عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-03-2011, 12:45 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

تكوين بؤر الثورة وتشابهها في الحالتين العربية واليابانية

في الحالة اليابانية، كان الخنوع لقرون طويلة، ليس للإمبراطور بشخصه وقوة عشيرته والمحيطين المقربين به فقط، بل لقوى مختلفة توزعت في 250 مقاطعة، يحكمها الإقطاع وقوى محيطة بها تستفيد من ذلك البنيان المُعقد، وكان هناك طبقة النبلاء وملاك الأراضي و (الساموراي) و الساموراي هؤلاء والذين قُدر عددهم في وقتها بما يقارب نصف مليون من المقاتلين الأشداء، الذين كانوا يُسخرون لخدمة أسيادهم مُقابل حياة تتفوق على حياة العامة، فكانوا يُكلفون بقمع أي تحرك، ويفلتون من أي محاكمة من أي نوع.

وقد تلفت ظاهرة أشار لها البروفيسور (ساكوتا كييشي Sakuta Keiichi ) الانتباه، وهي (أن هناك تقليداً قديماً في المجتمع الياباني يقضي بقبول الظروف على أنها قدرٌ مكتوب وبالتكيف مع الأوضاع السائدة). وهذه الحالة أعطت للطبقة الحاكمة في اليابان شعوراً بالرضا والقناعة من أنه لا خطورة من هذا الشعب.

لو عُدنا للحالة العربية الراهنة، فإن الوضع يكاد يكون متشابهاً، مع تغيير بسيط في بعض المسميات، فليس هناك إقطاع يتمثل في ملكية الأراضي وغيرها، بل هناك نظام خفي تشكل من خلال معايشة كبار الموظفين الذين دأبت الأنظمة على مبادلة أدوارهم داخل نظام الحكم، ويتم توزيع ثروة أي بلد عربي بين أفراد مجموعات منتقاة لتنفرد في التمتع بالثروات الريعية (نفط وغيره) وتسخير قوانين الدولة لمصلحة تلك المجموعات. وليس هذا فحسب، بل تتناقل السلطة والمواقع السيادية بين عدد محدود من عائلات تم اختبار ولاءها والتصاق مصلحتها بمصلحة النظام الحاكم. أما الساموراي في اليابان فيُستعاض عنهم في الحالة العربية، بقوى أمنية، ظاهرها حفظ النظام بالوطن وحقيقتها حفظ نظام الحكم، وقد رأينا تلك النماذج واضحة بأعدادها وسطوتها في تونس ومصر وليبيا، وهو ما أطلق عليه إبان الثورات (البلطجية).

لقد أحس الحكام العرب، كما نقلوا إحساسهم هذا الى الدول الغربية، بأن حالة التكيف لدى الشعوب العربية، مع واقع الحكم تحول دون ظهور قوى تناهض ما يقرره الحكام العرب.

الخروج العفوي على المألوف في الحالتين اليابانية والعربية

كما أسلفنا سابقاً، أنه في الثورات التي حدثت في غير اليابان، كان يسبق الثورة نشاطات فلسفية وفكرية سياسية تملأ الفضاء الذهني بفكر تحريضي يهيئ للثورة، ففي فرنسا سبق ظهور الثورة كل من (مونتسكيو، وفولتير، وجان جاك روسو وغيرهم)، كما ظهر في الثورتين الروسية والصينية مفكرين ثوريين كتبوا وهيئوا المناخ العام للثورة.

عادة يسبق ظهور المصلح السياسي أو المصلح الاجتماعي، ظهور حالة الثورة بأيام أو أشهر أو سنين، وهو إن ظهر واكتشف ما يسود بالبلاد، فلا يعني أنه اخترع شيئاً لا يمكن اختراعه، بل سبق غيره من الناس للتأشير عليه وصياغته، ولو لم يظهر لظهر غيره، وهي مسألة طبيعية معروفة في الشأن السياسي والاجتماعي.

لهذا، لم يكن في اليابان ما يمكن أن يُطلق عليه (قائد الثورة أو رمزها أو محركها)، بل انتشرت حالات الانتفاضة والحراك في مختلف مناطق اليابان ودونما تنسيق مُسبق فيما بينها، وكانت أعداد القتلى في بعض المناطق تصل الى الآلاف، فتخمد الانتفاضة، لتنطلق من منطقة أخرى، واستمر هذا الوضع أكثر من ثلاثين عاماً، حتى أيقن الجميع الحاكم والمحكوم أنه لا مجال إلا بالتغيير الذي يُرضي الجميع.

هذا المشهد آل الى ثورة لم تُصادَر من القائمين عليها بحجة (حماية الثورة)، ففي النماذج السوفييتية والصينية وغيرها من الثورات القديمة، وحتى في العصر الراهن، فإن ثورات أو انقلابات حصلت في بلدان العالم الثالث ومنها بلداننا، تربع من قاموا في الثورة أو الانقلاب على سدة الحكم ومارسوا صنوفاً من القهر على مواطنيهم بحجة حماية الثورة. وهذا ما لم يحصل في اليابان، وباعتقادي لن يحصل في ثورتي تونس ومصر حتى الآن.

التعامل مع القوى الخارجية وتشابهه في الحالتين العربية واليابانية

يشكل العامل الخارجي (القوى الاستعمارية المتربصة والمتهيئة للانقضاض على البلاد) مؤثراً قوياً وبوصلة تحرك بشكل عفوي التعاطف الجماهيري أو الوقوف ضد مشروع الثورة.

في الحالة اليابانية، بعثت حالات النشاط الاستعماري في المحيط القريب من اليابان (إندونيسيا، الهند، الصين الخ) إشاراتٍ قوية لليابانيين للاستشعار بخطورة تربص المستعمرين في البلاد. فكان نشاط الحراك الوطني مُنصباً على اتجاهين، الأول: التغيير الداخلي الذي يحارب الفساد والقهر والعوز والتخلف. والثاني: سد الطريق أمام المتربصين الخارجيين، وهذا لم يتم إلا بالاتجاه الأول، أي رفع مستوى التعلم والمعرفة ونقل التكنولوجيا ونقل حتى وسائل وطرائق إدارة الدولة، فتطوع اليابانيون الى السفر للخارج ونقل مختلف العلوم والمعارف وترجمتها والتطوير عليها وموائمتها مع الحال الياباني ، وهذا لم يكن بطلب من النظام القائم، بل كان شعوراً وطنياً فهم العلاقة بين المعرفة والقوة.

في الحالة العربية، كَبُر حجم (المسكوت عنه) في جوانب كثيرة، منها ما يتعلق بالفساد ونهب خيرات الشعوب، ورمي بعض الفتات تحت أسماء مُذّلة (شرهة، مَكرُمة، تَعطف الخ) وحتى هذه الحصص المتدنية لم تُعط إلا في حالات تيقن من في الحكم على أنها ذهبت في سبيل (نحت) شرعية مزعومة، ولأناسٍ يهللون ويطبلون ويسبحون بحمد الحاكم.

وفي جانب آخر، تعرض المواطن العربي لدرجاتٍ هائلة من الإهانة الوجدانية تمثلت في غطرسة العدو الصهيوني والاستخفاف بالأمة العربية، من خلال غزو العراق وضرب لبنان وغزة والتآمر على السودان وغيره، وباتت مناقشات أمور العرب تتم مع إيران أو تركيا، للإمعان بالاستخفاف بمقدرات الأمة وإمكانية نهوضها.

وكان لصمود لبنان وغزة واستبسال المقاومة العراقية في وجه أعتى قوة عسكرية في العالم، محفزاً إضافياً لتغذية روح الانتفاض في نفسية كل مواطن عربي، لينتظر أول شرارة.

رصيد معرفي لم يُمتحن في كلتا الحالتين اليابانية والعربية إلا مع الثورة

لو أردنا المقارنة بين الواقعين التعليمي (التربوي) والمعرفي والأدبي للبيئتين اليابانية (قبيل ثورة المايجي) والعربية (في الوقت الحاضر)، لمالت الكفة لصالحها في الحالة العربية.

فقد كانت نسبة الذين يكتبون ويقرأون من الذكور في اليابان عام 1840 هي 40% وعند الإناث 10%،*1 وارتفعت بعد ستين عاماً أي في عام 1900 الى 96% في كلا الجنسين. في تونس عام 2004 كانت نسبة الذين يقرءون ويكتبون 74.3% وفي مصر 71.4%.

كما أن الأدباء والشعراء والعلماء والباحثين العرب في الوقت الحاضر هم أضعاف ما كان عليه نظرائهم في اليابان بالفترة التي سبقت إعادة (المايجي).

الشعور بالتوحد الوجداني

رغم أن العرق الياباني كما يبدو (لأول وهلة) أنه أكثر نقاءً من الأعراق التي تعيش في المنطقة العربية، فإنه كما في الحالة العربية، كان سكان ال 250 مقاطعة لا يشعرون بشعورٍ مشترك في ما بينهم، بل كانت تسود المطالب الجهوية والإقليمية وغيرها. ففي أجواء الفساد تكثر الضغائن بين المواطنين وتنتشر (النعرات) الطائفية والعرقية والعشائرية والإقليمية، وينتشر معها فكرٌ ميتافيزيقي يسفه من أي تحديث.

والحال في البلدان العربية لا يختلف، فهذا يميني وهذا يساري، وهذا سني وهذا شيعي وهذا نصراني وذاك مسلم. وما أن تدب الثورة في وجدان الجميع حتى تنصهر كل الخلافات لتصب في تيار واحد يبتعد عن كل نعرة.

حتى أن القُطرية التي سادت ردحا طويلاً من الزمن تتلاشى، وتقفز معها المشاعر الجامعة، ليراقب ابن اليمن ما يحدث في تونس ويتحلق أبناء الأمة جمعاء لمتابعة ما يجري في مصر، ولترتفع معها المطالبات في التغيير حتى تصل أكراد السليمانية وأربيل.

هوامش
*1ـ نهضة اليابان/ تحرير: ناغاي ميتشيو و ميغال أوروتشيا/ مركز بحوث التجربة الإنمائية اليابانية ـ بيروت/ط1 1993/ صفحة 222
*2ـ مجلة بحوث اقتصادية الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت عدد 38 لسنة 2007.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس