وغالبا ما تكون الإعتبارات الشخصية لها الأثر الرئيس في رسم السياسات ، أو إصدار الأوامـر ، والقرارات ، بما فيهـا من المزاجية ، أوالمجاملة ، أوالخلافات ، أو تقديـم العلاقات الشخصية ، أوالعاطفة كعاطفة الانتقام ، أو التشفـّي ، أوالعناد ، أوالكبـر ، والطغيـان لمجرد الطغيان ، لمجرد إشباع نزعة النفس الفرعونية !
هل يعقـل هـذا ؟!! وفي هذا العصـر الذي يطور جميـع البشر من بني آدم حولنـا فيـه حياتهم لتحقيق مصالحهم العامـة !
هـل يعقـل في هذا الزمـان ، أنك إذا سألت _ قبل الثورات التي يُمكـر به الآن لإجهاضهـا _ المواطنَ العربيَّ هل يشعر بالإنتماء إلى السلطة ، وأنها تنتمي إليه ، وأنه يعيش وإياهـا في إنسجام ، وتوافـق تـام ، أم هـو يشعـر بالغربـة عنها ، وغالب إحاسيسه تجاهها هو الخـوف منها ، فإنّ أوّل ما يُطـرح عليه هذا السؤال ، ينتقل تلقائيـا إلى حيـّز الخوف ، والتحرُّك الذاتي لإنقاذ النفس ، أو إحرازها من الخطر الوشيك !!!
ولسـت أعني هنا المواطن العادي فحسب ، بل حتى النخب الفكرية ،
إنها _ والله _ حالـة كونيـّة عجيـبة لم يُشهـد مثلها في تاريخ أمـتنا ، قـد عمـَّت ، وطمَّت ، حتى جعلـت الأمـّة في شبه شللٍ تام ، قبل أن تندلـع ثورة تونس ، فتونس الأمـّة بها حركـةً في جسدها المشلول ، ونفخـةً في روحها الخامـدة ، ثم سـرت كالنار في الهشيـم ، وستمضـي _ بإذن الله _ حتى تأتـي على آخـر زعيـم !
نعـم ذلك كان حالنـا ، قبل هذه الثورات المباركة ،
وهـل يعقـل أنه بينما الدول التي تحترم مبادىء السياسة الحكيمة ، تتباهى بكثرة الخبراء الذين يحيطون بالقيادات السياسية ، من مفكرين ، وصحفيين ، وغيرهم ، حتى تُصرف ميزانية ضخمـة لكلّ عضو في البرلمان _ فضلا عن السلطة التنفيذية _ ليكون تحت تصرفه جهاز فني كامل من الخبراء الأذكيـاء .
وكان الرؤساء الحاذقـون يحيطون أنفسهم بمستشارين يخالفون آراءَهـم ، ويجانبـون فلسفاتهـم ، لئلا يكون السياسي كناظـرٍ في مرآة واحدة ، بـل كناظـرٍ في مرايا متعددة ليرى الحالة السياسيـة من جميع جوانبها.
وذلك بعد أن توصلت النُظـُم السياسية المتطـوَّرة ، إلـى أنّ دور السياسي مع دور المفكـّر ، يجب أن يتكاملا بحـيث تكون العلاقة صحيـّة بين الطرفين :
وأعنـي طرف السلطة السياسية التي _ من المفترض _ أن تتمتـَّع بموهبة عاليـة تجعلهـا قادرة على إدارة الأحداث ، والأزمات ، بحسّ سياسيّ ، وإجتماعيّ ، يجمع بين المهارة ، والأخلاقية التي تأطـرُه أطـراً على تغليب المصلحة العامة للأمـّة ، على مصالحها الشخصيـة .
وطرف المفكـّر ، وهو ذلك الذي له قدرة على التفكير بما يعرض للساسة من أزمـات ، وهـو في منأى عن ملاحقة الأحداث ، وضغوطها السياسية ، والإجتماعية ، بمعنى آخـر يراها بعين الحقيقة المجرَّدة ، ثـم يضع السلطة في هذه الرؤية ، لتكون القرارات السياسية لاسيما ذات العلاقة بمصير الأمة في أقـرب نقطة لتحقيق أهداف الأمـّة ، وتوفيـر مصالحها .
بينما النظم السياسية العصريـّة تعمل بهذه الآليـّات المتطـورة ،
لازالت الأنظمة العربية ، تعمل بنظام ( خصيان السلطة ) !!
هـل يعقـل هذا ؟!!
وبعـد ... فالحـق الذي لاريـب فيه ، إنه لن تعاد الأمـور إلى نصابها حتى نعيد مبدأ ( شرعية السلطة ) ، كما هي في أمّـتنا ، ونعنـي بها أن تولـد السلطة من رحـم الأمـّة مباشرة ، والأمـّة تسلّمها آلة الدولة ، وتراقبـها رقابة صارمـة ، لتستعملها في تحقيق مصالح الأمة العامـة ، ورسالتها الحضارية العالمية .
وبهـذا وحــدهُ ، يأتي الانسجام بيـن الحاكـم والمحكــوم ، بحيث يصبـح للحاكـم :
قوّة النفـوذ لأنـه متولّد أصـلا من رحم أحلام أمـّته ، وآمالها ، وأهدافها
لا نفـوذ القـوّة التي بها يخيف الأمـّة ، ويُذلهّـا ، ويخضعـها له وللأجنبـي .
وقـوّة النـفوذ هذه يستمدّها من كونـه جاء من الأمّـة ، فهي التي وضعتـه في منصـبه ، وهي التي إن شاءت عزلـته عنـه .
وبهذا نحـلّ جميع مشكلاتنا ، ومنها مشكلة معتقلي الرأي الآخذة بالتفاقـم في دول الخليج ، وفي بعضهـا تجاوزت حدود المعقول ، ودخلت في دائرة الحماقات السياسية التي تضـرّ بها السلطة نفسها ، وتعجِّـل بالإنفجـار الشعبي ضدها وهي لاتشعـر بما ( تجنـي على نفسها براقش ) !
في جنـون أشبه بـ ( المكارثية ) الأمريكية ، ذلك ( العَـتَه الشيخوخي ) الذي كان من آثاره المدمـرة العمى الأمريكي عن حماقة قرار الحرب الفيتنامية ، فأوقع الإدارة الأمريكية في أكثـر قرار (كارثيـةً ، ومأساويةً ) في تاريخ أمريكـا .
إذ هذه المشكلـة .. أعني مشكلة معتقلي الرأي _ كغيـرها _ هـي من روائح العَفَـن ، المنبعـث من مستنقع الثالوث العفِـِِن أعنـي حالة فقـدان : ( العـدالة ، والكرامة ، والحقوق ) في أنظمـة الحكم العربية .
حيث الزعيم يحيط نفسه بالخصيان ، الذين يزيّنـون له ما هـو مريضٌ بـه ، من نزعة الكبـر ، والطغيـان ، ضـدّ كـلّ ناصـح يريـد الإصلاح ،
ولسان الخصيـان واحـد :
( إي نعـم جِـرَّه من رجله طال عمرك ) ، ليكون عبـرةً لغيره !!!
وهكـذا تمتلـئ السجون بالمفكرين الشرفاء ، الغيـورين على أمّتهـم ، الباذلين التضحيات العظيـمة ، لإصلاح أحوالها ، وإرجـاع عزّتهـا ، تحـت طائلـة الإتهـام ( بالمكارثية ) !!
وحقيقتهم أنهم يريدون وضـع حـدّ لتدهور المجتمع ، بإيقاف الإستبداد عند حـدّه ، قبـل أن يغـرق الجميع في تداعياته الكارثـية .
وهذا يعني أيضا أنّ الحـل في الثورة ، ولانعني هنا الانقلاب ، بل الثورة الشعبية ،
والفرق بينهما _ رغم كون الثورة والانقلاب كلاهمـا يأخذ السلطـة _ أنَّ الثورة الشعبيـّة تحدث تغييـراً ثقافيـا في المجتمع تجعله ينصب سلطة تأخذ شرعيتها منـه ، والإنقـلاب يغتصب السلطة فحسب ، وقـد يصبـح بعد ذلك أسـوء مما مضى .