ثم قال :
2 - {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا}
الله عز وجل جعل ضرب الحجر بالعصا سببا في تفجر الماء."
بالطبع الضرب بالعصا هنا ليس سببا في تفجر الماء لأن ما حدث هو معجزة أى أية والآيات ليس فيها أخذ بالأسباب فلو أن أى إنسان أخذ عصا وضرب بها مئات المرات فلن تخرج عين ماء واحدة
ثم قال :
3 - {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى}
جعل الله عز وجل ضرب الميت ببعض أعضائه سببا في إحيائه، نعم إحياء الميت مسألة لا تتم إلا بأمر إلهي ولكنه أراد أن يعلمنا أن نأخذ بالأسباب في أفعالنا.
وتفسير بعضها هنا علي عدة أوجه منها: أنه اللسان لأنه آلة الكلام ومنها أنه " عجب الذنب " إذ فيه يركب خلق الإنسان ومنها أنه الفخذ، ومنها أنه عظم من عظامها والمقطوع به أنه عضو من أعضائها "
نفس ما قيل في الأمر السابق هنا هو أن ضرب الميت ببعض البقرة فيحيا هو معجزى وهى ليست أخذ بالأسباب فلو أننا احضرنا عشرات من الأموات وذبحنا على عددهم بقر ثم ضربنا كل واحد ببعض بقرة لن يهود للحياة
وأما الأخذ بالأسباب فهو الأمور التى تتكرر نتيجة فعل إنسانى وليس تحدث مرة واحدة كالمعجزات التى تحدث بأمر الله
ثم قال :
4 - {فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
الله عز وجل جعل قتال المشركين للمسلمين سببا لقتلهم ونلاحظ هنا التكافؤ في السبب والنتيجة فقتل المشركين فعل تكافأ مع قتالهم للمسلمين.
{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}
الله عز وجل جعل الاعتداء من الغير سببا للاعتداء عليهم علي أن يكون هنا تكافؤ في الاعتداء من حيث آلة الاعتداء أو الضرر الناجم عنه وهذا يشمل المعتدين من الكافرين وأهل الكتاب بل ومن المسلمين أنفسهم إذا اعتدوا علي غيرهم فينبغي الاعتداء عليهم اعتداء يكافئ اعتداءهم وإلا لما استقامت الحياة."
هذا الكلام هو أخذ بالأسباب وإن كان السبب أيضا ليس ظاهرا هنا وهو إعداد القوة القتالية كما قال تعالى:
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"
فمثلا القتال بدون سلاح ليس أخذا بالأسباب
ثم قال :
5 - {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}
الله عز وجل جعل الدين سببا في الكتابة وهذه مسألة تستقيم بها الحياة، لأن كتابة الدين تحفظ للدائن حقه وتجعله مطمئنا وتحول دون احتيال المدين، وبالتالي لا يمتنع الدائن عن إقراض المدين ولا يمتنع المدين عن سداد دينه وبالتالي تستقيم الحياة، ثم قرن كتابة الدين بإشهاد رجلين أو رجل وامرأتان وبدون وجود الشهود علي الدين لا جدوى من كتابته."
الأخذ بالسبب هنا موجود وهو كتابة الدين أمام الشهود ثم قال :
6 - {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من وراءكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم}
فالله عز وجل يأمر المسلمين أن يأخذوا بالأسباب أثناء الحرب وألا يغفلوا عن أسلحتهم وأمتعتهم لأن الذين كفروا يودون ذلك، فود الذين كفروا في أن يغفل المسلمون عن أسلحتهم وأمتعتهم كان سببا في أن يأخذ المسلمون حذرهم حتى في أثناء الصلاة.
ويقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: روى الدار قطني عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله (ص)بعسفان، فأستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلي بنا النبي (ص)الظهر، فقالوا: قد كانوا علي حال لو أصبنا غرتهم؛ قال: ثم قالوا نأتي الآن عليهم هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم؛ قال فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الظهر والعصر
فالكفار هنا أرادوا الغدر بالمسلمين أثناء الصلاة فكان هذا سببا أن أمرهم الله بالأخذ بالأسباب والاحتياط من العدو أثناء الصلاة بأن أمر الله عز وجل الرسول بتقسيم المسلمين إلي طائفتين طائفة تصلي وطائفة تحرس ثم يحدث التبديل بعد ذلك أي بعد انتهاء الطائفة الأولي من الصلاة تتولى هي الحراسة وتصلي الطائفة التي كانت تتولى الحراسة."
وأخذ السلاح بجوار المجاهد عند الصلاة هو أخذ بالأسباب وايضا حراسة الباقين للمصلين من ضمن الأخذ بالأسباب
ثم قال :
7 - {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}
الله عز وجل جعل الإفساد في الأرض سببا للقتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل أو النفي في الأرض، وبذلك تستقيم الحياة وبدون ذلك سوف ينتشر الهرج والمرج وتسود الفوضى وتضطرب الحياة الاجتماعية، واستئصال الذين يسعون في الأرض فسادا أشبه باستئصال الورم الخبيث من الجسد أو استئصال الثمر العاطب من القفص أو الشوب من الماء واللبن.
والذي عليه الجمهور أن هذه الآية نزلت في العرنيين روي أبو داود عن أنس بن مالك: أن قوما من عرينه قدموا علي رسول الله فاجتووا المدينة (أصابهم المرض) وهو داء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها؛ فأمر لهم رسول الله (ص)بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي (ص)واستاقوا النعم وبلغ النبي خبرهم أول النهار فأرسل في آثارهم فأمر بهم فقطعت أيدهم وأرجلهم وسمر أعينهم (أي فقأها) والقوا في الحرة (أرض خارج المدينة بها حجارة سوداء) يستسقون فلا يسقون فنزلت هذه الآية
فهؤلاء القوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله والمحارب هو من أخاف السبيل وأخذ المال وقتل، فقطع الرجل لمن أخاف السبيل وقطع اليد لمن أخذ المال والقتل لمن قتل
وتجدر الإشارة أن هذه الآية تضمنت القصاص في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: من أخاف السبيل (قطاع الطرق) فهذا الفعل سبب لقطع الرجل.
الأمر الثاني: سلب المال (السرقة) وهذا الفعل سبب لقطع اليد.
الأمر الثالث: القتل وهذا الفعل سبب لقتل من قتل وهذه كلها تبين أن الحدود أسباب لاستقامة الحياة وأنها تزيد وتنقص من حيث حجم الجرم أو الفحش الذي يرتكبه الإنسان."
وبالقطع الآية لم تنزل في العرنيين ولا غيرها من الحوادث وإنما هى آية عامة نزلن في كل من يرتكب أى نوع من الفساد في الأرض كالسحر وإشاعة الفاحشة والربا والقتل الجماعى للناس أو حرق الزرع أو تدمير البيوت أو النهب المنظم ....
وتنفيذ بعض المسلمين لها كهيئة الشرطة هو أخذ بالأسباب لمنع الفوضى وتطبيق العدالة
وخلط عزب كلام آية الحرابة بآية السرقة فقال :
"{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله}
الله عز وجل جعل السرقة سبب لقطع الأيدي للتنكيل بالسارق وفضيحته، وفي ذلك استقامة لأسباب الحياة، لأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يستقيم مجتمع به حرامية يسرقون أو ينهبون المال العام أو الخاص.
وتجدر الإشارة أنني ذكرت تلك الآية رغم أنه كان من الممكن الاكتفاء بما ورد في آية الحرابة والتي تضمنت قطع يد السارق، وذلك لأنني أردت أن أوضح عدة أمور قد تستشكل علي البعض.
الأمر الأول:
أن قطع يد السارق ليست قاصرة علي فئة أو طبقة دون غيرها من الناس بل العكس فالمتتبع لعهد الرسول وأبي بكر وعمر نجد أنهم قطعوا يد من هم ينتسبون إلي طبقات اجتماعية ذات شرف ومكانة.
الأمر الثاني:
أن القطع لا يكون إلا لمن سرق ربع دينار فصاعدا فالذي سرق أقل من ربع دينار لا تقطع يده باعتباره سرق لكي يقتات أما الذي سرق ربع دينار فصاعدا فهو سرق للنهب والسلب
ولعل في هذا ما يغني للرد علي الذين يشككون في تطبيق حد السرقة ويقولون لو تم ذلك لقطعت أيدي المجتمع بأسره، نقول لهم هذا قياس فاسد.
وتجدر الإشارة أيضا أن قطع يد السارق حكم أقره الإسلام وقد كان موجودا من قبل، يقول الأمام القرطبي " وقد كان موجودا قبل الإسلام وأول من حكم بقطع يد السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة، فأمر الله بقطع يد السارق في الإسلام فكان أول سارق قطع يده رسول الله (ص)في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ومن النساء مره بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم
ويقول الأمام القرطبي مؤكدا أن القطع ليس علي العموم كما ذكرنا وظاهر الآية العموم في كل سارق وليس كذلك لقوله عليه السلام " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " فبين أنه إنما أراد بقوله: " والسارق والسارقة " بعض السراق دون بعض، فلا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار أو فيما قيمة ربع دينار وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعي وأبو ثور "
وهذا الكلام باطل فآية الحرابة لا علاقة لها بالسرقة لأن كل نتيجة عقوباتها الثلاث هو الموت عن طريق القتل أو قطع الأطراف المعكوسة أو التغريق في الماء بينما عقوبة السرقة هى قطع الأيدى فقط وبقاء من سرق على قيد الحياة
وتحدث عن إعداد القوة للقتال فقال :
|