6ـ ستُظهر المقارنة بين إنجازات المشروع الإسلامي المتوقّعـة ، وبين ما سبقه من أنظمة حكم وصلت إلى الحضيض الأدنى ، ستُظهـر القليل من المشروع الإسلامي كثيراً ، والصغيـر كبيراً ، فمن حسن حـظِّ المشروع الإسلامي أنه جاء بعد أسوء أنظمة حكم عرفتها الأمّة ، ليحمده الناس بعد تلك الظلمات ، حتى على الإنجازات المتواضعة.
7ـ يتوافق صعود المشروع الإسلامي مع تقهقر السطوة الغربية ، وضعـف قواها ، ووهـن يفت في إرادتها ، بعد عقد من الإنهاك في حروب فاشلة ، أثمرت أزمة إقتصادية خانقة ، وذلك من أهم أسباب السقوط السريع للأنظمة الموالية للغرب.
فهذه السـبع ، تحُسـب في صالح المشروع الإسلامـي .
أما التحديـّات التي سيواجهها ، وستعيقـُهُ ، فهـي أيضا سبـع :
1ـ الضغوط الغربية التي سترهقه بالملاحقة ، والإنتقـاد ، والتهديد ، بغيـة أن يتحوّل إلى مجرد إمتداد لما مضى ، ومجـرد آلة حكـم جديدة تحقق أهداف الغرب في المنطقة ، ولكن بـ(ديكـور إسلامي ) هذه المـرّة ،
لاسيما في القضايا الإستراتيجية ، والملفات الكبرى ، كالقضية الفلسطينية.
أو تصيّد الغرب له ، وتعقّـب كلّ ما سيفعل ، وتضخيـم أخطائه ، ليثبت ما كان دائما يقوله : إسلامكم سبب تخلّفكم !
ومن أعظـم وسائـل الغـرب للضغـط ، أنّه كان قـد ربط الأنظمة السابقة به ، برشاوى بالملايين يرشي بها الجيش ، والمافيات المحيطة بالنظام ، لتبقى قبضة النظام على الدولة قوية ، ولاريب لن يدّخـر وسعا في استخدام هذه الوسيلة ضد الإسلاميين ، كلّما احتاجها.
2 ـ إتساع رقعة الفساد الذي خلفته الأنظمة السابقة ، وهذا ما سيجعل مسؤولية الإصلاح مرهقة ، ومكلفـة ، وتحتاج إلى زمن طويل ، لتظهر نتائجها ، ومن أعظم مظاهر الفساد تلك ، ربط إقتصاد الدولة بمساعدات خارجية ، تقف وراءها دول ذات مصالح ، تتناقض وأهداف المشروع الإسلامي.
3ـ أنّ منافسيه الداخليين من العلمانييّن ، وفلول الأنظمة السابقة ، لن يدخروا أيّ فرصة للتخريب ، وتحريض الغرب ، والشعب عليه ، وهم الذين لايرقبون في الإسلاميين إلاَّ ، ولاَ ذمّـة .
4 ـ قلـَّة الرموز التي تجمع بين الوعي السياسي المعاصر ، والعمق في الفكر الإسلامي ، والقدرة على إبداع الحلول العصرية .
5ـ قلة الدُّربة على إدارة الحكم ، وسياسة الشعوب ، لاسيما في ضوء شـدّة معاناة الشعوب في الحقبة الماضية ، وعلى إثـرِ تراكمـات من فساد ضارب بجذوره في جميع مناحي الحياة !
6 ـ الخلافات الإسلامية _ الإسلامية ، وذلك التناحـر ، الذي لم يزل هو السبب الرئيس في تقهقـر المشروع الإسلامي .
7 ـ ذلك الإرتباك الذي لايزال في عقول كثير من أبناء المشروع الإسلامي _ وهم القاعدة التي تشكل العمود الفقري لنجاحه في الإنتخابات _ في فهم العلاقة بين الفكر السياسي الإسلامي ، ومبادىء إنسانية صحيحة توصل إليها الغرب بعد صراع طويـل _ أشرنا إليها في أول هذا المقال _ بسبب أنّ الغـرب يجعـل هذه المبادىء الحقـّة تحت إسـم ( الديمقراطية ) ، ويصـر أن يجعلها مقترنـة بديمقراطيته هو ، التي تعزز ثقافته فحسـب ، لجعل ثقافته بديـلا ، وفرضها على الشعوب ، في صـورة ( إحتلال ثقافي ) !
وكذلك الإرتباك وسوء الفهم للعلاقة بين المجتمع المطيع لوليّ الأمـر الحاكم بالشريعة الإسلامية ، وفكرة المجـتمع المدني ، بمؤسساته التي تمتلك من وسائل التغيير الشعبية الواسعـة ، مايجعلها تزاحم السلطة الرسمية في القوة، بل تجعلها هي السلطـة .
وأيضا في فهـم أنّ طبيعة المشروع الإسلامي في ضوء التعقيدات العصريـّة ، تجعل من المستحيـل عليه أن يتوصل إلى أهدافه العليا إلاّ عبر مراحل ، بما تقتضيه كلُّ مرحلة ، من شعارات ، ووسائل ، وسياسات ، تخصُّها ، ليس فيها أنْ (نعطي الدنية في ديننا) _ كما يظـنُّ الظـانّ كظنّ بعض الصحابة في الحدييبية ! _ بل إحسان السياسة بحكمـة للتوصـُّل إلى تمكين ديننا ، كما اهتدى إليه قائدُ هذه الأمّة العظيمة ، في ذلك الموقف العظيـم .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ جماع سياسة التمرحل هذه : تقديم المصالح الراجحة على المفسدة المرجوحة ، ودفع الضرر الأكبر ، ولو بإرتكاب الأدنى ، والتضحية بتأجيـل الجزئيات في سبيل تقديم تحقيق الكليـّات ، والأهداف العظمـى .
وإذا أردنا للمشروع الإسلامي أفضـل شعار للمرحلة :
فهو التركيز على توفير ما ثارت الشعـوب من أجله ، ولكن في قالـب الإسلام ، وتأجيـل ما سواه إلى مراحـل لاحقـة .
وأهـم ما يجب أن نبثـُّهُ في المشروع الإسلامي :
1ـ روح التوكّل على الله تعالى ، ونيّة الإنتصار لدينه ، وإعلاء كلمته .
2ـ روح الأخوّة الإسلامية .
3ـ روح التفاؤل بالغد المشرق بإذن الله تعالى.
نقول هذا من باب التحريض على التزوّد للطريـق ، الذي سيكون طويلا ، وشاقا ، ومن باب التنبيه على وعثائه ،
وإلاّ ..فلاريب أنّ عنوان المرحلة القادمـة ، هو تسيّد المشروع الإسلامي المشهد السياسي ،
وإنطـلاق حضارتنا المشرقة في طريـق الوحدة الشاملة ، والخلافة الراشـدة بإذن الله تعالـى .
وقد حدث لأمـّتنا هذا ، بمـا بارك الله في الأمـّة ، وما قذفه في قلوب أبنائهـا ، من الخيـر ، والعـزم ، والصبـر ، حتى ثارت هذه الثورة المباركة ، ورغماً عن أنف الغرب ، وعلى كراهية منه ، وبعد فقدانه المبادرة ، وتراجعه عن السيطرة ، بحمد الله تعالى ، وهذا مما يبعث على التفاؤل أنّ الله تعالى سيجعل بعـد هذه الثـورات _ بإذن الله _ حقبة جديدة ، يعـزُّ الله فيها الإسلام وأهله ، ويرفع فيها كلمتهم ، ويمنُّ عليهم بالتمكـين ، ولو بعد حين .
والله الموفق ..وهو حسبنا .. عليه توكلنا . وعليه فليتوكّل المتوكّـلون