"والأفواج): الجماعة إثر الجماعة كما قال [الله تعالى] "كلما ألقي فيها فوج "[الملك: 8] وفي المسند» من طريق الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله يسلم على فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال سمعت رسول الله(ص)يقول «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا» "
وأقوال المفسرين متناقضة فابن عبد البر يقول بإسلام العرب كلها وبناقضه ابن عطيه بأن تغلب لم تسلم والحقيقة أن الآية عامة فى إسلام كثير من الناس عرب وعجم ومن كل بلاد العالم
ثم قال :
وقوله: "فسبح بحمد ربك "
فيه قولان حكاهما ابن الجوزي
أحدهما: أن المراد به الصلاة، نقله عن ابن عباس
والثاني: التسبيح المعروف
وفي الباء في بحمد قولان:
أحدهما: أنها للمصاحبة فالحمد مضاف إلى المفعول، أي فسبحه حامدا له، والمعنى: أجمع بين تسبيحه وهو تنزيهه عما لا يليق به من النقائص، وبين تحميده وهو إثبات ما يليق به من المحامد والثاني: أنها للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تسبيح بمحمود كما أن تسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصفات، كما كان بشر المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل "
والتسبيح فى القرآن يعنى إما الصلاة المعروفة كما فى قوله" فى بيوت أذن الله الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له بالغدو والأصال رجال" وإما طاعة الله وهنا تعنى طاعة الله لأن الاستغفار يكون على الذنوب وهى عصيان لله وقد ذكر بعدها
ثم قال :
"وقوله: واستغفره
أي اطلب مغفرته، والمغفرة هي وقاية شر الذنب لا مجرد ستره
والفرق بين العفو والمغفرة أن العفو محو أثر الذنب، وقد يكون بعد عقوبة بخلاف المغفرة فإنها لا تكون مع العقوبة
ثم قال :
"وقوله: "إنه كان توابا "
إشارة إلى أنه سبحانه يقبل توبة المستغفرين المنيبين إليه، فهو ترغيب في الاستغفار، وحث على التوبة وقد فهم طائفة من الصحابة "أن النبي(ص)أمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار عند مجيء نصر الله والفتح، شكرا لله على هذه النعمة كما صلى النبي(ص)يوم فتح مكة ثماني ركعات وكذلك صلى سعد يوم فتح المدائن، وكانت تسمى: صلاة الفتح"
لا يوجد شىء اسمه صلاة الفتح ولا سجود النصر فهذا زيادة على شرع الله
ثم حدثنا الرجل حديثا بعيدا عن كون الله تواب فقال :
"وأما عمر وابن عباس فقالا: بل كان مجيء النصر والفتح علامة اقتراب أجله، وانقضاء عمره، فأمر أن يختم عمله بذلك، ويتهيأ للقاء الله، والقدوم عليه على أكمل أحواله وأتمها، فإنه لما جاء نصر الله والفتح بحيث صارت مكة دار إسلام، وكذلك جزيرة العرب كلها، ولم يبق بها كافر، ودخل الناس في دين الله أفواجا
وقد بلغ رسول الله(ص)رسالات ربه، وعلم أمته مناسكهم وعباداتهم، وتركهم على البيضاء، ليلها كنهارها، ولم يبق له من الدنيا حاجة، فحينئذ تهيأ للنقلة إلى الآخرة فإنها خير له من الأولى ، ولهذا نزلت "اليوم أكملت لكم دينكم "[المائدة: 35] بعرفة
وعلم الأمة مناسكهم وقال لهم: «لعلي لا أراكم بعد عامي هذا»
وقال لهم: «هل بلغت» قالوا نعم، وأشهد الله عليهم بذلك، وودع الناس فقال: «هذه حجة الوداع»
وقد خير "بين الدنيا وبين لقاء ربه، فكان آخر ما سمع منه «اللهم الرفيق الأعلى»
ونظير هذا الفهم الذي فهمه عمر من هذه السورة ما فهمه أبو بكر من قول النبي(ص)في خطبته: «إن عبدا خير بين الدنيا وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه» وقد سبق من حديث ابن عباس ما يدل على ذلك
وفي «صحيح البخاري» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال ما تقولون في قول الله عز وجل "إذا جاء نصر الله والفتح "؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره فلم يقل شيئا! فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا! قال: ما تقول؟ قلت هو أجل رسول الله أعلمه له قال "إذا جاء نصر الله والفتح "فذاك علامة أجلك، "فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا "فقال عمر بن الخطاب : ما أعلم منها إلا ما تقول وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من غير وجه
وفي «المسند» عن أبي رزين عن ابن عباس قال: «لما نزلت: "إذا جاء نصر الله والفتح "علم النبي أنه قد نعيت إليه نفسه»
وقد سبق من حديث ابن عباس أن النبي(ص)لما نزلت هذه السورة أخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة
وروى الخرائطي في «كتاب الشكر» من طريق شاذ بن فياض عن الحارث بن سبل عن أن النعمان الكندية عن عائشة قالت: لما نزلت هذه الآية: "إنا فتحنا لك فتحا مبينا "[الفتح: 1] اجتهد النبي(ص)في العبادة فقيل له: يا رسول الله ما هذا الاجتهاد؟ أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» إسناده ضعيف
وروى البيهقي من طريق سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت: "إذا جاء نصر الله والفتح "دعا رسول الله(ص)فاطمة، وقال: «إنه قد نعيت إلى نفسي»، فبكت، ثم ضحكت، وقالت أخبرني أنه قد نعيت إليه نفسي فبكيت، ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت
وكان النبي(ص)يكثر من التسبيح والتحميد والاستغفار بعد نزول هذه السورة في الصحيحين عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله(ص)يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن وفي «المسند» و «صحيح مسلم» عنها قالت: كان رسول الله(ص)يكثر في آخر أمره من قول: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا، فقد رأيتها: "إذا جاء نصر الله والفتح "السورة كلها
وروى ابن جرير من طريق حفص ثنا عاصم عن الشعبي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله(ص)في آخر أمره لا يقوم ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: «سبحان الله وبحمده» فقلت: يا رسول الله إنك تكثر من «سبحان الله وبحمده»، لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: «سبحان الله وبحمده» قال: «إني أمرت بها»، فقال: "إذا جاء نصر الله والفتح "إلى آخر السورة غريب
وفي «المسند» عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت على رسول الله(ص)"إذا جاء نصر الله والفتح "كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم» ثلاثا "
وكل هذا الكلام عن نعى نفس الرسول(ص) إليه خبل وجنون مع كون الآية نزلت قبل وفاته بأربع سنوات والمفروض أن نعى النفس يكون فى السنة الأخيرة مثلا
أقول هذا افتراضا لأن الله لا يقول لأحد لأنه سيموت لأن هذا علم خاص به وحده كما قال تعالى :
|