الفقيه هنا لم يبين أن الاستعداد للآخرة مرتبط بالعمل فى الدنيا وكل الأعمال مرتبطة بمتاع الدنيا الذى يجب أن يعمل فيه بما أمر الله ونهى فهو يجامع زوجته ولا يزنى مع الآخريات أو الأخرين وهو يأكل الطعام الحلال ولا يتناول الطعام المحرم ويشرب الأشربة المباحة ويحرم الخمر.. فكل شىء دنيوى مرتبط بالأخرة منعا وإباحة
ثم نقل التالى:
قال ابن الجوزي في نصيحته لابنه: «ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة، وعلم أن اللبث في القبور طويل، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا، فرضنا ستين سنة مثلا، فإنه يمضي منها ثلاثين سنة في النوم، ونحوا من خمس عشرة في الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا، فبماذا تشتري الحياة الأبدية؟ وإنما الثمن هذه الساعات!!». ... [لفتة الكبد لابن الجوزي ص 16]
وما نقله الرجل عن ابن الجوزى يصح فى الكافر وأما المسلم فلا لأنه يقضى أكثر عمره فى طاعة الله إلا أن يكون كافرا فأسلم متأخرا فاطاع قليلا
ثم قال :
"أجل - أخي - هي ساعات معدودات .. تحملك وتسوقك وتطوي بك مراحل الطريق .. وكلما انقضت ساعة انقضت مرحلة ..
نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأيامنا تطوى وهن مراحل
ولم أر مثل الموت حقا كأنه
إذا ما تخطته الأماني باطل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب للرأس شامل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
وكتب بعض السلف إلى أخ له: «يا أخي يخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تساق مع ذلك سوقا حثيثا، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن»."
وبعد النقول تحدث عن الزاد قبل الرحيل فقال :
"زادك في هذا الرحيل
أخي .. يا من أيقن قلبك بطول السفر، وعلمت أنك إلى الله عائد ومحتضر، لا تناقض بأعمالك يقينك، ولا تدع الغفلة تنخره وتضعفه، حتى تنسيك زادك ومعادك.
فإن أقواما أنستهم الغفلة زاد الرحل، فقال الله لهم عند القدوم عليه: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}
قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك.
قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال الفضيل: أتعرف تفسيرها! تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابا.
فقال الرجل: فما الحيلة؟
قال: يسيرة. قال: ما هي؟
قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أخذت بما مضى وبما بقي».
وأنت أخي أيضا عبد لله .. وعائد إليه .. {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}.. أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضى .. ربك حليم غفور .. تواب كريم .. يحب التائبين .. ويبدل سيئاتهم حسنات .. ويعفو عن الخطايا والزلات ..
فبادر أخي .. بتوبة صادقة مع الله .. أظهر له فيها عزمك على طاعته .. وندمك على معصيته .. وحبك لدينه .. واسأله برحمتك فإنه لا أحد أرحم منه .. وبإحسانه ونعمه .. وبين له ضعف حيلتك .. وشدة افتقارك إليه ..
واعلم أنه مهما كانت ذنوبك .. فهو يغفر الذنوب جميعا.
أسرع أخي بالتوبة .. فإنها زاد الرحيل الأول .. وبدونها لن تظفر بزاد.
بادر قبل بغتة المنية .. وحلول الحسرة والعذاب!
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن ياتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}
أخي .. الإنابة الإنابة .. قبل غلق باب الإجابة .. الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة. ما أحسن قلق التواب .. ما أحلى قدوم
الغياب! ما أجمل وقوفهم بالباب!
أسأت ولم أحسن وجئتك تائبا
وأنى لعبد من مواليه مهرب
يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه
فما أحد منه على الأرض أخيب"
والكلام هنا صحيح إلا ما يحكيه من حكايات فالكثير منه لايصح وكرر كلامه عن الغد القريب فقال:
"غدك قريب
أخي .. غدك قريب .. فانظر ما قدمت له .. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}
قال ابن كثير رحمه الله: {ولتنظر نفس ما قدمت لغد} أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم .. واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية».[تفسير القرآن العظيم 4/ 365]
قال إبراهيم التيمي: «مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفس: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي».
واعلم أخي أن خير زادك في الرحيل هو زاد التقوى .. {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من القيام بفرائضه، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى محابه.
فصحح أخي مسارك .. وابذل جهدك لمعرفة حقيقة أعمالك .. أين تصرف نظراتك؟ وأين تخطو خطواتك؟ وبم تتكلم لفظاتك؟ وما هي آمالك وخطراتك؟
يا غافل القلب عن ذكر المنيات
عما قليل ستثوي بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به
وتب إلى الله من لهو ولذات
إن الحمام له وقت إلى أجل
فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها
قد حان للموت يا ذا اللب أن يات
يقول ابن القيم: «إن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالا منه، فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده .. لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك، ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده .. وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات .. ومخالطة أهل البطالات .. ورضي بالتشبه بأهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين .. فمتى انكشفت عن قلبه سنة الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن .. ورأى سرعة انقضاء الدنيا .. فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلا: {يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}، فاستقبل بقية عمره مستدركا بها ما فات، محييا بها ما مات، مستقبلا بها ما تقدم له من العثرات» [الروح لابن القيم ص 223].
فاجعل أخي التقوى زادك .. واحذر الغفلة فإنها تنسيك حقيقة سفرك .. وتغريك بزخرف الدنيا وتمنيك بالإقامة الزائفة .."
خلص الرجل فى النهاية عبر صفحات كثيرة وكلام معانيه متكررة إلى أن الزاد هو التقوى فهى الاستعداد للآخرة وهو شىء لا يحتاج لكل تلك الصفحات
|