عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-01-2011, 11:49 AM   #12
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

فهل ستعانق منفاك أم سيتركك لغيره .. ومن يستطيع نقض الروح في مرحلة رغبة .. نشوة .. شهوة .. والنار لا تتوقف في أعماق قلبك .. وأنت تحاول جاهداً .. أن تشعل النار على شاطئ المجهول .. والمجهول لا يوجد فيه عود ثقاب .. لحظتها .. لحظتك في إشعال النار .. هي الاختراع
جميل ها هنا كم هو جميل معانقة المنفى ، إن المنفى دلالة على البُعد والاستوحاش ولكن المبدع يراه ها هنا منتجعًا يبتعد به عن مألوف الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي ، ويبدو ها هنا المنفى وهو صفاء الذهن -حسبما أرى-كأنه إنسان تعانقه أو يتركك لغيره ، الجميل في تعبير يتركك لغيره هو هذا الإيحاء باستثنائية اللحظة بحيث يكون المنفى في لحظة لا تتكرر يراودك عن نفسه ويأتي إليك على طبق من ذهب وأنت أيها المبدع صاحب القرار الأخير الذي تتحمل مسؤليته عندما يفوتك هذا المنفى لأنه ليس منفى في الواقع وإنما هو منتزه في شكل منفى ،فهو ينفي عنك الكآبة والسآمة ومشاعر الرتابة التقليدية ، وتتسارع الإيقاعات بعد ذلك من خلال النقاط ..رغبة ..نشوة ..شهوة..وهذا التناسق بين أوزان الكلمات الثلاث الماضية يعطي الانطباع بانتظام وتيرة العدو اللاهث وتقطع الأنفاس حتى تأتي كلمة النار وهي محصلة الرغبة والنشوة والشهوة ، وبدون الوقوف على المعنى الجامد للرمز ، تأتي النار ها هنا رمزًا للتشوق اللانهائي للكتابةوالبوح بما في النفس ، ويفاجئنا المبدع بهذا التناسق بين مكونات البيئة في أدق تفاصيلها الثقاب والنار إذ تكون الثقاب هي هذه الأفكار التي تشعل وهج الإبداع والأجمل من ذلك لحظتها .. لحظتك في إشعال النار ، يميز هذا التعبير َ الرائع إذ تكون الحالة من التباين كأننا بإزاء كرة المضرب إذ تكون الكرة في ملعبك وتكرار كلمة لحظتك أتى معبرًا عن حالة من العطاء المفاجئ إذ تكون اللحظة التي هي لحظة النار قد صارت كلها في عقر دارك ، إن هذا التعبير يوضح مدى جمال التلاعب بالدلالات ،وكأن الإنسان يعيش عمره كله في لحظات غير لحظاته بينما لحظة الكتابة التي أتت على حين موعد صارت هي لحظته !
وجميل هذا التكامل في البيئة التشبيهية عندما يكون إشعال النار على شاطئ المجهول والمجهول بدون ثقاب ، إن هذه المعاني لا تترجم حرفيًا ، ولكن دلالاتها المستبطنة أوضح من أن يتعرض لها الفرد العادي فالمبدع هو الذي يصنع النار الفكرة من اللاشيء ، وفي لحظة تكون الذاكرة فيها كالشاطئ المجهول إذ به يصنع هذه النار أو الفكرة من أضغاث أفكار تتداخل فيها اليقظة بالمنام وهذا هو الاخترا ع إذ يصنع المبدع من كل شيء يبدو هامدًا حطبًا يوقد به نار الفكرة التي يتدفأ على قبسها القارئ نعم إنها لحظتك أنت أيها المبدع ، فأنت تؤلف بين مزيج المتناقضات واللاموجودات وتصنع فكرة حاضرة يسير الناس على هديها ما شاء الله لهم أن يسيروا
!
وإن كنت ستستخدم عود ثقاب حملته معك في رحلتك إلى المجهول فأنت محتال .. منتحل .. مختل عقلياً .. لا ترقى للبقاء .. حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ..
*.. لحظة الكتابة الخاصة بك هي إشعال النار على الطريقة البدائية ..*
فهل ستقوى على العيش متحجراً تكتشف جزيرتك المجهولة .. تشق طريق الوصول إلى أرقى مراحل لها تأملات المد والجزر على شاطئ الواقع
المهم أن لا تبتعد .. وتقدم .. ولتبقى دائماً في طريقك الخاص .

ما أجمل هذه الحكم التي تأتي كنصائح من معلم خبير بالتجارب يلقي بتعاليمه إلى جيل المريدين الجالسين أمامه في يوم عز عليهم فيه الناصح ، فإذا به يأخذ بأيديهم ويلقنهم هذه الحكم لكنه ليس تلقين المدارس وإنما تلقين الواعي الذي يصنع من الحفظ فهمًا ومن الفهم إبداعًا !

وإن كنت ستستخدم عود ثقاب حملته معك في رحلتك إلى المجهول فأنت محتال .. منتحل .. مختل عقلياً .. لا ترقى للبقاء .. حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ..
ها نحن نرى المبدع يوجه الحكمة في شكل غير تقريري ولكنه مباشر نسبيًا حتى لا تستغلق على الفرد العادي ولكنها في الوقت ذاته تنسحب على تأويلات متعدد ويطرق باب الفضيلة محذرًا القارئ من انتحال الشخصية أو سرقة الأفكار وما أعظم هذا التعبير الذي تبدو فيه قيمة الدلالة عندما تمزج بالتصور الذهني للفرد ! ما أضحك حال من استخدم عود ثقاب لرحلة مجهولة ؟! إن المبدع يعتمد على المنطق لينفد به إلى فكرة تتجاوز شكله الجامد إلى أشكال عدة ، فكما لا يُعقل أن يأتي الفرد بعود ثقاب من جزيرة إلى أخرى كذلك لا يُكتب للإنسان شهرة ما دام يعيش بثقاب غيره أي بأفكارهم التي تصبح في خضم الأفكارالمحيطة به مجرد عود ثقاب لا يغني ولايسمن من دفء.
إن الفكرة نفسها عود الثقاب مركبة ، لأنها تجمع الاستحالتين استحالة بقاء هذا العود معك من جزيرة إلى جزيرة دون انطفاء واستحالة تأثيره في الجزيرة التي وصل إليها (بافتراض أنها لم تطفأ) الفكرة التي تسرقها إما أن تضيع ويستولي عليها الآخرون أو تثبت غباء طريقة التفكير التي ينتهجها الفرد ، حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ... وهنا جميل للغاية أن يقوم المبدع بتشويق القارئ وترك التأويلات منفتحة لكل تأويل روافده وقرائنه ، فلعل التأويل : حتى وإن كانت جزيرتك ملأى بالثقاب أو حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة -على العكس -تبحث عن شبر من عود الثقاب ....
بفاجئنا الكاتب مرة أخرى بهذه العبارة :

*.. لحظة الكتابة الخاصة بك هي إشعال النار على الطريقة البدائية ..*
وكأنه على طريقة الأفلام الوثائقية (والأصح أن نقول الوثقية) بعد الانتهاء من إسداء بعض النصائح يسترجع صوتًا هو صوت النفس أو صوت نصائح الآخرين الذين يقولون له هذه العبارة : لحظة الكتابة الخاصة بك ....
وهنا نجد المبدع يتكئ على معنى قد أكده من قبل وكأنما خشي أن يتفلت منه الخيط الذي ظل ينسج منه النول وهو استقلال الشخصية وتبدو العبارة فلسفية مختصرة كثيفة ،فاللحظة اللتي يكتب فيه االمبدع هي لحظة لإشعال النار ولكن بطريقة تبدو بغير معنى البدائية من المنظور الحضاري وإنما ينزاح معنى البدائية إلى معان أخرى كالبكِر أو الصفاء ؛فهذه اللحظة هي إشعال للنار على الطريقة الأولى التي لم تشبها شائبة.
حقًا إن الإنسان لحظة الكتابة هو يشعل نارًا من خلال أدوات بسيطة أفكار متناثرة كالحطب ويبدأ في تغذيتها واحدة بالأخرى ويضم بعضها إلى بعض لتكوّن له هذه المزيج الذي ينتهي بها إلى الحطب .إن الإصرار على استخدام مصطلحات الحياة البدائية والبِكر في النص يعطي مؤشرًا جيدًا على قدرة المبدع على الانسلال من الزمن لمراقبة هذه الحركات والسكنات الهادئة للنفس والتي تخرج من تواليها وتتابعها هذه المادة الجميلة المسماة بالإبداع .
قبل استئنافي الحديث أحب القول بأنني أستحضر إعلانًا لقناة الجزيرة عن أخبارها :لأن الوقت لا ينتظر ، وكان الإعلان يحاول عمل موازاة بين لحظة خروج الخبز الساخن وانطلاق الأخبار من هذه القناة في إشارة إلى شدة تشويق القارئ إلى هذه الأخبار الطازجة المباشرة .. بهذه الصيغة شعرت أن ثمة تقاربًا في بعض المصطلحات في كلا العملين خاصة عندما يتسارع الإيقاع وتتوالى النقاط ... أشعر بأن صورة الإعلان الماضي تستحضرني بشكل جيد وهذا عنصر إيجابي يؤكد ما يراه بعض علماء الأدب الحديث وهو أن الاستعانة ببعض المصادر الصوتية والمرئية يُعد واحدًا من مظاهر حداثة العمل ومواكبة روح العصر .


فهل ستقوى على العيش متحجراً تكتشف جزيرتك المجهولة .. تشق طريق الوصول إلى أرقى مراحل لها تأملات المد والجزر على شاطئ الواقع
المهم أن لا تبتعد .. وتقدم .. ولتبقى دائماً في طريقك الخاص .


جميل ها هنا الشغب الذي يقوم به المبدع تجاه المعاني الثابتة ، فالتحجرحالة من الجمود كيف يمكن معها اكتشاف الجزيرة المجهولة (النفس) ؟ يخيل لي أن مبدعنا العزيز يوازي بين استحالة السير من جزيرة إلى أخرى بعود ثقاب وبين اكتشاف جزيرة مجهولة بتحجر ، لهذا تأتي كلمة متحجرًا ساخرة تستثير القارئ أو المخاطَب من أجل تغيير كيفية تفكيره واكتشافه مصادر الطاقة التي تغذي عمله الأدبي الإبداعي .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس