8 - {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم }
الله عز وجل جعل من إعداد القوة (والتي كان يعبر عنها آنذاك برباط الخيل) سببا في ترهيب - وليس إرهاب - عدو الله وعدو المسلمين وترهيب آخرون لا يعلمهم المسلمون ولكن الله يعلمهم، وهذا سبب هام من أسباب بقاء المسلمين وعدم ضعفهم واستهانة عدوهم بهم، نحن نملك من أسباب المال والعتاد ولكننا لا نعد العدة لهؤلاء الذين جعلوا النيل منا وانتقاصنا وتحقيرنا هدفا لهم بل جعلوا من أرضنا وعروبتنا وإسلامنا مطمعا لهم، وبدلا من أن نعد العدة لترهيبهم نستبق إلي إرضائهم ونيل الرضا منهم فهنا عليهم وهانت علينا أنفسنا.
ولكي تستقيم حياة المجتمع المسلم لابد من الإعداد القوي بالسلاح والجيوش لترهيب العدو وإجباره علي احترامنا وعدم الطمع في النيل منا.
والعدة: السلاح والقس (جمع قوس) وكل ما يرمي به وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله (ص)وهو علي المنبر يقول: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي
وما يرمي به في الوقت الراهن يشمل الصواريخ والطائرات والمدفعية والدبابة والرشاش والبندقية .... إلخ.
ورباط الخيل تعني في العصر الحديث المدرعات والعربات الثقيلة وأدوات النقل وهذان الأمران هما عماد أي حرب في الوقت الراهن."
والآية صريحة في ألأخذ بأسباب القوة ولا غبار على كلام عزب فيها إلا تحديده القوة بالرمى فالقوة تكون بالتفجير وهو قد يكون بالوضع كالألغام أو يكون بالرمى وقد يكون بالاتصال أو الضغط على زر
ثم قال :
9 - {وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء}
في هذه الآية نجد سيدنا يعقوب عليه السلام يأمر أولاده بألا يدخلوا من باب واحد لأنه كان يخشى عليهم من الحسد رغم شدة إيمانه بالله وعلمه بأنه لا يغني عنهم من الله شيء، ولكنه يأخذ بالأسباب.
يقول الأمام القرطبي: لما عزموا علي الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد وكانوا أهل كمال وجمال وبسطة وهذا دليل علي التحرز من العين والعين حق "
قطعا لا علاقة للآية بالعين المزعومة التى لا وجود لها إلا عند المتخلفين فلو كان هناك اصحاب عيون حقا لهزموا كل الأسلحة بمجرد النظر إليها لافسادها ولهزموا كل الحكام وقعدوا مكانهم لأنهم يقدرون بتلك العين على القتل أو الإصابة بالأمراض العضال كما يزعم المجانين
يعقوب(ص) هنا يعمل بمبدأ توزيع القوة في أماكن متفرقة حتى إن ذهب بعضها بالقبض عليه أو قتله بقى البعض الأخر ليقوم بالمهمة وهى " فتحسسوا من يوسف وأخيه"
فليس الأمر أمر حسد وإنما عملية بحث منظمة
ثم قال :
10 - {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا}
الله عز وجل جعل وضع قميص يوسف علي وجه أبيه سببا لرد بصره إليه وكان من الممكن أن يحدث ذلك بدون وضع قميص يوسف علي وجه أبيه، ولكن الله أراد أن يعلمنا الأخذ بالأسباب، فقميص يوسف فيه ريح يوسف " إني لأجد ريح يوسف " وريح يوسف فيه استقرار وأمان نفس وشفاء لأبيه ورد نظره أو بصره إليه.
وتجدر الإشارة أيضا أن قميص يوسف هو قميص جده إبراهيم الذي نزل به جبريل عليه السلام وألبسه إياه لتكون النار بردا وسلاما عليه حينما ألقاه قومه فيها حينما حطم الأصنام."
وكلام عزب هنا لا يمت للخذ بالأسباب بصلة لأن رجوع البصر برمى الثياب على العمى هو معجزة بدليل أننا لو جلبنا العميان ورمينا ثواب على كل منهم لن يعود بصر أحدهم لأن الأمر معجزة لا تتكرر
ثم قال :
11 - {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون {وعلامات وبالنجم هم يهتدون}
فالله عز وجل جعل الجبال سببا لعدم ميد الأرض أو اضطرابها أو تمايلها، ويقول وهب بن منبه: خلق الله الأرض فجعلت تميد وتمور، فقالت الملائكة إن هذه غير مقرة أحدا علي ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت ولم تدر الملائكة مم خلقت الجبال ويقول علي بن أبي طالب لما خلق الله الأرض فقمعت ومالت وقالت: أي رب أتجعل علي من يعمل بالمعاصي والخطايا ويلقي علي الجيف والنتن، فألقي الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون
ويقول الأمام القرطبي وفي هذه الآية أدل دليل علي استعمال الأسباب وكان قادرا علي سكونها دون الجبال.
وفي هذه الآيات أيضا جعل الله العلامات دليلا ليهتدي به الناس بالنهار والنجوم ليهتدي بها الناس ليلا كما جعل الأنهار والسبل - أي الطرق - مسالك ليهتدي بها الناس إلي حيث يقصدون من البلاد فلا يضلوا ولا يتحيروا وهذه كلها أسباب أو دلالة علي ضرورة الأخذ بالأسباب في الحياة."
وهذا الكلام لا علاقة له بأخذ البشر بالأسباب لأن هذا الكلام عن تنظيم مخلوقات الله الكبرى
ثم قال :
12 - {ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}
الله عز وجل جعل أكل النحل من الثمرات في كل السبل سببا لكونها تخرج عسلا مختلف الألوان فيه شفاء لمعظم الأمراض بسبب اختلاف الثمر والسبل التي يسلكها النحل ليأكل من هذا الثمر."
هنا ضرب مثل للبشر أن يسعى على رزقه كما يسعى النحل على رزقه وهو اخذ بالسبب وهو التحرك نحو أماكن جلب الرزق
ثم قال :
13 - {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}
فالله عز وجل جعل السمع والأبصار والأفئدة أسباب للعلم والإدراك بعدما أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، يقول الأمام القرطبي: فالسمع لسماع الأمر والنهي والأبصار لنبصر بها آثار صنعه والأفئدة لنصل بها إلي معرفته، وفي السمع إثبات النطق لأن من لم يسمع لم يتكلم وإذا وجدت حاسة السمع وجد النطق "
الآية لا علاقة لها بأخذ البشر بالأسباب لأن هذا حديث عن خلق الله للإنسان وهو ما لا يقدر الإنسان على فعله
ثم قال :
14 - {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين}
ففي هذه الآية ضرب آخر من الأخذ بأسباب الحياة فالبيوت سكن للإنسان خاصة وأنه بحاجة إلي السكينة والهدوء وفي حالة السفر يمكنه أن يتخذ من جلود الأنعام بيتا لتحقيق تلك السكينة التي لا يمكنه الحياة بدونها وجعل أيضا الأصواف والأوبار والأشعار أثاثا ومتاعا للإنسان خاصة وأن الإنسان بحاجة إلي الأثاث والمتاع في الحياة وبدون الأثاث والمتاع لا تستقيم حياته.
ويقول الأمام القرطبي يسكن يعني هدوء الجوارح وهذا يتحقق من خلال ما يستر الإنسان من جهاته الأربع وله سقف وفلك (أرض) وهذا هو البيت والله عز وجل خلق الإنسان متحركا ولكنة بحاجة إلي السكون وهدوء الجوارح لكي تستقيم حياته ولذلك جعل البيت سبب لتحقيق تلك السكينة ثم هو بحاجة إلي الأثاث والمتاع أيضا بمعني ما يفرشه الإنسان وما يلبسه وهذه أمور تتعلق بالمبيت والسكينة "
بالقطع هذا ليس مثال للأخذ بالأسباب وإنما هو وصف لبعض أعمال الإنسان وإنما ألأخذ بالأسباب أن يقول خذ ترابا وطينه بالماء واجعله قوالب تبنى جدارا أو شيد مبنى من الحجارة أو اصنع أوتاد وانصب عليها الجلود والأشعار
ثم قال :
15 - {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم}
في هذه الآية أيضا ضرب من الأخذ بالأسباب التي تستقيم بها حياة الإنسان فالبيوت والشجر سبب للظل والجبال سبب للأكنان جمع كن وهو الواقي من المطر والريح وغير ذلك، وهي هنا الغيران في الجبال، جعلها الله عدة للخلق يأووت إليها ويتحصنون بها ويعتزلون عن الخلقة فيها، والسرابيل (هي القمص أحدها سربال وهي تقي الإنسان) من الحر وتعني الدرع التي تقي الإنسان أثناء الحرب وهذه كلها ضروب من الأسباب لن تستقيم الحياة إلا بها."
ونفس الكلام هنا فهنا وصف أعمال الناس وبعض مخلوقات الله ولإنما الأخذ بالأسباب هو القول صنع لباسا أو اصنع بيوتا
ثم قال :
16 - {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب}
الله عز وجل جعل الليل والنهار ليبتغي الإنسان الفضل من ربه في تصريف معاشه بالنهار الذي يبصر فيه وليعلم الإنسان عدد السنين والحساب وهذه من أسباب استقامة حياة الإنسان، فالإنسان لا يمكن الحياة بدون العمل الذي يبتغي فيه الفضل من الله وبدون علم عدد السنين والحساب.
|