عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-06-2011, 03:46 PM   #2
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

عقيدة الولاء والبراء في الإسلام

قد نهى الله سبحانه وتعالى عن موالاة أعدائه من اليهود والنصارى والمشركين في مواضع كثيرة من القرآن وأخبر أن موالاتهم تنافي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وأنها سبب للفتنة والفساد في الأرض وأن من والاهم ووادهم فليس من الله في شيء وأنه من الظالمين الضالين عن سواء السبيل وأنه مستوجب لسخط الله وأليم عقابه في الآخرة والآيات في هذا كثيرة .

الأولى منها : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق } إلى قوله تعالى : { تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } ثم حث تعالى عباده المؤمنين على متابعة خليله إبراهيم والتأسي به وبمن آمن معه في معاداة أعداء الله تعالى والتبري منهم ومما يعبدون من دون الله تعالى وإظهار العداوة لهم والبغضاء ما داموا على الكفر بالله فقال الله تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } ومن لم يتأسى بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في معاداة أعداء الله تعالى وإظهار العداوة والبغضاء لهم ، فله من سفه النفس بقدر ما ترك من ملة إبراهيم الخليل ، كما قال تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } .

الآية الثانية : قوله تعالى : { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } .

الآية الثالثة : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } .

الآية الرابعة : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ثم حذر تبارك وتعالى من موالاتهم بأبلغ التحذير وتوعد على ذلك بأشد الوعيد فقال تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } قال بعض المفسرين : " فيه زجر شديد عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة " وأقل الأحوال في هذه الآية أنها تقضي تحريم موالاة أعداء الله تعالى وإن كان ظاهرها يقتضي كفر من تولاهم ولهذا روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : " ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا هذه الآية " وروى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : " قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر . قال : فظنناه يريد هذه الآية " .

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال : مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } ألا اتخذت حنيفا ؟ ( يعني مسلماً ) قال : قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال : لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أقصاهم الله " .

وورد على عمر رضي الله عنه كتاب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : " أما بعد يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتبا نصرانيا لا يتم أمر الخراج إلا به فكرهت أن أقلده دون أمرك . فكتب إليه : عافانا الله وإياك قرأت كتابك في أمر النصراني أما بعد : فإن النصراني قد مات والسلام " يعني أن هذا النصراني قدّر أنه مات فما كان معاوية سيفعل بعد موته فليفعل الآن وهذا أمر من عمر - رضي الله عنه - لمعاوية - رضي الله عنه - بإبعاد النصراني وتولية غيره من المسلمين مكانه من غير مراجعة وإخبار له بأن المسلمين في غنية عن النصارى واليهود .

وفي قول عمر رضي الله عنه دليل على أنه لا يجوز للمسلمين أن يولوا في أعمالهم أحداً من أعداء الله تعالى لأن في ذلك طريق لتجسسهم على المسلمين وإكراماً لهم وإعزازاً وهو خلاف ما شرعه الله من إهانتهم وإذلالهم وإقصائهم والتاريخ شاهد على خيانتهم للمسلمين قديماً وحديثاً كما حدث مؤخراً للحكومة السودانية مع قرنق النصراني الذي انشق عن الحكومة وأفسد البلد .

الآية الخامسة : قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } وهذا نهي من الله عن موالاة أعدائه من أهل الكتاب وغيرهم من سائر المشركين وإخباراً منه تعالى بأن موالاتهم تنافي الإيمان ، ولهذا قال تعالى : { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } قال إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية : " لا تتخذوهم أيها المؤمنون أنصاراً وإخواناً وحلفاء فإنهم لا يألونكم خبالا وإن أظهروا لكم مودة وصداقة " .

الآية السادسة : قوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره : " ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم وقوله : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } أي حجة عليكم في عقوبته إياكم " .

وقال أبو جعفر بن جرير الطبري يقول : " لا تعرّضوا لغضب الله بإيجابكم الحجة على أنفسكم في تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالاة أعدائه وأهل الكفر به " .

الآية السابعة : قوله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } وهذا وتهديد شديد عن موالاة أعداء الله تعالى وموادتهم ، فينبغي للمسلم أن يحذر أشد الحذر من أن يكون من الذين يحسبون أنهم على شيء وهو من الخاسرين الذين ليسوا من الله في شيء والعياذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه . قال المناوي في " شرح الجامع الصغير " له : " الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفر " وقال الزمخشري : " وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان " .

ولقد أحسن العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - حيث قال في نونيته المشهورة :

أتحب أعداء الحبيب وتدعي ***** حباً له ما ذاك في إمكانِ

وكذا تعادي جاهداً أحبابه ***** أين المحبة يا أخا الشيطانِ

وثم قال تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال البغوي - رحمه الله - في تفسيره معنى الآية : " أن الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم ، إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً أو يظهر الكفار على عورة المسلمين والتقية لا تكون إلاّ مع خوف القتل وسلامة النية ، قال الله تعالى : { إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ثم هذه رخصة فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم " وروى أبو نعيم في كتاب " الحلية " عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قيل له : " ما التقاة ؟ ، قال : أن يخاف جباراً عنيداً أن يفرط عليه أو أن يطغى " .

وقال ابن القيم - رحمه الله – : " معلوم أن التقاة ليست بموالاة ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم ، والبراءة منهم ، ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية وليست التقية موالاة لهم " .


جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس