سبحان من سخر لنا هذا :
بين الله أن الله هو الذى خلق الأزواج كلها والمراد الذى أنشأ أفراد الأنواع كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون والمراد وخلق لكم من السفن والأنعام ما تستوون عليه وهذا يعنى أن بعض الأنعام هى التى تركب لكبر حجمها وهى الإبل والبقر أحيانا والسبب فى خلقها أن يستوى الناس على ظهورها والمراد أن يركب الناس على سطوحها ويتذكروا نعمة الرب إذا استووا عليها والمراد ويعلموا رحمة الله بهم إذا ركبوا على سطوحها حيث توفر المشقة والتعب وتقولوا :سبحان الذى سخر لنا هذا والمراد الطاعة لحكم الله الذى خلق لنا هذه الأشياء وما كنا له مقرنين أى خالقين والمراد مصلحين مهيئين لنفعنا ،وإنا إلى ربنا لمنقبلون أى وإنا إلى جزاء خالقنا عائدون فى المستقبل وهذا يعنى وجوب قولنا عند ركوب الفلك أو الأنعام سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وفى هذا قال تعالى بسورة الزخرف:
"والذى خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"
تسخير الريح الصرصر:
بين الله لنبيه (ص)أن عاد أهلكوا بريح صرصر عاتية والمراد دمروا بهواء مؤذى عاصف سخرها والمراد سلطها الله عليهم مدة قدرها سبع ليال وثمانية أيام حسوما أى متتابعة فترى القوم فيها صرعى والمراد فتشاهد الكفار فيها موتى أى راقدين كأنهم جذور نخل خالية أى يشبهون جذور نخل خالية والمراد أن العظام ليس بها لحم شبه الجذر الخالى إلا من جوانبه ويسأله فهل ترى لهم من باقية والمراد فهل تعلم منهم من حى ؟والغرض من السؤال إخباره بهلاك الكل بدليل عدم وجود حى واحد منهم وفى هذا قال تعالى بسورة الحاقة :
"وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى من باقية"
السخرية من المؤمنين :
قال تعالى بسورة البقرة :
" ويسخرون من الذين أمنوا"وفسره بقوله تعالى بسورة المطففين"إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون"فالسخرية هى الضحك على المؤمنين والمعنى ويضحكون على الذين صدقوا بوحى الله "فهنا بين الله أن الكفار يسخرون أى يستهزئون أى يضحكون على المسلمين بكل الطرق
نزول العذاب بالذين سخروا منه :
وضح الله أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قبل وجوده فى الحياة قد استهزىء بهم أى سخر منهم أى كذب برسالاتهم مصداق لقوله بسورة ص"إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب"فكانت النتيجة أن حاق بهم ما كانوا يستهزءون والمراد أن أصاب الكفار الذى كانوا به يكذبون وهو العقاب كما بآية سورة ص وفى هذا قال تعالى بسورة الأنعام:
"ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا ما كانوا به يستهزءون"
السخرية من المطوعين :
بين الله أن المنافقين هم الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم والمراد هم الذين يذمون أى يعيبون على المتبرعين من المصدقين بحكم الله بالأموال للجهاد ويعيبون على الذين لا يلقون سوى عملهم بأنفسهم دون دفع مال لحاجتهم وفسر الله يلمزون بأنهم يسخرون منهم أى يستهزءون أى يضحكون عليهم مصداق لقوله بسورة المطففين"إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون"فلا هم يعجبهم الدافع أو الذى لا يدفع والله سخر منهم أى استهزى بالمنافقين أى عاقبهم وفسر هذا بأن لهم عذاب أليم أى عقاب مهين وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة :
"الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم"
سخرية قوم نوح(ص) ورد نوح (ص) عليها :
وضح الله أن نوح(ص)كان يصنع الفلك والمراد يشيد السفينة وشيد نوح(ص)السفينة وكلما مر عليه ملأ من قومه والمراد وكلما فات عليه جمع من كفار شعبه سخروا منه أى استهزءوا به أى ضحكوا عليه فيقول لهم إن تسخروا منا والمراد إن تستهزءوا بنا أى تضحكوا علينا الآن فإنا نسخر منكم كما تسخرون والمراد فإنا نستهزىء بكم كما استهزءتم بنا والمراد فإنا نضحك عليكم كما ضحكتم علينا فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه والمراد فسوف تعرفون من ينزل به عقاب يذله وفى هذا قال تعالى بسورة هود :
"ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه"
السخرية من الرسل(ص):
وضح الله أن الرسل (ص)من قبله قد استهزىء أى سخر منهم والمراد كذبوهم فكانت النتيجة أن حاق بالذين سخروا ما كانوا يستهزءون والمراد أن نزل بالذين كذبوا الحق الذى كانوا به يكذبون وهو العذاب أى أصاب الذين استهزءوا منهم سيئات وهو إيذاءات هى العذاب وفى هذا قال تعالى بسورة الأنعام :
"ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا يستهزءون"
سخرية الكفار من المؤمنين :
بين الله أنه قال للكفار على لسان الملائكة اخسؤا فيها أى أقيموا في النار بلا خروج منها ولا تكلمون أى ولا تتحدثون أى ولا تنادون طالبين الرحمة ،إنه كان فريق من عبادى والمراد أنه كان جماعة من خلقى يقولون ربنا آمنا أى صدقنا بالوحى فاغفر لنا أى ارحمنا أى انفعنا أى أدخلنا الجنة وأنت خير الراحمين أى وأنت أحسن النافعين أى أنت أرحم الراحمين مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأنت أرحم الراحمين " فاتخذتموهم سخريا والمراد فجعلتموهم أضحوكة حتى أنسوكم ذكرى والمراد حتى أتركوكم طاعة حكمى أى كنتم منهم تضحكون أى تستهزءون إنى جزيتهم اليوم بما صبروا والمراد إنى رحمتهم اليوم بالذى أطاعوا وفى هذا قال تعالى بسورة الحج :
"قال اخسؤا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى"
السخرية من الآيات :
وضح الله لنبيه (ص)أنه عجب والمراد أن الرسول (ص)استغرب أى اندهش بسبب تكذيب الكفار الذى يسخرون أى يستهزءون بالله ورسوله (ص)وآياته وفسر هذا بأنهم إذا ذكروا لا يتذكرون أى إذا أبلغوا الوحى لا يطيعون الوحى وفسر هذا بأنهم إذا رأوا آية يستسخرون والمراد إذا علموا حكم يكذبون به أى يعرضون ويقولوا إن هذا إلا سحر مبين أى مكر عظيم وفى هذا قال تعالى بسورة الصافات :
"بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون"
الكفار لا يرون من سخروا منهم فى النار :
بين الله أن الكفار المتأخرين فى الدخول قالوا ربنا من قدم لنا هذه والمراد خالقنا من كان سببا فى دخولنا النار فزده عذابا ضعفا فى النار والمراد فأعطه عقابا زائدا فى جهنم وهذا يعنى أنهم يطلبون عقاب زائد للسابقين لإعتقادهم أنهم السبب فى دخولهم النار وهو قول خاطىء وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار والمراد ما السبب الذى يجعلنا لا نشاهد ناسا كنا نعتبرهم من الكفار ؟والغرض من القول هو أنهم كانوا يعتقدون بدخول المسلمين النار لأنهم كانوا فى نظرهم أشرار وقالوا اتخذناهم سخريا أى أجعلناهم أهزوءة أم زاغت عنهم الأبصار أى ضلت عنهم العيون وهذا يعنى أنهم لا يعرفون السبب فهل سبب عدم وجودهم هو سخريتهم منهم أو أن عيونهم لا تبصرهم لبعدهم عنهم فى النار وهذا دليل حيرتهم وفى هذا قال تعالى بسورة ص:
قالوا ربنا من قدم لنا هذه فزده عذابا ضعفا فى النار وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار "
الدرجات تسبب السخرية :
سأل الله أهم يقسمون رحمة ربك والمراد هل هم يوزعون خير إلهك؟والغرض من السؤال هو إخباره أن الكفار لا يوزعون رحمة الله بأهوائهم ،وبين له أن الله قسم بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا والمراد أن الله وزع بينهم رزقهم فى المعيشة الأولى وفسر هذا بأنه رفع بعضهم فوق بعض درجات والمراد وزاد بعضهم على بعض فى مقدار العطايا والسبب أن يتخذ بعضهم بعضا سخريا والمراد أن يجعل بعضهم بعضا أضحوكة أى أهزوءة وفى هذا قال تعالى بسورة الزخرف :
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا"
حرمة السخرية من الرجال والنساء :
خاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول لا يسخر قوم من قوم والمراد لا يستهزىء ذكور من ذكور عسى أن يكونوا خيرا منهم أى عسى أن يكونوا أفضل أى أحسن منهم ولا تسخر نساء من نساء والمراد ولا تستهزىء إناث من إناث عسى أن يكن خيرا منهن أى عسى أن يكن أفضل منهن وهذا يعنى أن سبب تحريم السخرية هو أن المسبوبين قد يكونون أفضل عند الله من السابين وفى هذا قال تعالى بسورة الحجرات:
"يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"
|