عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-06-2023, 08:06 AM   #1
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,967
إفتراضي

الدليل الأول : قوله تعالى في آخر الآية : { فتعالى الله عما يشركون } وهذا يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة ، ولو كان المراد آدم وحواء (ص) لعبر عنهما بصيغة التثنية .
الدليل الثاني : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } ، وهذا يدل على أن المقصود من هذه الآية الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى ، وليس المراد بها آدم وحواء (ص)
الدليل الثالث : لو كان المراد إبليس لقال :أيشركون " من " لا يخلق شيئا ، ولم يقل " ما " ؛ لأن العاقل إنما يذكر بصيغة " من " لا بصيغة " ما ".
الدليل الرابع : أن هذا القول فيه تنزيه لمقام آدم (ص) من الشرك ، والقول الذي فيه تنزيه لمقام الأنبياء وإجلال لمقامهم ، مقدم في التفسير على القول الذي فيه قدح بعصمتهم ، وحط من منزلتهم.
الدليل الخامس : أن المروي عن سمرة في تفسير الآية لم يثبت بسند صحيح ، وعليه فلا يصح حمل الآية على أمور مغيبة لم يثبت فيها دليل من كتاب أو سنة
الدليل السادس : أنه لو كانت هذه القصة في أدم وحواء ، لكان حالهما إما أن يتوبا من ذلك الشرك أو يموتا عليه ، فإن قلنا : ماتا عليه ، كان هذا القول فيه فرية عظيمة ؛ لأنه لا يجوز موت أحد من الأنبياء على الشرك ، وإن كان تابا من الشرك ، فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما ولا يذكر توبتهما منه ، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا ، ثم لا يذكر توبتهما ، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها ، كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة هو وزوجه وتابا من ذلك .
الدليل السابع : أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة ، فيعتذر بأكله من الشجرة التي عصى الله تعالى بالأكل منها في الجنة فلو كان وقع منه الشرك ، لكان اعتذاره منه أقوى وأولى وأحرى
الدليل الثامن : أن الله تعالى أسند فعل الذرية إلى آدم وحواء ؛لأنهما أصل لذريتهما ، كما في قوله تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم أي بتصويرنا لأبيكم آدم ؛ لأنه أصلهم، بدليل قوله بعده : { ثم قلنا للملآئكة اسجدوا لآدم }
الإيرادات والاعتراضات على هذا المذهب وأدلته :
1 اعترض القاضي ابن عطية على الاستدلال بقوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } وأن المراد بها مشركو العرب ، اعترض قائلا : " وهذا تحكم لا يساعده اللفظ ، ويتجه أن يقال : تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء (ص) وجاء الضمير في " يشركون " ضمير جمع؛ لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث ".
2 واعترض أيضا : بأن هذا المذهب يرده قوله تعالى : { جعلا } بصيغة التثنية ، فلو كان المراد المشركين من ذرية آدم (ص) لورد اللفظ بصيغة الجمع .
وقد أجاب الفخر الرازي عن هذا الاعتراض فقال : " فإن قيل : فعلى هذا التأويل ما الفائدة في التثنية في قوله : { جعلا } ؟ قلنا :لأن ولده قسمان : ذكر وأنثى ؛ فقوله : { جعلا } المراد منه الذكر والأنثى ، مرة عبر عنهما بلفظ التثنية ؛ لكونهما صنفين ونوعين ، ومرة عبر عنهما بلفظ الجمع ، وهو قوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } "
المبحث الرابع : الترجيح
الذي يظهر والله تعالى أعلم أن الآية ليست في آدم وحواء (ص) وإنما هي خطاب للمشركين من قريش وغيرهم ، والمقصود بها ضرب المثل ، وأن هذه هي حالة المشركين ، فهو سبحانه يذكر أنه خلق كل واحد منهم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها ، ولما كان من طبيعة البشر حب الولد ذكر الله تعالى أن هذين الزوجين كانا حريصين على أن يرزقا بولد صالح لينتفعا به ، وأنهما قد عاهدا الله لأن آتاهما صالحا ليكونن من الشاكرين ، فلما آتاهما صالحا جعلا لله شركاء فيما آتاهما ، حيث نسبا هذه النعمة لغير الله ؛ وعبدا أولادهما لغير الله، ثم أخبر سبحانه أنه بريء مما يشرك به هؤلاء، وغيرهم ؛ فقال : { فتعالى الله عما يشركون } .
والآية مراد بها ذكر الجنس لا النوع ؛ فقوله تعالى : { خلقكم من نفس واحدة } أي من جنس واحدة ، وقوله : { وجعل منها زوجها } أي وجعل من هذا الجنس زوجة هي على شاكلته ، ولم يجعلها من جنس آخر ، ولفظ النفس قد يطلق ويراد به الجنس ، كما في قوله تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] أي من جنسهم
أدلة هذا الاختيار :
ذكرت فيما سبق ثمانية أدلة تؤيد هذا الاختيار ، وهي أدلة قوية ، ويمكن أن يضاف إليها أدلة أخرى ، منها :
1 أن الله تعالى قال في هذه الآية: { وجعل منها زوجها } ، وقال في سورة النساء : { وخلق منها زوجها } [ النساء : 1 ] وآية النساء معني بها آدم وحواء باتفاق ، وعبر بقوله : { وخلق منها زوجها } ؛ لأن حواء مخلوقة من نفس آدم ، وأما في آية الأعراف فقال : { وجعل منها زوجها } ؛ لأن المراد ذكر الجنس، لا ذكر النوع وهو آدم ، والفرق بين الخلق والجعل : أن الخلق هو ابتداء الشي من غير مثال سابق ، وأما الجعل فهو إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه ، وهذا هو حال كل فرد من بني آدم ؛ فإنهم يتناسلون ويتوالدون من بعضهم البعض ، وأما حواء فإنها خلقت ابتداء من آدم من غير أم ولا أب .
وقد وردت عدة آيات تدل على أنه إذا ورد لفظ " جعل " فالمراد به الجنس ، منها : قوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } [ النحل:72] ، وقال تعالى : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث } [ الزمر:6] ، وقال تعالى : { جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه } [ الشورى:11]
2 ومما يؤكد أن الآية معني بها المشركون على وجه العموم : أنه لم يصرح بذكر آدم وحواء (ص) في الآية ، والمتأمل في قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم يلاحظ التصريح بذكر أسمائهم ، ومن هؤلاء آدم (ص)؛ فإنه إذا ذكرت قصته يذكر باسمه الصريح غالبا .
3 ويدل على أن الآية في المشركين عامة : الاستطراد في الآيات التي بعد هذه الآية في وصف حال مشركي العرب ، وهي صريحة بأنهم هم المرادون بهذا الشرك ، لا آدم وحواء
قال تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون * وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون * إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } [ الأعراف : 191194] .
4 أنه لم يثبت دليل على أن الآية معني بها آدم وحواء (ص) إلا ما روي من حديث سمرة ، وهو ضعيف كما تقدم ، وما روي عن ابن عباس في الآية يعد من الإسرائيليات المتلقفة عن مسلمة أهل الكتاب ، وإنما التبس على كثير من المفسرين الأمر ، وظنوا أنها في آدم وحواء ، بسبب هذه الروايات ، وهذه آفة من آفات الإسرائيليات والتي تعتبر من الدخيل السيئ في التفسير .
قال الحافظ ابن كثير بعد أن أورد أثر ابن عباس في الآية :" وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه ، كمجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومن الطبقة الثانية : قتادة ، والسدي ، وغير واحد من السلف، وجماعة من الخلف ، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة ، وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب ؛ فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب ....، وهذه الآثار يظهر عليها والله أعلم أنها من آثار أهل الكتاب ".
الإيرادات والاعتراضات على هذا الاختيار وأدلته:
اعترض على هذا الاختيار بأن ابن جرير الطبري حكى الإجماع على أن الآية معني بها آدم وحواء (ص) وعليه فلا يجوز القول بأن الآية معني بها المشركون ؛ لأن في هذا مخالفة للإجماع .
والجواب :
أن لابن جرير رأي آخر في معنى الإجماع ، فهو يرى أن الإجماع ينعقد بقول الأكثرين ، ولا يعتد بمخالفة الواحد والاثنين ، ويعده شذوذا .
وأما الجمهور من العلماء فإن الإجماع لا ينعقد عندهم إذا كان في المسألة قول آخر ، ولو كان القائل به واحدا .
وبهذا تعرف أن ما يحكيه ابن جرير من الإجماع إنما يعني به قول الجمهور في الغالب ، وعليه فلا يصح دعوى الإجماع في تأويل هذه الآية "
والحق أن ظاهر الآية يدل على آدم (ص) وزوجه دون أى شك
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس