على صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه ما تمنى الأعمى في مصيبته قالوا وما تمنى الأعمى في مصيبته مثل قال أنطونس زعموا أن تاجرا دفن مئة دينار في موضع فبصر بها جار له فأخرجها فلما فقدها التاجر جزع جزعا شديدا ثم طال به العمر حتى عمي واحتاج حاجة شديدة فلما حضرت جاره الوفاة تخوف الحساب فأوصى أن ترد المئة دينار إلى الأعمى فردت عليه وأخبروه بالقصة فسر الأعمى سرورا لم يسر بمثله قط وقال الحمد لله الذي ردها علي أحوج ما كنت إليها فيا ليت كل مال كان لي يومئذ قبض عني ثم رد علي اليوم
فينبغي لمن عرف أن له عملا صالحا أن يوقن أنه سيلقاه يوم يحتاج إليه ولقد عجبت لنفاد عقولهم كيف لا يعملون بما يعلمون كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب المسيل قالوا وكيف كان ذلك مثل قال أنطونس زعموا أن رجلا نزل بطن مسيل فقيل له تحول عن هذا المنزل فإنه منزل خطر فقال قد عملت ولكن يعجبني نزهته ومرافقه فقيل له إنما تطلب الرفق لصلاح نفسك فلا تخاطر بها قال ما أريد التحول عن منزلي فغشيه السيل وهو نائم فذهب به فقال الناس أبعده الله وهم على مثل حاله كأنهم يعملون على قول صاحب الدهر الدين قالوا أن نشؤ ونبيد والهالك منا لا يعود مثل قال أنطونس فلو أخذنا بالحزم كنا كصاحب أفرولية قيل وكيف كان ذلك قال بعث ملك أسقولية بعثا إلى أفرولية وكان المسير إليها في البحر ستين ليلة لا يجدون من الزاد والماء إلا ما حملوه معهم وكان مع صاحب أسقولية كاهنان فقال أحدهما أما إن هذا الجيش سيقيمون على أفرولية سبعة أيام يرمونها بالمجانيق وتفتح في اليوم الثامن قال الآخر لا بل يقيمون سبعة وينصرفون في اليوم الثامن فلما سمع أصحاب البعث قولهما قالوا ما ندري للبدأة نحمل الزاد أم للبدأة والرجعة قال قوم منهم نقبل قول الكاهن الذي قال بفتحها في اليوم الثامن ولا نعني أنفسنا بحمل ثقيل الزاد وقال الفوج الآخر إنما هي أنفسنا لا نخاطر بها فحملوا الزاد للبدأة والرجعة ثم ساروا حتى انتهوا إلى أفرولية وقد أخذوا بالحزم وتحرزوا دونهم بحصن دون حصن فأقاموا عليها سبعة أيام بالمجانيق ففتحوا حائطها الظاهر فناهضوهم فلما دخلوا الثغرة إذا لها قصبة أخرى حصينة فلم ينتفعوا بدخول الحائط الأول وجاءهم بريد في اليوم الثامن أن ملكهم قد مات فانصرفوا راجعين فهلك ممن فرط في ا لزاد سبعون ألفا فصاروا مثلا وكذلك يهلك من فرط في عمل الآخرة وينجو من تزود لها وتحرز من بوائقها كما تحرز أهل أفرولية وكما نجى من تزود من أهل اسقولية للرجعة قال النفر الستة لأنطونس ما أحسن قولك وأبلغ موعظتك قال لهم أما إن حلاوة عظتي لا تجاوز آذانكم إن لم تعملوا بها ألم تعلموا أن فيما جاء به موسى في الناموس وفيما جاء ابن داود من الزبور والمسيح في الإنجيل وفي كتب جميع الأنبياء إنما تجزون بما كنتم تعملون والثواب لمن عمل يعطى بقدر عمله والأجير ينبغي له أن يعرف ما يصير إليه عند رب أجره فانظروا في أعمالكم ثم اقضوا على أنفسكم يتبين لكم ما لكم وما عليكم وانصرفوا عني راشدين
فانصرفوا عنه فاقترعوا بينهم وملكوا أحدهم ورضوا به
حكاية أنطونس بالقطع لا أصل لها فهى مؤلفة متخيلة فالرجل عاش فى زمان سابق منذ قرون قبل النبى(ص) ومع هذا يذكر المسلم وكتابه فى قوله :
"قال اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما في كتابه منهم"
كما أن هناك أمور فى الحكاية تدل على الجهل بوحى الله منها:
- قوله"تفكرت في هلاك العالم فإذا ذاك من قبل أربعة أشياء جعلت فيهن اللذات وهي أبواب مركبة في الجسد ومنها ثلاثة في الرأس وواحد في البطن فأما أبواب الرأس فالعينان والمنخران والحنك وأما باب البطن فلم أجد لهما شيئا أفضل من العزلة عن الناس "
الخطأ فيه أن أبواب اللذة العينان والمنخران والحنك والبطن ونسى من أبواب اللذة الفرج واليد
والخطأ الأخر الانعزال عن الناس وهو ما يتناقض مع قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى"
- قوله"وكان ما بغض إلي منزلي الذي كنت فيه فكرت في مقامي مع من لا يعقل إلا أمر دنياه فاستوحشت من المقام بين ظهرانيهم فتنحيت عنهم إلى هذا المنزل فقطعت عني أبواب الخطيئة"
والخطأ أن البعد عن الناس يقطع أبواب الخطيئة وهو كلام غريب لأنه الإنسان مثلا لا يعيش بدون الأكل كما أن التخيلات والتصورات تأتيه دون نظر أو شم أو أكل ومن ثم يمكن أن يستمنى أو يجامع حيوانا أو حجرا أو غير هذا
-قوله:" اللذات المال والبنون والأزواج والسلطان "
الخطأ أنه نسى شهوة الأكل أى الشهوة الطعامية
-قوله"زعموا أنه كان في دار رجل من الناس حية ساكنة في جحر قد عرفوا مكانها وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب "
فهنا الرجل يجعل الكذب مثالا مفيدا وهو بيض الحية بيضة ذهب فهو كلام ألفه المتخيلون
-قوله"قال يا أبتي إنما دعاك إلى هذا قول المنجم وأنا أرجو أن يكون قد أصاب في الغنى"
الخطأ هنا أنه يضرب مثلا بما حرم الله حيث يصدق المنجم وقد كذب المنجمون فيما قالوا ويقولون وما سيقولون فلا يعلم الغيب إلا الله
-قوله نقلا ضارب المثل"قال ديني دينكما قالا فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني قال اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما في كتابه منهم"
فلم يكن فى زمانهم مسلمون حتى يضرب المثل كما أنه لا يطلق على من لم يعمل بما فى الكتاب مسلم وإنما كافر
-قوله" إنما كانت خطيئة داود نظرة واحدة فخر لله ساجدا أربعين ليلة وإنما سها سليمان عن صلاة واحدة فأخر وقتها للذة في الخيل فتاب واستغفر وضرب أعناقها وعرقبها وإنما ترك يحيى صلاة واحدة من نوافل الليل اتهم بذلك كثرة طعامه فما ملأ بطنه من الطعام حتى قبضه الله"
فالخطايا المذكورة فى القول تخالف ما فى العهد القديم فالخطيئة الداودية الشهيرة هى النظر والزنى بالمرأة وبعث زوجها ليقتل فى الحرب كما أن السجود40 ليلة جنون فكيف عاش دون طعام أو شراب وكيف لم ينم فى سجوده الأربعين ليلة ؟