الأخ ابن حوران ..
أنا مقتنع أن العقل عندنا يستطيع الإبداع قناعة تامة .. و هذا بالضبط سبب إقدام الغرب على إستيراد و سرقة العقول من بلداننا .
ما قصدته هو الخطوة الموالية لخطوة القرار الصعب للبدء في الحركة .. هنا تبدأ الحاجة إلى علوم لا يسيطر عليها العلماء الكبار و لا المنظرون .. بل سادتها تقنيون بسطاء يوفرون المادة بالخصائص التي يتطلبها المنتج يعني بالضبط نحتاج مهندسين و لا نحتاج علماء .
و قد حدثت محاولات لتصنيع أدوات معينة لكنها باءت بالفشل .. ليس بسبب جهل التركيبة و لا خصائص المنتج بل بسبب جهل الكيفية .. كيفية التعامل مع الخامات و ترتيبها و شروط تصنيعها و هذا هو السر الذي يحتفظ به الآخر .
نحن حاليا ننتج الخامات و المواد نصف المصنعة .. و لا أعتقد أن الأردن متمكن من علوم اللدائن و تطويع مشتقات البترول لصناعة ماكينة غسيل . و لو كان كذلك فهو متهم بالتقصير لتركه الدول العربية تصدر البترول خاما بثمن زهيد و تستورد مشتقاته بثمن باهظ و ما إيران عنا ببعيد / من أكبر منتجي البترول و لا تملك حتى البنزين الذي ينتج بالتبخير !! /
المشكلة الثانية عندنا هي القطيعة مع الإرث الحضاري كما التقني .. بلداننا اليوم يستحيل التصديق أنها وريثة حضارة نشرت العلوم كافة و تمكنت من صناعة أدوات طبية و فلكية و تقنية تشابه إختراع الترونزيستور .. و ما قلته عن سنة 1592 مقصود .. تلك السنة التي بدأ فيها العقل المسلم يتوقف بل و ينسى ما يملك .. و أنا مقتنع أن الغرب يعجز عن إعادة تركيب ساعة الأسود لكننا اليوم أعجز من أن نتخيل وجودها فما بالك بشكلها أو مكوناتها .
في أحد المعارض العلمية الجامعية .. جاء طلبة الإلكترونيك بديود diod مصنع في مخبرهم .. و كان بحجم حوالي 20 على 20 سنتيمتر و قال العارض أننا يمكن أن نصنع الديود حين تتوفر الماكينة و عندها نتخلص من التبعية .. فسألته : هل نستطيع صنع آلة فائقة الدقة ؟ هل نستطيع إصلاح أعطابها محليا ؟ هل تستطيعون تصنيع قطع غيارها ؟ هل تستطيع تصنيع هذا الديود بمقياس الأنغشتروم عوضا عن السنتيمتر العملاق ؟ فكان الجواب جواب من حاز نصف العلم !!
هناك مجالات تقنية مجهولة .. مثلا الآلات فائقة الدقة التي تصنع قطع الآلات الدقيقة التي تصنع الآلات التي نحتاجها .. هناك مواد تصنع منها أدوات التقطيع و القص .. و هناك مواد تصنع منها أدوات تقطيع أدوات تقطيع المعادن !! دائرة حلزونية متعبة .
نحن متفقون تماما .. لكننا نحتاج فعلا للجوسسة التقنية و مخابر التجارب التي لا تنطفيء فيها الأنوار ..
أتمنى أن ندرك ما نملك و ما نحتاج .. ليس تثبيطا بل كي نكون واقعيين .