عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-05-2011, 09:11 AM   #122
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

15ـ (إنْ) المخففة المكسورة


إذا خُفّفت (إنَّ) أُهمِلتْ وجوباً، إن ولِيَها فعلٌ، كقوله تعالى: {وإن نَظنكَ لَمِنَ الكاذبين}. فان ولِيَها اسمٌ فالكثيرُ الغالبُ إهمالها، نحو: (إن أنتَ لصادقٌ)، ويَقِلُّ إعمالها، نحو: (إنْ زيداً مُنطلِقٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وإنْ كُلاً لمَا ليوَفينَّهم ربكَ أعمالهم}، في قراءَة من قرأ: (إنْ ولَمَا) مخفّفتينِ.

[لما: هي لام الابتداء، و (ما) زائدة للتوكيد، واللام في (ليوفينهم): هي اللام الموطئة للقسم، دخلت على جوابه، وجملة الجواب سادّة مسّد الخبر]

ومتى خُففت وأُهمِلَت لزمتها اللامُ المفتوحةُ وجوباً، نحو: (إنْ سعيدٌ لمجتهد) تَفرقةً بينها وبين (إنْ) النافيةِ، كيلا يقع اللبسُ. وتُسمّى (اللامَ الفارقةَ). فان أُمِنَ اللَّبس جاز تركُها، كقوله:

أَنا ابنُ أُباةِ الضَّيْمِ منْ آلِ مالِكٌ
وإِنْ مالكٌ كانتْ كِرامَ الْمَعادِنِ
[المعادن: الأصول]

لأن المقامَ هنا مَقامُ مَدح، فيمنعُ أن تكونَ (إنْ نافيةً، وإلا انقلبَ المدحُ ذَماً).


وإذا خُففت لم يَلِها من الأفعال إلا الأفعالُ الناسخةُ لحكم المبتدأ والخبر (أي التي تَنسَخُ حُكمهما من حيثُ الإعرابُ. وهي كانَ وأخواتُها، وكادَ وأخواتُها، وظنَّ وأخواتُها). وحينئذٍ تدخلُ اللامُ الفارقةُ على الجزءِ الذي كان خبراً.

والأكثر أن يكونَ الفعلُ الناسخُ الذي يليها ماضياً، كقوله تعالى: {وإِنْ كانت لكبيرةً إلاّ على الذينَ هدى اللهُ}، وقوله: {قال تاللهِ إن كِدتَ لَتُردِينِ}، وقولهِ: {وإن وجدنا أكثرَهم لَفاسقينَ}. وقد يكونُ مضارعاً كقوله سبحانهُ: {وإن نظنكَ لَمِنَ الكاذبين}.


ودخولُ (إنْ) المخفّفَة على غير ناسخٍ من الأفعال شاذ نادرٌ، فما وردَ منه لا يُقاسُ عليه، كقولهم: (إنْ يَزينُكَ لنَفسُكَ، وإنْ يشينُكَ لهِيَهْ).


16ـ (أنْ) المُخفَّفَةُ المفتوحة


أذا خُفّفت (أن) المفتوحةُ، فمذهبُ سيبويه والكوفيين أنها مُهمَلةٌ لا تعمل شيئاً، لا في ظاهر ولا مُضمر، فهي حرفٌ مصدري كسائر الأحرف المصدرية. وتدخلُ حينئذٍ على الجملِ الاسمية والفعلية. وهذا ما يظهرُ أنه الحقُّ. وهو مذهبٌ لا تكَلُّفَ فيه.


واعلم أنَّ (أنَّ) المخفّفةَ، إن سبقها فعل، فلا بُدَّ أن يكونَ من أفعال اليقينِ أو ما يُنزَّلُ منزلَتها، من كل فعل قلبيٍّ، يُرادُ به الظنُّ الغالبُ الراجح. فالأول كقوله تعالى: {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرْضى}، ومنه قول الشاعر:
إذا مِتُّ فادفنِّي إِلى جَنْبِ كرْمةٍ
تُرَوِّي عظامي بعْد مَوتي عُروقُها

ولا تَدفِنَنِّي في الْفَلاةِ، فإنَّني

أحافُ إِذا ما مِتُّ، أَن لا أذُوقُها

فخوفهُ أن لا يذوقها بعدَ مماته يقينٌ عنده، مُتحققٌ لديهِ. والثاني كقوله تعالى:

{وظنُّوا أنْ لا مَلجأ من اللهِ إِلاّ إليه} وقولهِ: {أيحسَبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ}.

فائدة


(إذا وقعت (أن) الساكنة بعد فعل يفيد العلم واليقين، وجب أن تكون مخففة من (أن) المشددة. وأن يكون المضارع بعدها مرفوعاً، كما رأيت. ولا يجوز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع. وان وقعت بعد فعل يدل على الظن الراجح، جاز أن تكون مخففة من (أن) المشددة فالمضارع بعدها مرفوع، وجاز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع، فهو بعدها منصوب. وقد قريء بالوجهين قوله تعالى: {وحسبوا أن لا تكون فتنة}، بنصب (تكون) على أن (أن) هي الناصبة للمضارع، ورفعه على أنها هي المخففة من (أن) المشددة. وذلك لأن (أن) الناصبة للفعل المضارع تستعمل في مقام الرجاء وللطمع فيما بعدها، فلا يناسبها اليقين، وإنما يناسبها الظن، فلم يجز أن تقع بعد ما يفيد اليقين. و (أن) المخففة هي للتأكيد، فيناسبها اليقين. ولما كان الرجاء والطمع يناسبهما الظن، جاز أن تقع بعده (أن) الناصبة للمضارع المفيدة للرجاء والطمع. وإنما جاز أن تقع (أن) المخففة المفيدة للتأكيد. إذا كان ظناً راجحاً، لأن الظن الراجح يقرب من اليقين فينزل منزلته).

واعلم أنَّ (أن) المخفّفَة لا تدخل إلا على الجمل، عند من يُهملهُا وعند من يُعمِلُها في الضمير المحذوف، إلا ما شذ من دخولها على الضمير البارز في الشعر للضّرورة، وقد علمت أنه نادر مخالفٌ للكثير المسموع من كلام العرب.

والجملةُ بعدها إمَّا اسميَّةٌ، وإما فعليَّة.

فان كانت جملةً اسميَّة أو فعليَّة فعلُها جامدٌ، لم تحتجْ الى فاصل بينها وبين (أنْ) فالاسمية كقوله تعالى: {وآخِرُ دعواهُم أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين}.
والفعليَّةُ، التي فعلُها جامدٌ، كقوله سبحانهُ: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وقولهِ: {وأن عسى أن يكونَ قد اقتَربَ أَجلُهم}.

وإن كانت الجملةُ بعدها فعليّةً، فعلُها متصرّفٌ، فالأحسن والأكثر أن يُفصلَ بينَ (أنْ) والفعلِ بأحدِ خمسة أشياءَ:


أ ـ قد، كقوله تعالى: {ونَعْلَمَ أنْ قد صَدقتَنا

ب ـ حرف التّنفيسِ: (السينُ أو سوف) فالسينُ كقوله تعالى: {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرضى}، وقولِ الشاعر:

زَعَمَ الْفَرزْدَقُ أنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعاً

أَبشِرْ بطول سَلاَمةٍ يا مِرْبَعُ

وسوف، كقول الآخر:


واعلمْ، فَعِلْمُ الْمَرء يَنْفَعُهُ،

أن سَوْفَ يأْتي كُلُّ ما قُدِرا

ج ـ النفي بِلَنْ أو لم أو لا، كقوله تعالى: {أيحسَبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمَعَ عظامَهُ} وقوله: {أيحسَبُ أنْ لم يرَهُ أحَدٌ}، وقولهِ: {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يرجِعُ إليهم قَوْلاً}.


د ـ أداةُ الشرطِ، كقوله تعالى: {وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتُم آياتِ الله يُكفَرُ بها ويُسْتهزأ بها، فلا تَقعُدوا مَعَهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِهِ} وقولهِ: {وأن لوِ استقاموا على الطريقة لأسقيناهُم ماءً غَدَقاً}.


هـ ـ رُبَّ كقول الشاعر:


تَيَقَّنْتُ أَنْ رُبَّ امرئ، خِيلَ خائناً

أَمينٌ، وخَوَّانٍ يُخالُ أَمِينا

17ـ كَأَنْ المُخَفّفة


إذا خفّفت (كأن)، فالحقُّ (على ما نرى) أنها مُهمَلةٌ، لا عمل لها. وعلى هذا الكوفيون. وهو قولٌ لا تكلفَ فيه.


وعلى كلِّ حالٍ فيجبُ أن يكون ما بعدها جملةً، فان كانت اسميّة لم تحتج الى فاصل بينها وبين (كأن) كقوله:


وصَدْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ

كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان

وإن كانت جملةً فعليّة، وجب اقترانُها بأحدِ حرفينِ:


أ ـ قد، كقول الشاعر:


َزفَ التّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنا

لما تزُلْ برحالِنا، وكَأَنْ قَدِ

وقول الآخر:


لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاءُ لظى الحرْ

بِ، فمحذُورُها كَأَنْ قَد أَلَما

ب ـ لم، كقوله تعالى: {كأن لم تَغْنَ بالأمسِ}


18ـ لكن المخففة

إذا حُفّفت (لكنَّ) أهملت وجوباً عند الجميع، ودخلت على الجُمل الاسميّةِ والفعليّة، نحو: (جاء خالدٌ، لكنْ سعيدٌ مسافرٌ. وسافرَ عليٌّ لكنْ جاء خليلٌ)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس