نظرات فى كتاب الطمأنينة بين الوهم والحقيقة
"أخي الحبيب:
إن نوعا من الطمأنينة أزبدت بها أفواه كثير من الناس، وأشربت بها قلوبهم، واستملحتها عقولهم، وصار سعيهم وكدهم من أجلها، إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها سخطوا، إنها الطمأنينة الموهومة، الخلود والركون إلى هذه الدنيا، كأنهم لم يعرفوا فناءها، وأن متاعها قليل، حرامها عقاب عند الله يوم القيامة، وحلالها حساب في الدار الآخرة، تسر صاحبا بمساءة صاحب، سرورها مشوب بالحزن،
وصفوها مشوب بالكدر.
لا تطمئن إلى الدنيا وزخرفها
وإن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الأحبة والجيران ما فعلوا
أين الذين هم كانوا لنا سكنا
سقاهم الدهر كأسا غير صافية
فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا
قال المولى جل وعلا: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
قال ابن عباس تعالى في تفسير هذه الآية: كان ناس من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عامهم عام غيث، وعام خصب، وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح، فتمسكوا به. وإن وجدوا عامهم عام جدوبة وعام ولاد سوء، وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير. فنفوا الخيرية عن هذا الدين، فأنزل الله على نبيه صلوات الله وسلامه عليه: {ومن الناس من يعبد الله على حرف ... }.
واسمع يا رعاك الله، إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخرجه الشيخان في صحيحيهما: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق، والسكينة في أهل الغنم، والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر»، فدل الحديث أن أهل الغنم هم ألين قلوبا، وأرق أفئدة، بسبب ما هم عليه من البساطة والكفاف، بعكس حال أهل الخيل والوبر؛ الذين امتلكتهم المادة، فاطمأنوا إلى زهرة الحياة الدنيا، فاستسمنوا ذا ورم، ونفخوا في غير ضرم."
والخطأ فى الحديث أن الإيمان فى اليمن والكفر فى الشرق ويخالف هذا أن الكفر والإيمان يوجدان فى كل مكان بدليل وجود كفار ومسلمين فى المدينة وفى مكة وفى غيرهما من البلاد كما جاء بالقرآن
والخطأ أن أهل الغنم مشتهرون بالسكينة وأهل الخيل والوبر مشتهرون بالفخر والرياء وهو ما يخالف أن المجاهدين المسلمين كما فى الروايات كانوا يركبون الخيل فهل أعظم المسلمين درجة " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"أصبحوا أهل فخر ورياء؟
قطعا لا والحديث يبدو وكأنه حرب من اهل الغنم على أهل الخيل والجمال
وقال الرجال :
"{إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}
{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}
* أما عند الموت والمرء في إقبال على الآخرة، في إدبار عن الدنيا، تلك اللحظات المرة، والدقائق الصعبة، والروح تخرج من الجسد إلى إحدى الدارين، إما إلى الكرامة التي أعدها الله لأوليائه، أو إلى الدار الأخرى، نسأل الله النجاة والسلامة، ففي تلك الأوقات ماذا عن الطمأنينة وأهلها؟.
يقول الرب تبارك وتعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي}
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن كما في (الدر المنثور) أنه قال في تفسير هذه الآية: (إن الله إذا أراد قبض عبده المؤمن اطمأنت النفس إليه، واطمأن إليها، ورضيت عن الله، ورضي الله عنها، فأمر بقبضها فأدخلها الجنة، وجعلها من عباده الصالحين).
وقال قتادة كما في (الدار) أيضا: (هذا المؤمن اطمأن إلى ما وعد الله).
* وللطمأنينة درجات: كما يوضح ذلك ابن القيم :
طمأنينة القلب بذكر الله، وهي طمأنينة الخائف إلى الرجاء، والضجر إلى الحكم، والمبتلى غلى المثوبة، لأن الخائف إذا طال عليه الخوف واشتد به، وأراد الله -عز وجل-أن يريحه، ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة، فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمأن به، وسكن لهيب خوفه.
* وأما طمأنينة الضجر إلى الحكم فالمراد بها: أن من أدركه الضجر من قوة التكاليف وأعباء الأمر وأثقاله، ولا سيما من أقيم مقام التبليغ عن الله، ومجاهدة أعداء الله، وقطاع الطريق إليه، فإن ما يحمله ويتحمله فوق ما يحمله الناس ويتحملونه، فلابد من أن يدركه الضجر ويضعف صبره فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه أنزل عليه سكينته، فاطمأن إلى حكمه الديني وحكمه القدري، ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين.
* وأما طمأنينة المبتلى إلى المثوبة: فلا ريب أن المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأن بمشاهدة العوض، وإنما يشتد به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثواب
اللهم إنا نسألك توبة تبرد قلوبنا عند الموت، وراحة بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة"
وهذا التقسيم لا دليل عليه من وحى الله فالطمأنينة فى القرآن كونها على نوعين :
الأول :
الطمأنينة بذكر الله أى طاعة أحكام الله كما قال تعالى :
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
الثانى :
الاطمئنان إلى التمتع بالحياة الدنيا كما قال تعالى :
"إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون"
|