكد والتعب والبحث العلمي والتصنيع، إذا ما أحس أنه يستطيع الحصول على ما يريد! هذه نظرة موجودة ومفهومة وقد يكون فيها بعض المبالغة.. لكن بالمقابل فإن بلداً عندما يوضع تحت الحصار وتُحجب عنه قطع الغيار ولا يستطيع استيراد ما هو جديد فإنه سيبدع في تفجير طاقاته. ليذهب أحدنا الى حلب: إنهم يستطيعون صناعة أي ماكنة أو حتى (بلدوزر) بمجرد رؤيتها، لقد استفز عقل السوري كما استفز عقل العراقي فأبدعوا.. ولا أظن أن هذا استثناءً فقد تجده في الكونغو أو الصومال.
أظن أن حضرتكم تشير الى عدم شيوع البيئة الملائمة لإطلاق طاقات العقل، وهنا أوافقك تماما. لكني لا أوافق ما جاء بردكم للأخ (البدوي الشارد) من أن اليابان لهم حضارة عمرها ثلاثة آلاف سنة، وليكن، فأنت وريث الحضارات التي عاشت على تلك المنطقة ولن يزاحمك أحد على إرثها، (حيثيون، بابليون، فراعنة، كنعانيين، ومن بعدهم ما تراكم في ظل الحضارة الإسلامية).
سأضرب لك مثلاً أخيراً، كان التجار المغاربة قبل قرن ونصف يضربون عدداً من تسعة أرقام في عدد مماثل له في خطوة واحدة أو خطوتين، ولكن كل أساتذة الرياضيات في الوقت الحالي لم يستطيعوا فهم ذلك، كما حدث مع ساعة الأسود في (إسبانيا) التي لم يستطع كل الخبراء إعادة تركيبها.. فالمسألة تتعلق بالوفاء للتراث وفهمه والوعي بالمستقبل والثقة بالشخصية الوطنية..
تقبل احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
|