فقال النبي عليه الصلاة والسلام وهو المتطبع بطبع إكرام الضيف الذي يستحي أن يخرج الضيف من عنده بلا شيء، قال: "ألا رجل يضيف هذا الليلة يرحمه الله"؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأخذه إلى بيته ..
الرجل لما دخل على زوجته قال: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدخل علينا، لا تدخريه شيئا، قالت: ليس عندي إلا قوت الصبية، قال: ضعي له الطعام، وأتظاهر أني أصلح السراج وأطفأه ونتظاهر بالأكل وندعه يأكل ..
فحصل ذلك وباتوا ونوموا الأولاد على جوع وفي الصباح غدا به إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأنزل الله (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) خصاصة يعني حاجة، جوع ..
فعندما تستحضر القصة التي نزلت بشأنها الآية يكون هناك طعم آخر، فمعرفة أسباب النزول مفيدة جدا في تدبر القرآن"
الآية واضحة لا تحتاج لحكاية لكى تفهم أناس يعطون غيرهم وهم محتاجين لما يعطونه لهم
والحكاية أصلا باطلة فهى ليست عن ضيف وأنصارى واحد وإنما هى عن الأنصار والمهاجرين كلهم فالأنصار كلهم أعطوا المهاجرين أكثر مما طلب منهم فالله لم يقل ويؤثر وإنما قال ويؤثرون
ثم قال :
"هذه الآية نزلت فيمن؟ (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) تأتي خولة بنت ثعلبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهي امرأة كبيرة تقول: "يا رسول الله هذا زوجي أوس أفنيت شبابي حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني يقول: أنت علي كظهر أمي .. أشكو إلى الله"!!
النبي عليه الصلاة والسلام ما عنده جواب حاضر، ولا يقول بغير علم، فيطلب من المرأة أن تنتظر وأن تحسن رفقة هذا الإنسان حتى يحكم الله، وكان رجلا كبيرا تقدم به السن وتغير خلقه لكبر السن، وهذا معروف ومشاهد تغير الخلق لكبر السن، فينزل الله الآية تقول عائشة: "سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، إني في ناحية البيت أسمع كلام خولة أسمع بعضه ويخفى علي بعضه"، شيء سمعته وشيء لم أسمعه .. فنزلت الآيات (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) وتنزل الأحكام.
إن معرفة سبب النزول مرة أخرى يعينك كثيرا على تدبر القرآن."
القصة فى القرآن ظاهرة واحدة ظاهر منها زوجها فليس بنا حاجة إلى سبب النزول لأنه صريح فى الآية وأما التفاصيل التى أضافتها الحكاية فلا يمكن التأكد منها ككبر سن المرأة وغير ذلك وإنما المطلوب هو فهم أحكام الظهار لتطبيقها وليس معرفة أن المظاهرة اسمها كذا وزوجها اسمه كذا فالقرآن سكت عن الأسماء حرصا على عدم فضح الناس بذنوبهم
ثم قال :
"ما أعظم هذه الرسالة يا عباد الله وإن التفسير ومعرفة معاني الكلمات في غاية الأهمية فلو كان الإنسان لا يعرف كلمة (خصاصة) ما معناها، (وله الدين واصبا) لا يعرف واصبا ما معناها (لإيلاف) فضلا عن تلاوتها، وأيضا (الصمد) و (غاسق) وهكذا .. لا تعرف معناها، فكيف ستتدبر يا عبد الله؟!
ولذلك يا إخواني هذا القرآن الذي نقرأه في رمضان، وربما ننهي الختمة والختمتين وأكثر، له حق عظيم علينا، ليست القضية فقط في إمراره وإنهائه، وإنما القضية قرآن هذا (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)
هذا القرآن الذي تجد فيه حتى نقاش الملاحدة (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) ..
هذا القرآن تجد فيه العلاجات العظيمة، علاجات المشكلات الاقتصادية، وعلاجات المشكلات الاجتماعية، وعلاجات المشكلات النفسية .. وهكذا
والله فيه علاجات عظيمة، إنسان عنده كنز عظيم لكن لا يعرف كيف يستفيد منه، عنده حساب مجمد فيه ملايين لكن لا يعرف كيف يستثمره.
ومن هنا إن حق القرآن علينا عظيم، حتى لما تكون في ضائقة وتقرأ الآيات (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب) (ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا) لكن ماذا نفعل عند الكرب؟ (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) صلاة، عبادة، ذكر.
عباد الله: هذا كتاب ربنا، وحقه عظيم علينا، وتأمل ما في القرآن من النفائس العظيمة مهم للغاية ومن علوم القرآن علوم المناسبة ومجيء هذا مع هذا، وهذا بعد هذا، وهذا قبل هذا."
المطلوب ليس أن نقرأ كتبا لم يكن لها وجود فى عهد النبى(ص) وهى التفاسير وكتب النزول واستخراج المحسنات وما شاكل ذلك من الآيات وإنما المطلوب هو فهم القرآن
ثم حدثنا عن آيات الصيام فقال :
هذه آيات الصيام في سورة البقرة فيها أشياء كثيرة فهو أخبرنا في ثناياها وذكر عبادات في ثنايا آيات الصيام كأنه يذكر
الصائمين بأشياء فمثلا ذكر في آيات الصيام الدعاء في أدناه هذه الأحكام والفرضية وذكر الآداب ذكر الدعاء (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فمعناها أن الدعاء مع الصيام شأن عظيم فينبغي للصائم أن يحرص عليه، والصائم دعاؤه مستجاب أثناء الصيام وعند الإفطار، فإذا دعوة الصائم لا ترد أثناء صيامه. وللصائم عند فطره دعوة – هذه ميزة أخرى- عند الفطر."
وتفسير الدعاء بأنه الطلب من الله تفسير خاطىء فالدعاء هو العبادة أى طاعة الله وليس الطلب من الله لأن الله لا يجيب كل دعاء وإنما يجيب ما شاء فقط وهو ما قدره فى لوح القضاء كما قال تعالى :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال :
"وذكر أثناء الصيام عبادة الاعتكاف (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فمعنى ذلك أن الاعتكاف والصيام بينهما علاقة قوية، لماذا ذكر الاعتكاف أثناء الصيام؟ ولذلك فإن اعتكاف الصائم عبادة جديدة، قال بعض العلماء أقله يوم وليلة، قال بعضهم ليلة في حديث ابن عمر قال:
|