ومثله –على الصحيح- رأس مال السلم- أي بعد فسخ عقد السلم –يصح بيعه، وهو أحد الوجهين في المذهب، والوجه الثاني: لا يصح، وهو المذهب.
المسألة الثانية: بيع الدين لغير من هو عليه:
المذهب: لا يجوز بيعه لغير من هو عليه لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه بيع الآبق.
وقد نص الإمام أحمد في رواية على جواز بيعه لغير من هو عليه، واختاره ابن تيمية.
..وقال : "بيع الدين ممن هو عليه جائز...، وعند مالك يجوز بيعه ممن ليس هو عليه، وهو رواية عن أحمد" .
وقال : "تنازع العلماء في بيع الدين على الغير، وفيه عن أحمد روايتان، وإن كان المشهور عند أصحابه منعه".
وقال :
"وهذا –يعني عدم التمكن من التسليم- حجة من منع بيع الدين ممن ليس عليه، قال: لأنه غرر ليس بمقبوض، ومن جوّزه قال: بيعه كالحوالة عليه، وكبيع المودع، والمعار، فإنه مقبوض حكمًا، ولهذا جوّزنا بيع الثمار".
... وقال – -: (إذا باع ديناً في ذمة مقرٍ على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز؛ لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع) .
لأنه إذا باع ديناً بهذه الصفة، فلن يكون ثمة غرر ولا مخاطرة –حينئذ- كبيع المغصوب على قادر على أخذه وبيع الآبق على قادر على رده.
فإن قيل: ما الحكم إذا تعذر أخذ الدين في المدين؟
فالجواب: أن للمشتري الفسخ- حينئذ- قياساً على بيع المغصوب على قادر على أخذه فإنه إذا تعذر أخذه فللمشتري الفسخ، على المذهب.
فإن قيل: فهل يجوز بيع دين مؤجل على الغير بدين مؤجل آخر؟.
فالجواب: لا، لا يجوز ذلك بالاتفاق، سواء باعه على من هو عليه، أو على الغير، لاشتغال الذمتين فيه بغير فائدة – كما تقدم في المطلب الأول-.
قال ابن تيمية (لا يجوز باتفاقهم – يعني بيع الواجب بالواجب- لأن كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة وصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع) .
وقال (المقصود من العقود القبض، فهو – يعني بيع الواجب بالواجب- عقد لم يصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة) .
وقال (ففيه – يعني بيع الواجب بالواجب- شغل ذمة كل واحد منهما بالعقود التي هي وسائل إلى القبض، وهو المقصود بالعقد) ."
كل هذا الكلام على اعتبار أن البيوع وهى التجارة ديون باطل والفقهاء لأنهم ابتعدوا عن كتاب الله معتمدين إما على أرائهم أو على روايات لا قيمة لها أتونا بهذا التخريف فكما سبق القول لا يجوز بيع الديون لأن أوامر الله واضحة وهى إنظار المعسر أو التصدق بالدين ولا ثالث للتصرف فى الدين
ما يحدث فى التجارة هو تبادل منافع بين طرفين قادرين وكما سبق القول الدين فى كتاب الله قائم على أساس وجود طرق قادر على الدفع وطرف غير قادر على الدفع لمدة محددة وهو يحتاج الدين لضرورة وليس للبيع والتجارة
ثم قال فى نوع أخر من بيع الدين :
"المطلب الرابع
القسم الرابع: بيع الواجب بالساقط
وهو: إسقاط دين ثابت في ذمة شخص، وجعله ثمناً (رأس مال سلم) لموصوف في الذمة (مسلم فيه) مؤجلٍ معلومٍ.
قال ابن القيم (كما لو أسلم إليه في كُرِّ – مكيال لأهل العراق- حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين وسقط عنه دين غيره) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (بأن يكون لزيد على عمرو دراهم مثلاً فيجعلها رأس مال سلم في طعام ونحوه) .
وهذا جائز -أيضاً- على الصحيح، لكن بشروط – كما سيأتي – لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين.
قال ابن القيم (وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله ابن تيمية واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ- بيع الواجب بالواجب- فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة)
ثم قال : (وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح- وذلك في بيع العين بالدين- جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها بها ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين فلم ينهه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز.
...وقد اشترط ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم لجواز مثل ذلك: ألا يربح فيه، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
|