(10)
وبمقدار خصوصية هذا الكيان الجديد وانتمائه إلى الشاعر ترتفع القيمة الفنية للقصيدة ، وبمقدار ابتعاد القصيدة عن أن تكون صورة حرفية للواقع تقترب من مفهوم الحداثة.
فحين نقرأ قصيدة النهر العاشق (8)للشاعرة العراقية نازك الملائكة نحس أن هذا النهر من إبداع الشاعرة ، وأنه نهر خاص بها ، على الرغم من أن القصيدة تدور حول حادثة واقعية هي حادثة الفيضان الذي أغرق بغداد عام 1954 ، ولكن الشاعرة تناولت الحادثة من زاوية خاصة متفردة ،لم يعد النهار من خلالها مجرد نهر عات مدمر يغرق طوفانه المدينة ، وإ‘نما أصبح عاشقًا حانيًا ومحمومًا في الوقت ذاته ، يحتضن المدينة بحبه العارم المدمر . تقول نازك :
أين نمضي ؟ إنه يعدو إلينا
راكضًا عبر حقول القمح ، لا يلوي خطاه
باسطًا في لمعة الفجر ذراعيه إلينا
طافرًا كالريح ..نشوان ..يداه
سوف تلقانا ، وتطوي رعبنا أنى مشينا
***
إنه يعدو .. ويعدو
وهو يجتاز بلا صوت قرانا
ماؤه البني يجتاح ، ولا يلويه سد
إنه يتبعنا لهفان أن يطوي صبانا
في ذراعيه ، ويسقينا الحنانا
***
لم يزل يتبعنا ..متبسمًا بسمة حب
قدمان الرطبتان
تركت آثارها الحمراء في كل مكان
إنه قد عاث في ش رق وغرب
في حنان
أين نعدو ؟ وهو قد لف يديه
حول أكتاف المدينة
إنه يعمل في بطء وحزم وسكينة
ساكبًا من شفتيته
قٌبَلاً طينية ..غطت مراعينا الحزينة.. ..
_______________
(8)ناازك الملائكة :شجرة القمر .دار العلم للملايين .بيروت .ومكتبة النهضة .بغداد 1968 ص135