من لبس أحسن الثياب، وأكرمها عند الله تبارك وتعالى، في بيوته، وبهذا يتبين الفرق الكبير بين ما يتعلق بالذات أي بالبدن كاللحية، والشارب، وبين اللباس، والثياب من حيث إن البدن بكل أجزائه واحد في كل زمان، ومكان، وكل بيئة بينما الثياب، واللباس في تبدل مستمر.
ومن هنا وردت أوامر، ونواه مشددة عن النبي(ص)فيما يتعلق بسياسة البدن، وذلك ما يعبر عنه بخصال الفطرة، ولم يرد عنه شيء فيما يتعلق بأمر اللباس كما تقدم؛ لأنه يعلم أن ذلك مما يتغير بتغير الأزمنة، والأمكنة، وهذا كما أطلق الأمر في شؤون الدنيا حيث يقول: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فلا يلزم إذا في قرن حلق اللحية، وتوفير الشارب مع لبس السراويل الطويلة، أو القبعة، فقول الشيخ شلتوت (والحق أن أمر اللباس، والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان البيئة شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة) مجانف للصواب. فالفرق كبير جدا بين ما يتعلق بالبدن، وما يتعلق بالثياب، ولا أدل على ذلك من وصايا النبي(ص)، وأوامره، ونواهيه في أمر البدن، وإطلاقه الأمر، وسكوته في شأن اللباس.
إن البيئة الإسلامية قد تبلورت، وتكونت، وأخذت صورتها الخاصة، وشخصيتها الممتازة، في زمن النبي(ص)، واستقرت على ذلك طوال ثلاثة عشر قرنا، أو تزيد، فما يكون لمسلم، أو لجماعة مسلمة أن تنسلخ منها، فإذا فعلت فقد عصت الله، ورسوله، وإذا انسلخت جماعة منها، وكونت لنفسها من بدعتها ما سمته بيئة، فإن المسلم المؤمن المتحري لدينه لا يجوز له أن يتبعها في ذلك، بل عليه أن يعمل جاهدا لرد هؤلاء المتمردين عن دينهم المنحرفين عن السبيل إلى الصراط المستقيم."
أفلح بيوض فى إظهار تناقض شلتوت فى فتاويه وهو أمر يرجع فيما يبدو أنه كتب الأولى أيام كان لا يتولى منصبا فى الحكومة وعندما تولى منصبا طلب منه من قبل القيادة أن يغير الفتاوى فى أمور عدة وهذه ضريبة يدفعها كل من دخل فى المناصب فى دولة لا يحكمها شرع الله فالمطلوب منك وحتى وإن توليت ما يسمونه أكبر منصب دينى أن تطيع من ولاك المنصب وإلا فإن مصيرك قد يكون السجن أو الإعدام وتلطيخ السمعة
وتحدث بيوض عن كون المسلم الجديد لا يجوز أن يحلق اللحية وإن كان لا يزال فى بيئته الكافرة فقال:
"نعم يجوز لمن اعتنق الإسلام وهو في بيئة تحلق اللحى، وتلبس القبعة، و البدلة المعروفة –بلد الأوروبية- أن يستمر على لباس بيئته غير حمل الصليب، وشد الزنار، لكنه لا يجوز له مطلقا أن يحلق لحيته، ولا أن يوفر شاربه بل يجب عليه عند اعتناقه للإسلام أن يوفر لحيته، وأن يقص شاربه، أو يحلقه، ولا يعذر أبدا في المخالفة اتباعا في هذا الأمر الذي يتعلق ببدنه، كما يتمثل أمر الرسول (ص)في بقية خصال الفطرة، وكلها تتعلق بالبدن، وبذلك يميز شخصيته الإسلامية عن بقية أبناء جنسه، ويحقق إسلامه، وهو حر فيما وراء ذلك من هيئات اللباس، ولا شك أنه إذا غير لباسه إلى هيئة من هيئات المسلمين تحقيقا لتعلقه بالإسلام وإظهار له بين قومه، وشروعا في خلق بيئة إسلامية، وسط مجتمعه يأوي إليها من عسى أن يهديه الله إلى الإسلام مثله فحسنا يفعل. وهكذا أمر الرسول؟ المسلمين أن يكونوا لأنفسهم بيئة خاصة ممتازة بهيئتهم وسمتهم، وهديهم الظاهرية، زيادة على عقيدتهم الصحيحة، وقولهم الصادق، وعملهم الصالح، فالنبي (ص)حريص كل الحرص على أن يمتاز المسلمون عن غيرهم ببواطنهم، وظواهرهم، ولا أدل على ذلك من تعليله أمره، ونهيه، في هذا الباب بقوله "خالفوهم""
وبين بيوض أن هناك تناقض فى الروايات وهو أن من يسمونه رجال الدين فى النصرانية واليهودية والمجوسية لا يحلقون لحاهم بينما عامة الناس يفعلون هذا وحل بيوض ما ظن أنه العقدة فى الروايات ولكنه لم يحل شىء لأن هذه الروايات فى تلك الحالة اتهام للنبى(ص) بالجهل بحال الأديان ألأخرى فكيف يقول خالفوا والقوم منقسمون على قسمين قسم يوقر اللحى والثانى يحلقها وفى هذا قال :
"قد يقول قائل: إن رهبان النصارى وأحبار اليهود يوفرون لحاهم، وإذا فعلينا نحن أن نحلقها عملا بقوله (ص)"خالفوهم" والجواب أن هذا خطأ في الفهم، يقع فيه من لا يعلم الوضع الذي كانت عليه بيئات اليهود، والنصارى، والمجوس يومئذ، وهل كانت عامتهم تقلد في هيئتها رجال الدين؟ وهل كان النبي(ص)يجهل حالهم في ذلك؟ الحق أن الأحبار، والرهبان، وسائر رجال الدين كانوا يوفرون لحاهم منذ أقدم العصور، وأن النبي(ص)يعلم ذلك منهم، ولا يجهله، ولكن هؤلاء قليلو العدد يلزمون غالبا كنائسهم، وبيعهم، وأديرتهم، لا يخالطون عامتهم إلا قليلا في بيوت العبادة عند ممارسة طقوسهم الدينية مع من يغشاها ورجال الدين هؤلاء هم قلة في كل زمان، ومكان، مع انزوائهم في معابدهم لا يكونون بيئة، ولا يتصل بهم المسلمون إلا نادرا، وببعض أفراد قليلين لكن عامتهم الكثيرة العدد المنتشرة في كل مكان، والتي يحتك بها المسلمون، ويخالطونها، ويتعاملون معها هم الذين يكونون البيئة العامة التي يتأثر بها معاشروهم، ويخشى النبي(ص)على المسلمين من سريان عدواهم، وهم يحلقون لحاهم خلافا لأحبارهم، ورهبانهم كما هي حالهم اليوم تماما، فلا خشية أبدا لا اليوم من تأثر الناس بهيئات الأحبار، والرهبان، وإنما الخوف كل الخوف من تأثر الناس بمعاشريهم من اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار"
وحاول بيوض أن يحتج بأن القول خالفوهم ليس خالفوا الكل وإنما البعض ولو كان يريد ذلك لقالها صريحة ولكن كلمة خالفوهم عامة وكلمة النصارى عامة واليهود عامة والمجوس عامة ومن ثم لا يمكن أن تكون فيها استثناء وفى هذا قال :
"هذا وجه، وهناك وجه آخر، لا بد من ملاحظته، واعتباره عند تفهم قول النبي(ص)"خالفوهم" والتفقه فيه، وإدراك حقيقة المراد به فإنه من غير الممكن أن يكون المراد به مطلق المخالفة في كل ما سبقوا إليه، أو كانوا عليه فقد يكونون على شيء مما يوافق الفطرة السليمة، وتستحسنه العقول الصحيحة، ولا يكون مبعثه الهوى، ولا يخالف هدي رسل الله، مثلما نحن بصدده من توفير الأحبار، والرهبان للحاهم، فإن مثل هذا الأمر مما لا يأمر الرسول بمخالفته، فليست المخالفة مطلوبة لذاتها حتى تعم كل شيء حسنا كان، أو قبيحا، مشروعا كان، أو غير مشروع"
وحاول بيوض أن يوجد استثناء عن طريق الاستشهاد بموافقة النبى(ص) اليهود فى صوم عاشوراء فقال:
"فلقد قدم النبي(ص)المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: (هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه) فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصيامه مع سبق اليهود إليه، ولم ير بذلك بأسا، ولم يأمر بمخالفتهم فيه، فإنما الأمر بالمخالفة كان لحكمة عظيمة، هي التي شرحها الشيخ شلتوت فيما تقدم مما نقلناه عنه، وذلك لا يكون إلا في أشياء مخصوصة معينة، أعلم الناس بها رسول الله (ص)الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلا يصح الاعتراض إذا بتوفير الأحبار، والرهبان للحاهم، ولا يدخل هذا تحت أمر النبي(ص)بالمخالفة، كما لا تدخل أشياء كثيرة أخرى سكت عنها النبي(ص)، ولم يأمر بالمخالفة فيها."
والاستشهاد هنا بموافقة النبى(ص) لليهود بصوم عاشوراء يخالف أن الروايات الأخرى فى نفس الموضوع مرة قالت أن قريش كانت تصومه كرواية" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ "ومرة قالت أهل الجاهلية"كان عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَقَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ أمرا أخر" ومرة أهل خيبر بلا دين كرواية "كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصُومُوهُ أَنْتُمْ " ومرة نسبه لليهود والنصارى كرواية"حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"
ومن ثم لا يمكن الاستشهاد لاختلاف الروايات لأن اهل الجاهلية وقريش كانوا مشركين وروايات اللحية فيها نفس الأمر وهو ذكر الكل
وعاد بيوض لمناقشة ما قاله شلتوت فى الفتوى موضوع النقد فقال :
"وبعد، فإن اعتبار توفير اللحية، وحلقها، مجرد عادة من العادات كهيئة اللباس ينزل فيها المرء على استحسان البيئة، مخالفة صريحة، صارخة لأمر النبي(ص)بتوفيرها، وإعفائها، وقص الشارب، أو حلقه، وهذه المخالفة معصية من غير شك. فعلى من ابتلي بها أن يقلع عنها، ويتوب إلى الله، ويستغفره، والله غفور رحيم، وعليه أن لا يمعن في خطئه باستحلال ذلك. فإن أمر الاستحلال كبير،
|