..قال محمد الأمين الشنقيطي ( ولم يبق في الآية الكريمة المسئول عنها إشكال إلا ما يقتضيه ظاهرها من رسالة الرسول ورسالة النبي المغاير للرسول ، إذ معنى الكلام { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا أرسلنا من قبلك من نبي } فما عليه أكثر العلماء من أن النبي أعم من الرسول مطلقا وأن الرسول أخص من النبي مطلقا ، وأن النبي هو من أوحي إليه وحي أمر بتبليغه أم لا ؟ والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ خاصة لا تساعده هذه الآية الكريمة لأنها تقتضي رسالة الرسول ، ورسالة النبي المغاير للرسول ، ...
وقال ابن جزيء الكلبي الغرناطي في تفسيره في الكلام على قول الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية : [ النبي أعم من الرسول فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فقدم الرسول لمناسبته لقوله وما أرسلنا وأخر النبي لتحصيل العموم لأنه لو اقتصر على رسول لم يدخل في ذلك من كان نبيا غير رسول ]
وأما الدليل من السنة ففي عدة أحاديث أحدها ما رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال لي رسول الله (ص)" إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضؤك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ...
- ) إلى أن قال :
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في قوله وبرسولك الذي أرسلت قال " لا وبنبيك الذي أرسلت "
وقال ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب عند قول الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [ فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس ) .
وقال ابن كثير أيضا في تفسير سورة المدثر بعد ما قرر أن أول من نزل من القرآن أول سورة { أقرأ } قال : [ وقوله تعالى : { قم فأنذر } أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة )."
وبعد أن انتهى من سرد الأقوال كلها رجح رأيا فقال :
"الترجيح :
هذا سرد للآراء ظهر لنا فيه كثرة الأقوال وأنها كلها اجتهادية و تستطيع أن نقول بأن الفرق ثابت بين النبي والرسول ولا مجال لنفيه حيث يوجد ما يقوي إثباته من حديث أبي ذر الذي أقل ما يقال فيه بأنه يستأنس به استأناسا إن لم يكن دليلا قاطعا . ولكن تحديد الفرق هو الشيء الذي لا نستطيع الجزم به حيث لا دليل يمكن الجزم به ، ولكن لعلنا من واقع ما مر معنا من أقوال نستطيع أن نعرف النبي والرسول بهذين التعريفين التقريق بيين فنقول وبالله التوفيق
الرسول : من أرسل إلى قوم مخالفين أو كافرين ، ويدعو الناس إلى شرع معه ، ويكذبه بعض قومه ويخاصمونه وهو مأمور بالتبليغ والإنذار ، وقد يكون معه كتاب ـ وهو الأقرب ـ وقد لا يكون ، وقد يكون شرعه جديدا وقد يكون مكملا لشرع سابق ـ أي فيه زيادة ونسخ ـ .
أما النبي فهو : أوحي إليه ويبعث في قوم مؤمنين يحكم بشريعة سابقة له يدعو إليها ويحييها ، وقد يؤمر بالتبليغ والإنذار ، وقد يكون معه كتاب "
وما قاله هو مجرد اجتهاد وهو اجتهاد مخالف لكتاب الله ككل الأقوال التى تقول بوجود فرق بين الكلمتين فى المعنى والأدلة على فساد التفرقة هى :
1- قوله تعالى "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" فانظر كلمة بعث التى تعنى أرسل وأرسل من النبيين وبدليل أن الله أعاد نفس المعنى مفسرا مبينا معنى كلمة الأنبياء فوضع كلمة الرسل أو المرسلين مكان الأنبياء فقال "وما نرسل الرسل إلا مبشرين ومنذرين " وقال " وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين"
2- قوله تعالى " وكم أرسلنا من نبى فى الأولين "فهنا أرسل الله الأنبياء
3- قوله تعالى "وما أرسلنا فى قرية من نبى "فهنا أرسلنا نبى فى كل قرية
4- قوله تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى "فهنا أرسنا نبى وقد فسر الله رسول بنبى
5- قوله تعالى " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض "فقد فسره الله بقوله "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" فهنا فسر الله النبيين بالرسل
6- فسر الله القتلى من أنبياء بنى إسرائيل كما فى قوله تعالى " ويقتلون النبيين بغير حق " بأنهم رسل بقوله "لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون " فهل أنا مخطىء فى استدلالى هذا ؟
7- فسر الله النبى فى قوله تعالى " وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزءون" بأنه الرسول بقوله " وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون" فهل أنا هنا مخطىء؟
8- بين الله لنا أن البر يؤمن بالنبيين فقال "لكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين " فهل معنى هذا أن نكفر بالرسل ؟قطعا لا أنه قصد أن النبيين هم أنفسهم الرسل
9- أن الله عرف رسوله بأنه النبى الأمى فقال "فأمنوا بالله ورسوله النبى الأمى "
10- بين الله أن النبيين فى الجنة فقال " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" ولا يوجد آية تقول أن الرسل فى الجنة ولو اعتبرنا الأنبياء غير الرسل فمعنى هذا هو أن الرسل فى النار وهو كلام غير معقول
11- عرف الله المسيح (ص) بكونه رسول فقال "ما المسيح ابن مريم إلا رسول " ومع هذا عرف المسيح(ص) نفسه بكونه نبى فقال بسورة مريم" وجعلنى نبيا "
وأكتفى بهذا القدر من الأدلة
انتقل للنقطة الثانية وهى كون محمد (ص)أخر الرسل أى الأنبياء بمعنى أخر من ينزل عليه الوحى المتتابع الحامل للشريعة والأدلة هى :
1- حفظ الله القرآن والكتاب دون تبديل فى أقوال عدة منها قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " فإذا لم يكن محمد (ص)الأخير فلماذا يتم حفظ القرآن؟
2- إتمام الإسلام كما قوله تعالى "وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " إذا كان الدين قد تم فلماذا يأتى أنبياء بعد محمد (ص) إذا كانوا لن يأتوا بجديد ؟
3- عدم تبديل الكتاب وهو كلمات الله فى قوله تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" فلماذا تم حفظ الكتاب من التحريف وهو التبديل إن لم يكن هو أخر الأنبياء ؟إن النبى يأتى لينزل عليه الوحى فيبين للناس ما حرف من الكتاب ويبين أحكام الله وهنا الوظيفة لاغية لأن الكتاب لا يقدر أحد على تحريفه وفيه كل الأحكام
4- نلاحظ أن القرآن فى كل المواضع التى تكلم فيها عن الرسول وذكر معه الرسل يقول دوما من قبلك ولم يقل مرة واحدة من بعدك وهذه طائفة من الأقوال :
قوله تعالى "وما محمد إلا سول قد خلت من قبله الرسل"
قوله تعالى "فإن كذبوك فقد كذبت رسل من قبلك "
قوله تعالى "ولقد أرسلنا من قبلك فى شيع الأولين "
قوله تعالى " ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم"
قوله تعالى " ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك "
قوله تعالى "كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك "
فهنا لا يوجد بعد للوحى ولا للرسل وهم الأنبياء
5- أن الله أخذ ميثاق كل الرسل وهم الأنبياء على الإيمان بمحمد(ص)كل فى رسالته فلماذا خص بهذا إن لم يكن هو الأخير فيهم ؟وفى هذا قال تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين"ونلاحظ أن الميثاق أخذ من النبيين فلو لم يكن معناهم الرسل فمعناه أن الرسل لا يؤمنون بمحمد(ص)وهو كلام جنونى
6- أن كلمة خاتم تعنى طابع والختم يكون هو أخر الأمور فى إمضاء حكم ما ففى حياتنا عندما نريد إمضاء أمر نضع عليه خاتم المصلحة أو الدولة ويكون هذا الختم هو أخر ما يفعل حتى يقضى الأمر وينتهى وطبع الله على قلوب الكفار يعنى أن حياتهم تنتهى بما طبعهم الله عليه وهو الكفر حيث يمنعهم من الإسلام بإرادتهم للكفر وهذا هو معنى قوله تعالى " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم "
إن كلمة خاتم تعنى طابع والطابع هو الحائل أى المانع و الطبع على قلوب الكفار يعنى وجود حائل أى مانع بينهم وبين الإسلام وفى هذا قال تعالى "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " ومن ثم فخاتم النبيين تعنى حائل النبيين أى مانع النبيين وهو نفس معنى كلمة أخر
ونأتى لآية أخرى "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم " فمعنى الختم على الأفواه هو قفلها أى منعها من الكلام بشل اللسان عن النطق حتى تنطق الأيدى والأرجل بما عملت ومن ثم فمعنى نختم هو نقفل ومن ثم فخاتم النبيين تعنى قافل الرسل أى مانعهم لكونه أخرهم
ونأتى للنقطة الثالثة وهى الوحى فهو ينزل على النبيين وهم الرسل بدليل ما جاء من آيات يؤتون فيها الوحى جميعا مثل قوله تعالى "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده"وقوله تعالى "وما أوتى النبيون من ربهم"وقوله تعالى "وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم " وقد فسر الله هذه وغيرها بقوله "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه "فهنا الوحى على الرسل مما يعنى أنهم الأنبياء الموحى لهم فى الآيات قبلها
ونأتى للنقطة الرابعة وهى أن النبى ينبىء بالغيب وحده فنجد أن كلمة النبأ ومشتقاتها تستعمل فى الإخبار بالغيب وغيره فمثلا قوله تعالى " نبىء عبادى إنى أنا الغفور الرحيم "تخبر بحكم وليس بحدث لم يحدث بعد وهو كون الله رحيم غفور ومثلا قوله تعالى "هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" يخبرنا بحكم هو ماهية الأخسرين أعمالا
|