وعليه فقد توقف غوي روشي عند التدبير الإداري وتبيان دور الموظفين في ذلك وذكر ما ينتظره المواطنون من هؤلاء الموظفين الإداريين على الرغم من كون هؤلاء الإداريين لا يملكون الحق في كثير من الأحيان في استصدار القرارات الإدارية والسياسية لذا يطرح هذا الواقع قضايا من نوع تخليق الإدارة والجودة والإتقان والكفاءة والمعاملة الحسنة مع المواطنين وخدمة المصلحة العامة بدل تحقيق المصالح الشخصية والتحكم الجيد في ميزانية الإدارة وترشيد مواردها المادية والمالية
ويلاحظ كذلك أن الإدارة العمومية قد تتكون من موظفين متخصصين في مجال الإدارة وموظفين غير متخصصين في هذا المجال ونخبة سياسية منتخبة تشرف على تسيير الإدارة وتدبيرها
وهناك إشكالية أخرى في مجال التسيير الإداري فهناك تسير إداري محلي وجهوي ومركزي بمعنى أن ثمة علاقة بين الموظف الإداري والحكومة التنفيذية تتم إما في إطار السياسة المركزية وإما في إطار السياسة اللامركزية أو سياسة اللاتركيز
ويلاحظ غوي روشي أن الإدارة ليست خاضعة دائما للتنظيم العقلاني كما يرى ماكس فيبر بل قد تتضمن بعض الملامح من المجتمع الإقطاعي ولاسيما في المجتمعات غير الديمقراطية ويلاحظ كذلك أن علاقة الموظف الأدنى بالموظف الأعلى خاضعة لعلاقة الهيمنة والخضوع والتبعية بمعنى أن المدير أو الموظف الكبير يتحكم في الموظف الصغير ومن ثم يؤثر نجاح الرئيس أو فشله في وضعية الموظف الصغير سلبا أو إيجابيا
أضف إلى ذلك أن كثيرا من الموظفين لا يستطيعون أن يصلوا إلى مناصب عليا أو مناصب القوة والنفوذ والقرارات السياسية والإدارية على الرغم من امتلاكهم للشهادات والدبلومات العالية وتوفرهم على الكفاءات العليا باستثناء الذين يتقربون من رؤسائهم بالولاء والحسب والنسب والمصاهرة والخضوع الأعمى فما يمكن أن يصلوا إليه سوى الظفر بالمناصب المتوسطة أو القريبة من المناصب العليا ويعني هذا كله غياب الديمقراطية الحقيقية في الإدارة العمومية وخضوعها للهيرارشية الإقطاعية والمزاجية والسياسية والحزبية
ويرى جيري جاكوب أن النموذج الويبري أو النمط المثالي للبيروقراطية عند ماكس ويبر مجرد نموذج خيالي ورمزي أما في الواقع الإداري فالبيروقراطية المثالية تتحول إلى فيودالية إقطاعية خاضعة للأهواء والولاءات والأمزجة والمصالح الشخصية والضغوطات السياسية والحزبية والنقابية ليس إلا
والدليل على فيودالية الإدارة تقسيمها إلى إدارات مركزية وغير مركزية من جهة أولى ووجود الدواوين والمفتشيات والكتابات العامة والمديريات والأقسام والمصالح والمكاتب
من جهة ثانية وتنظيم الإدارة الترابية إلى إدارة مركزية وجهوية ومحلية من جهة ثالثة وتقسيم الإدارة المحلية إلى مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة
وينتج عن هذا التقسيم الإداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية وتضارب للمنافع والمصالح واختلاف المنطلقات السياسية والإيديولوجية ويعني هذا وجود صراعات ترابية وإدارية وتدبيرية داخلية وخارجية ومن ثم يقوم كل وزير بإدخال تغييرات جزئية أو كلية على إدارته ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته الحزبية أو السياسية أو الإدارية وقد يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إلى إدارات حكومية أخرى فقد يتدخل الوزير الأول في إدارة وزير الوظيفة العمومية فيفرض عليه مجموعة من القرارات لتنفيذها إداريا
وعليه تخضع الإدارة لمنطق الصراع والتنافس والاختلاف والتفاوت الهيرارشي وقد يكون الصراع بين الموظفين الإداريين أنفسهم أفقيا وعموديا أو قد يكون بين الموظفين ورؤساء الإدارة أو بين الموظفين والوزارة المعنية وقد يكون الصراع بين النظامين الإداريين: البيروقراطي العقلاني والإقطاعي الروتيني وقد يكون الصراع إيجابيا ومثمرا لصالح الإدارة وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم الإدارة وتطورها
أما فيما يخص السلطة الإدارية يلاحظ أن الدول الليبرالية المتقدمة لا تعطي للإدارة الحرية التامة لتقوم بكل شيء فسلطتها مقننة بقوانين وتشريعات قضائية ودستورية بل يمكن محاسبة هذه الإدارة ومحاكمتها قضائيا في المحاكم الإدارية أي: لا يمكن للدولة أو الإدارة العمومية أن توظف سلطتها بشكل غير مسؤول وإلا اعتبر ذلك شططا أو سوء استخدام للقوة الإدارية ومن هنا يمكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى لمقاضاتها بهدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه أو تغيير وضعيته المادية أو المالية أو المعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة ديمقراطية تؤمن بحقوق الإنسان الخاصة والعامة
أما الدولة الاشتراكية فالإدارة العامة هي التي تتحكم في الوظيفة العمومية ومرافقها من جهة وتتحكم أيضا في مصير الموظفين من جهة أخرى كما هو حال الإدارة في الاتحاد السوفياتي سابقا والصين الاشتراكية وكمبوديا والفيتنام ومن ثم تتحول الإدارة الاشتراكية - حسب لوي ألتوسير وبولانتزاس إلى وسيلة إيديولوجية لاستيلاب الناس وتخديرهم وتكليسهم إلى جانب الآليات الأخرى مثل: التعليم والإعلام والدين والتربية والجيش
ومن ناحية أخرى يرى غوي روشي أن للدولة المعاصرة حدودا داخلية وخارجية تتحكم فيها على الصعيد الإداري لا يمكن تخطيها أو تجاوزها أو إهمالها مثل: الضغوط الخارجية وضغوط المعارضة وضغوط الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والنخب بمختلف أطيافها
ويبدو أن الدولة الليبرالية المعاصرة تعرف جدلا صاخبا على مستوى الإداري والسياسي وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ والمنافع والمصالح باختلاف الرؤى الحزبية والإيديولوجية ومن ثم تميل الإدارة المعاصرة إلى ترشيد النفقات والاحتكام إلى جودة الخدمات والإتقان في العمل والتسريع في تنفيذ الأعمال والمأموريات الإدارية والتحكم في المصاريف والتقليل من الموارد البشرية والتكيف مع الظروف الإدارية والتأقلم معها حسب الإمكانيات المتاحة وهذا ما يسمى أيضا بالحكامة الجيدة
ومن هنا تقوم الإدارة بوضع برامج تنموية مستدامة وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها إلى مكاتب وشركات خاصة وتسطير مشاريع هادفة في مجالات مختلفة ومتنوعة: التعليم والصحة والسكن والاقتصاد والإدارة والرياضة والسياحة والثقافة والبحث عن الكفاءات والموارد المادية والمالية والمعنوية والاقتصاد في النفقات والدخول في شراكات داخلية وخارجية وتحفيز الموظفين ماديا وماليا ومعنويا وخدمة المواطنين بشكل إيجابي بتوظيف المستجدات التقنية والرقمية ولن يتحقق هذا - فعلا- إلا بالمقاربة التشاركية والمقاربة المندمجة والمقاربة الإبداعية
ومن جهة أخرى يمكن الحديث ضمن سياق الدول والحكومات المعاصرة عن إدارتين متناقضتين: إدارة محافظة تكره التغيير والتجديد والإبداع وتحتكم إلى القواعد البيروقراطية الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن بالابتكار والتجديد والإبداع والتطوير وتأخذ بالمقاربة البيروقراطية العقلانية والمنظمة"
ومما سبق من القول نجد أن القوم جعلوا كل النظريات أو الأنظمة تصب فى شىء واحد وهو :
انتهاء كل الأنظمة إلى وجود قادة وأتباع أى أكابر وأصاغر أى ناس يشرعون وينفذون وناس تطبق عليهم التشريعات يستوى فى ذبك ما يسمونه دول الحرية ودول الاشتراكية أو الشيوعية فبدلا من أغنياء الحرية يوجد أعضاء الحزب الشيوعى أو الاشتراكى
وهو النظام الذى جاء من أجل هدمه الرسل (ص) فعندما يكون هناك رئيس ومرءوس أو كبير وصغير أو تابع ومتبوع فالكفر متواجد وحقوق العباد تكون منهوبة بواسطة التشريعات البشرية
وفى نهاية البحث أشار حمداوى إلى تعدد أنواع الإدارات فقال :
"وفي الأخير يمكن الحديث عن أنواع عدة من الإدارة المعاصرة كالإدارة الحكومية (الإدارة الوزارية) والإدارة البرلمانية والإدارة الحزبية والإدارة النقابية والإدارة المركزية والإدارة الجهوية والإدارة الإقليمية والإدارة الحضرية والإدارة القروية والإدارة الجماعاتية "
ومن ثم فالكل ما زال يحور ويدور فى فلك واحد وهو النظام الكافر القائم على وجود صفوة أو نخبة تحكم وشعب أو عامة هم من تحكمهم الصفوة والتى تسمى بأسماء مختلفة فهم الأشراف الذى لا يطبق عليهم القانون بينما الضعاف هم من يطبق عليهم وتلك النظريات والأبحاث كفتنا إياها الأمثال الشعبية التى لخصت تلك السياسات فى أقوال مثل :
يا بخت من كان النقيب خاله
الذى له ظهر لا يضرب على بطنه
|