"الإسلام ـ عبادَ الله ـ لا يحرّم الطيباتِ ولا يذمّ المنافعَ والمآكل والمشارب والأموال، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـاتِ مِنَ الرّزْقِ [الأعراف:32].
ولا يُفهم ممّا سبق تركُ السعي في عمران الدّنيا وبنائها الحضاريّ والانتفاع بخيراتها، بل المراد أن يأخذ المرء من الدّنيا ضمنَ الحدود التي أذن الله بها، وأن لا تكون متاعًا للغرور يَرفع متاعها فوق كلّ القِيَم، تُفقِدْ الإنسانَ وعيَه، تفسِد عليه دينَه وأخلاقه.
الدّنيا التي يذمّها الإسلامُ دنيا الشهواتِ والملهِيات، دنيا تضييعِ الحقوق والواجبات والتّساهل بالمحرَّمات، الدنيا التي تشغل عن الله وتلهي عن الآخرة، أراد الله أن تكونَ الدّنيا مُلكًا لنا، فجاء صغار الهِمم وأبَوا إلاّ أن يكونوا مُلكًا لها."
وتحدث عن الجمع بين الدين والدنيا فقال :
"إخوة الإسلام، إنّ المرتبةَ المثلى الجمعُ بين الدّين والدّنيا، بين الصّبر والفقر، بين التّقوى والغِنى، ولذا قال رسول الله : ((نِعم المال الصّالح للمرء الصّالح)) أخرجه البخاري، ويدعو رسولنا الكريم ربّه قائلاً: ((اللهمّ أصلِح لي ديني الذي هو عِصمة أمري، وأصلِح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعَل الحياة زيادةً لي في كلّ خير، واجعل الموتَ راحة لي من كلّ شرّ)) أخرجه مسلم.
إنّ التفريق بين شؤون الدّنيا وشؤون الآخِرة كان سببَ التّخلّف الذي أزرى بأمّتنا وأقعدها عن نشرِ رسالتِها، حين فهِم أقوامٌ مِن ذمّ الدّنيا إهمالَ الحياة الدّنيا وتركَ عمارتها والهروبَ عن إصلاحها وتنميتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولّد فيهم ذلك سلبيةً مقيتة وانهزاميّة وضعفًا وخوَرًا يأباه الدّين، قال تعالى: وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
الحسنة في الدّنيا تشمَل كلَّ مطلوبٍ دنيويّ من عافية ودارٍ رحبة ورزق واسع وعلمٍ نافع وعمل صالح ومركَب هجِل وثناءٍ جميل، والحسنة في الآخرة أعلاها دخولُ الجنّة وتوابعُه من الأمنِ من الفزع الأكبر وتيسير الحساب."
والخطأ هو الأخذ بالدين والدنيا فالدين عند المسلم هو من يحكم الدنيا بأحكامه فنحن لا نأخذ من الدنيا إلا ما أمر الله به فى دينه
وتحدث عن أن الأخذ بالأسباب كالزرع والصنع والتجارة واجب فقال :
"والصّحابة هم القدوة والنموذجُ في فهم الإسلام، يأخذون بالأسبابِ في الكسب من تجارةٍ وزراعة، ويطلبون العلمَ ويبذلون في سبيل ذلك أوقاتهم ونفوسَهم وأموالهم، فيهم الأغنياءُ دون بطر والفقراء مع التعفُّف، ومع هذا كانوا أبعدَ النّاس عن التهالك على الدنيا، فتَحوا البلدان، وأنشؤوا المدُن، وأقاموا الدّولَ، ونشروا الإسلام.
كان بعضُ كبار الصحابة من الأغنياء، ولم يدعُهم رسول الله إلى ترك المال وترك الاشتغالِ بالتّجارة، كما أنّ الدّنيا لم تكن تساوي جناحَ بعوضة في حياتهم، قال سفيان بن عيينة: "ليس من حبّ الدنيا أن تطلبَ منها ما يصلِحك"، وعن سعيد بن المسيّب: "لا خيرَ فيمن لا يطلب الدّنيا يقضي به دَينَه ويصون به عرضَه، وإن مات تركه ميراثًا لمن بعده"."
كما سبق القول ألأخذ بالأسباب هو من أحكام الإسلام وليس موازنة بين الدين والدنيا لأن كما سبق القول الدين وهو الإسلام هو حاكمنا فى الدنيا
وتحدث عن فهم أخر للموضوع عنده فقال :
"الدّنيا في المفهوم الإسلاميّ وسيلة وذريعةٌ لتحصيل مقاصدِ الشريعة ومطيّة للآخرة، فإنّها إذا فسدت فربّما أدّى فسادُها إلى إيقاف الدّين، فلا شكّ أنّ الدين سيضعف إذا وصل حالُ أهلها إلى قلّةِ الأمن وقلة الرزق والقتل، فلا يُقبَل أن يقول مسلم: أنا أحفظ ديني وأدَع الدنيا يُعبَث بها ويُفسد فيها؛ لأنّ من صلحت حاله مع فساد الدّنيا واختلال أمورِها لم يعدم أن يتعدّى إليه فسادُها ويقدح فيه اختلالها؛ لأنّه منها يستمدّ، ومن فسَدت حاله مع صلاح الدّنيا وانتظام أمورِها لم يجِد لصلاحها لذّةً ولا لاستقامتها أثرًا؛ لأنّ الإنسانَ دنيا نفسِه، قال الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77]."
ففساد الدنيا ليس هو من يوقف الدين وإنما يوقفه الكفار الذين يرفضونه ويكذبونه
وتحدث عن أن الكفار يعلمون ظاهر الدنيا وهو ما يسمونه علوم الدنيا كالزرع والقلع والصناعة وغيرها مما يجعلونه يستفيدون من متاعها فقط فقال:
"قال تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ [الروم:7]. يحكي القرآن حالَ أقوامٍ نظرتُهم إلى الحياة الدنيا نظرة ضيّقة محدودة، يعلمون ظاهرَها، وهو ملاذُّها وملاعبها وأحسابها وشؤونها وعمرانها ومساكنُها وشهواتهم وأهواؤهم، ولا يعلمون باطنَها؛ مضارَّها متاعبَها فناءها، فعن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله قال: ((الدّنيا دار من لا دارَ له، ومالُ من لا مال، ولها يجمَع من لا عقلَ له)) رواه أحمد في مسنده"
والحديث باطل فالناس ليس لهم فى الدنيا دار سواها وليس لهم مال سواها ومن ثم يعمرونها ويسعون نحو مالها إما بالحرام وهو الغالب وإما بالحلال كما أمر الله فى دينه
وتحدث عن كون الكفار يريدون فقط الخلود للأرض وهو التمتع بمتاعها فى الحرام فقال:
"إنّ هؤلاء الذين أخلدوا إلى الأرض لا يذكرون من دنياهم لا ينالون من دنياهم للذّتهم بطائل ولو جمعوا وملكوا كلَّ عروشِها، ويظلّ الظمأ النفسيّ واللّهَث المادّيّ في تواصُلٍ دائم، قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـاهُ بِهَا وَلَـاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [الأعراف:176]"
إذا حقيقة الدنيا أنها دار لتحكيم دين الله فى متاعها وهذا التحكيم هو الوسيلة لدخول جنة الآخرة
|