مفتتح
ثمة فجوة واسعة لا يمكن تجاهلها بين القصيدة العربية الحديثة وقارئها ، وربما كانت هذه الفجوة عاملاً أساسيًا من عوامل هذه الأزمة التي يمر بها شعرنا العربي المعاصر أكثر من كونها مظهرًا من مظاهرها .
ولا شك أن قدرًا كبيرًا من مسوؤلية وجود هذه الفجوة يعود إلى القصيدة الحديثة والقارئ كليهما ؛ القصيدة بعوالمها الغريبة وتكنيكاتها الفنية المعقدة التي لا تضع في اعتبارها بالقدر الكافي طبيعة القارئ العربي الذي تتجه إليه ، والتقاليد الشعرية التي نما في ظلها ذوقه ، ومكونات ثقافته بشكل عام ، هذا بالإضافة إلى كثير من النماذج الردئية التي تنسب ظلمًا إلى القصيدة الحديثة وتحسب عليها ، وهي ليست منها ، والتي تتراوح بين قطبي الركاكة والابتذال من ناحية والغموض والإغراب من ناحية أخرى .
أما القارئ فإنه يتحمل نصيبه من المسؤولية بتشبثه بذلك الأنموذج الشعري الذي نشأ عليه ذوقه ونما ، وعدم استعداده لبذل أي جهد جديد في سبيل استيعاب أي نماذج أو أنماط شعرية أخرى لا تخضع خضوعًا صارمًا لتقاليد الأنموذج الشعري الموروث وشروطه . لقد أعرض كلا الطرفين ونأى بجانبه عن الآخر الأمر الذي زاد الفجوة بينهما اتساعًا وعمقًا .